مقالات متنوعة

في ندوة الترابي.. الاعتراف الفالت


في ندوة الترابي.. الاعتراف الفالت
في مناخ الذكرى الثالثة عشرة بعد المائة لاستشهاد سيد شهداء السودان الخليفة عبد الله التعايشي في معركة أم دبيكرات في مثل يوم أمس 24 نوفمبر 1899م ومعه صحبه الميامين مثل نائبه الأول الخليفة علي ود حلو والعطا ود أصول الشايقي، والنائب الفحل البطحاني وأحمد جمال الدين الجعلي، وكان قد نجا من نار العدو عثمان دقنة، ولم ينج من الأسر محمود ود أحمد، في مناخ هذه الذكرى التي تقول لنا بأن الأيام دول وأن الأجيال تأتي وتذهب وأن قيمة الحياة الوحيدة هي اتخاذها دار عمل للتزود بالإيمان والتوحيد لدار الجزاء في الآخرة، عقدت نقابة المحامين ندوة قانونية حول تعديل الدستور تحدث فيها الأساتذة بدرية سليمان والدكتور علي السيد وحسن الترابي مؤسس وزعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض. وباختصار أثيرت عدة نقاط مهمة في الندوة وبعض النقاط غير مهمة، فقد كانت من باب العاطفة السياسية مثل الحديث عن قضية الجنوب وانفصاله. وقد أنتجت الإشارة إليها من قبل الترابي تناقضاً في حديثه، حيث أنه يؤيد انتخاب الولاة، ويتحدث في نفس الوقت عن انفصال الجنوب بالاستفتاء وبعملية ديمقراطية باعتبار أنه مشكلة كان يمكن تلافي وقوعها لو… ولو….ولو.. قال الترابي في الندوة إن المهدية حكمت بالاسلام، لكن الحركة الإسلامية ضيعت الإسلام بالإسلام السياسي.
أولاً منذ الأنظمة الإسلامية داخل السودان بجغرافيته هذه عام1405م كان الحكم بتعاليم الإسلام، لأن الحكام كانوا مسلمين منذ ذاك التاريخ ولم يرثوا قوانين بريطانية أو هندية، ولا نظام حكم يوناني أو قيصري، وأقصد بيوناني فلسفة الحكم مثلاً في نظرية افلاطون. وحينما وصلت قوات الدفتردار الغازية إلى كردفان استنكر المقدوم مسلم الأمر، وقال إن تعاليم الإسلام لا تقر إعادة فتح منطقة أصلاً هي مسلمة، إذن لقد كانت طموحات أسرة محمد علي باشا المجرمة مخالفة للتعاليم، وهي طبعاً ليست أسرة تركية.. هي ألبانية وقد خدعوا الأتراك الذين ظنوا بحكم بعدهم عن إفريقيا أن كردفان مثل جنوب إفريقيا تحتاج إلى فتح إسلامي، إنها خدعة يهودية من أسرة قيل أنها يهودية وتتخبأ وراء اسم محمد علي وإسماعيل ومحمد بك. لكن بعد الاستقلال من الاحتلال البريطاني الصليبي الواضح، لم تهتم الحكومات الوطنية بكنس كل آثاره السلبية أو المخالفة للقيم والمبادئ عند المسلمين، وكأنما الشيخ علي طالب الله تنبأ بهذا، لذلك أطلق دعوة استئناف الحياة الإسلامية في الحكم وغيره. وكان ذلك في أربعينيات القرن الماضي قبل الاستقلال من الاحتلال البريطاني. فالإسلاميون أصحاب مشروع استئنافي، لكن الإسلام ضيعه الطفيليون بداخلهم الذين عادوا من السربون بعد نجاح عملية غسل المخ. إن الإسلام يضيعه إنكار بعض أحكامه وتعالميه، يضيعه إنكار عذاب القبر، ويوم البعث والمسيح الدجال. يضيعه إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة. والأمر الثاني أن الترابي ذكر في الندوة أن العلاقات الخارجية للبلاد في حالة سيئة. طبعاً حتى ولو كانت كذلك فقد كانت في حالة أسوأ من الآن قبل يوم قرارات الرابع من رمضان التي صدرت في الثاني عشر من ديسمبر عام 1999م، وهذا معلوم. إذن من أسوأ إلي سيئ يعني أنها تمضي إلى الأفضل والأحسن.
وقال الترابي في الندوة إنه يريد أن يتوب من الانقلابات هو ومن معه. لكن ترى اعلان التوبة الآن لماذا؟ أليس لأن الطريق إلى انقلاب بعد انقلاب 30 يوليو 1989م اصبح مسدوداً بقوة، ولا سبيل إلى فتحه بعد خلو الخلايا السياسية من داخل القوات المسلحة؟ إن الجيش ما عاد محشواً بخلايا حزبية مثلما كان قبل عام 1989م، فهو الآن جيش وطني صرف .. كل همه مع روافده الدفاع وفرض واقع السلام والأمن والاستقرار. وقد ضغط على المتمردين حتى جلسوا وتوصلوا مع الحكومة إلى اتفاقية نيفاشا، والآن يضغط على ذيول حركة قرنق لدرجة أن رأوا أن الملاذ الآمن لهم بعد ليبيا وجنوب السودان حيث معسكراتهم، انه منابر التفاوض في أديس أبابا. إن التوبة من فعل شيء أصبح من المستحيلات ولا معنى لها، ولو كان هذا الشيء ممكناً لما آثر السياسيون توبة غير ذات قيمة.
ثم يقول الترابي إن ظهوره في المؤتمر العام للمؤتمر الوطني ضمن المدعوين طبعاً، أثار الهلع لدى الغرب، طبعاً على رأسهم واشنطن، إذن ماذا يمكن أن يتولد من هذا الهلع ضد البلاد؟ أليس من الحكمة إذن أن يستمر مفعول قرارات الرابع من رمضان حماية للبلاد؟ الرجل يعترف إذن. وأن العلاقات مع الخارج التي يصفها بالسيئة ستعود إلى مربع الأسوأ إذا عاد الى الحزب الحاكم مادام آثار الهلع. إن واشنطن قد تظنه مثل القرضاوي ومحمد بديع، لكنها تكون مخطئة مثل السلطان العثماني الذي ظن خيراً في محمد علي باشا، واعتقد أن كردفان مثل جنوب إفريقيا لم يدخلها الإسلام ولم يحكمها المقدوم مسلم.

الكاتب : خالد حسن كسلا
الحال الآن – صحيفة الإنتباهة