تحقيقات وتقارير

عن أطفال الأنابيب نحكي : ربي ما تحرم بيت من الأطفال


وأنت تهم بدخول هذا المبنى المهيب، لا تملك إلا أن تردد مقطع الأغنية الشهيرة: (ربي ما تحرم بيت من الأطفال)، لأن رائحة الرغبة في أولاد (يملو البيت نضار وجمال)، تفوح من كل أركان المبنى ومن بين عيون المنتظرين في أمل، لأنه لا مكان لليأس هنا.
كثيرون من المحرومين يدخلون (مركز السودان للإنجاب وأطفال الأنابيب)، تسبقهم آمالهم العريضة في (ضحكة رنانة)، إحداهن لم تفقد الأمل في الله وهي تتمنى منذ ثمان سنوات أن يلفظ حشاها طفل، وأخرى تجلس على كرسي قصيّ، وأنت تطالع في عينيها تضرعاً للمولى عزّ وجل، عسى ولعل أن تنجح (العملية)، ويمن الله عليها (بطفل أنابيب) تسعد به بعد أن إنتظرت قدومه لسنوات، وهذه أخرى تمسك بيد زوجها، أو هو الذي يمسك بيدها، وتلاحما أملاً يشوبه طول إنتظار وصبر، وإبتسامة تُحدِث عن محاربة اليأس وإنتظار الممكن، لا المستحيل.
الكل هنا يتأبط ملفاً يعلوه لون اليأس الأصفر، كل ورقة فيه تخبر حامله بضرورة إكمال فحص آخر، لأنه يستوجب علاجاً آخر قيمته قد (تقد الجيب).
(1)
قالت إحدى السيدات الآملات في طفل ولو عن طريق الأنابيب، أنها تنتظر دورها لتنال الحقنة اليومية التي تؤخذ عادة قبل إجراء العملية لمدة تتراوح بين 12 الى 14 يوم، قلت لها:
* متزوجة ليكي كم سنة؟!
ـــ خمس سنوات، ودي المرة التانية أعمل طفل أنابيب، المرة الأولى حسب مشيئة الله لم يكتمل الحمل، وغالباً بقولوا إنو طفل الأنابيب ما بنجح من أول مرة.
بعد طواف قليل على المنتظرات، عرفت أن هذه السيدة ليست وحدها التي تعاود الكرة، لأن التي تجاورها في المقعد ستقوم بإجراء العملية للمرة الثالثة.
تركتهم في الصالة كل ينتظر دوره بين (أمل وألم)، لألتقي بمدير مركز السودان للإنجاب وأطفال الأنابيب، أخصائي النساء والتوليد والعقم وأطفال الأنابيب، الدكتور محمد حافظ سالم الذي قال لــ (حكايات):
(
هذا بالنسبة للمرأة، أما الرجل فيخضع لتحليل السائل المنوي والهرمونات الدماغية وعمل الموجات الصوتية للخصيتين لمعرفة أسباب العقم).
وتبدأ مراحل عملية طفل الانابيب بإعطاء الزوجة حقن منشطة للمبايض ومتابعة نمو الحوصلات التي تحتوي على البويضات بالموجات الصوتية الى أن تصل الى الحجم المناسب للسحب، ويتم سحب الحوصلات بواسطة قسطرة مخصصة لهذا الغرض بمساعدة جهاز الموجات الصوتية، ومن ثم يتم تلقيح البويضات في معمل الأجنة.
وبعد 14 يوماً من إرجاع الأجنة، يتم فحص الحمل، وبعد ذلك يعامل كأي حمل طبيعى).
أطفال الأنابيب: ربي ما تحرم بيت من الأطفال
كشف مدير مركز السودان للإنجاب وأطفال الأنابيب أن نسبة نجاح عمليات أطفال الأنابيب تتراوح بين 35% و40%.
وقال أختصاصي أطفال الأنابيب، الدكتور محمد حافظ سالم أن إستراتيجية علاج العقم في مركز السودان للإنجاب وأطفال الأنابيب تبدأ بالبحث في تاريخ المرض للزوج والزوجة، وإجراء التحاليل للغدد المنتجة للهرمونات التي تتحكم فى المبايض والخصي، وبالتالي إنتاج الأمشاج في الجنسين، والأنابيب والرحم وعنق الرحم وفتحة المهبل الخارجية.

فشل العملية (بنزعل) أكتر من المريض، لأن العملية مكلفة، ولزيادة نسبة حدوث الحمل نقوم بعمل ما نسميه بالعامية (اللصاق)، وذلك باجراء فتحة في جدار الجنين لتزيد من إمكانية غرس الجنين في بطانة الرحم.
فعند تحليل السائل المنوي، قد يخلو السائل من الحيوانات المنوية، وفي هذه الحالة نقوم بتحليل لغدة البتويترى الموجودة في الدماغ لمعرفة ما إن كان هنالك أنسداد في مخرج الحيوانات المنوية، فإذا كان الأمر كذلك، يمكن أخذ عينة من الخصية وتجميدها لمدة قد تصل الى عشر سنوات.
وبالنسبة للمرأة التي تعاني من إنسداد الأنابيب، لابد من إجراء العملية، فاذا كان الإنسداد في أول الأنبوب نجري عملية منظار بطني لفك الإنسداد، أما إذا كان الإنسداد في آخر الأنبوب فنجري عملية أطفال الأنابيب مباشرة، ووجود لحمية في الرحم لايعني أنها تتسبب في العقم، إلا في حالة تأثيرها على الغشاء المبطن، في هذه الحالة لابد من إزالتها، لأنها تكون سبب في الإجهاض أيضاً).
(2)
يؤكد مدير مركز أطفال الأنابيب صعوبة العلاج لو أن المشكلة كانت في الخصية التي تخلو من الحيوانات المنوية، فهذه الحالة لا علاج لها، ولكن لو وجدت فيها خلايا حياتية يمكنها إنتاج حيوانات منوية، حينها تتوسع دائرة الأمل في العلاج، كذلك بالنسبة للمرأة، إذا كانت المبايض لاتنتج بويضات، فلايمكن علاجها أبداً.
* ومتى تلجأون لعملية أطفال الأنابيب؟!
ـــ نلجأ لهذا الخيار لو أن مبيض المرأة ضعيف الإنتاج، أى ينتج بويضات بنسبة ضئيلة، فنستعين أولاً بالحقن والأدوية، وفي حال الفشل، نلجأ الى عملية طفل الأنابيب.
* كيف يتم سحب البويضات؟!
ـــ يتم في حالة التكيس المبيضي، ولكن بعد عمل المنظار وتنشيط للمبيض، فاذا لم يحدث حمل، تسحب البويضات وتُلقِّح خارجياً، ثم يتم إعادتها، أي أن التكيس المبيضي خارج دائرة الأسباب التي تؤدي لعملية طفل أنابيب.
* ومن هم الذين تنصحهم باطفال الأنابيب؟!
ـــ أنصح الذين يرددون عبارة (ربنا ما قال ليها كوني)، لأن رحم الله وسعت كل شيء، والذين لا يوجد لديهم أسباب أو موانع مرضية تقف حائلاً دون الحمل.
* وهل تثبت الفحوصات فعلاً بأن لا شيء يمنعهم من الحمل؟!
ـــ بالطبع، توجد حالات بين المتزوجين يتبين من التحاليل أن ليس لديهم ما يمنع الحمل، وهؤلاء نطلق عليهم (عدم الحمل غير المبرر)، وهذه الفئة ننصحها بعمل أطفال الأنابيب.
* حسناً، ماهي مخاطر عملية أطفال الأنابيب؟!
ـــ مخاطر العملية قليلة (جداً جداً)، ومن النادر حدوث تضخم في المبايض مع وجود بعض السوائل في البطن، ولتقليل التضخم نعطي المريض أدوية وعلاجات بعد السحب، كذلك يمكن أن تحدث بعض الإلتهابات، لذا نحقن المريضة بمضادات حيوية أثناء وبعد عملية سحب البويضات.
* ونسبة التشوهات بين الأجنة؟!
ـــ نسبة تشوهات الجنين لا تزيد بكثير عن نسبة التشوهات في الحمل الطبيعي، وأنا أعمل في مركز أطفال الأنابيب منذ العام 1994م ولم تصادفني حالة تشوه واحدة لجنين، لأنه يتم إختيار الحيوان المنوي والبويضة، ولكن لو حصل شك في إحتمال وجود تشوه، نأخذ خلية من داخل الجنين ونشخصها (جينياً) قبل إرجاعه.
* وكم تبلغ نسبة نجاح العملية؟!
ـــ نسبة نجاح العملية تتراوح بين 35% و40%، وعند فشل العملية (بنزعل) أكتر من المريض، لأن العملية مكلفة، ولزيادة نسبة حدوث الحمل نقوم بعمل ما نسميه بالعامية (اللصاق)، وذلك باجراء فتحة في جدار الجنين لتزيد من إمكانية غرس الجنين في بطانة الرحم.
* الى أي مدي ترجح صحة القول بأن عملية طفل الأنابيب لا تنجح من المرة الأولى؟!
ـــ نسبة نجاح العملية في المرة التانية والثالثة أعلى من نسبة نجاحها للمرة الأولى، ولكن عمليات كثيرة جداً نجحت من أول محاولة.
* متى وأين تمت أول عملية طفل أنابيب في السودان؟!
ـــ كان ذلك في العام 2001 بمركز السودان للإنجاب وأطفال الأنابيب.
* كم تبلغ تكلفة عملية طفل الأنابيب؟!
ـــ تتراوح ما بين 5 ملايين ونصف الى 8 ملايين، حسب قيمة الأدوية التي يأخذها الزوجين.
* في رأيك، ما الذي يخفف من تكلفة العملية؟!
ــ خفض أسعار الدواء والجمارك على المواد التي تؤخذ لإجراء العملية، إضافة للدعم المادي من وزارة الصحة أو ديوان الزكاة أو أي جهة مستطيعة يهمها زرع البسمة في المحرومين من الأطفال.
(3)
في معمل الأجنة التي تتم فيها زراعة أطفال الأنابيب، تعمل الدكتورة سلمى أحمد الحوري والدكتورة فاطمة عبد الرؤوف أخصائيتي علم الأجنة الإكلينيكي، شرحتا لـ (حكايات) بالتفصيل مراحل العملية.
تقول د. سلمى أحمد الحوري: (يتم تنشيط مبيض المريضة حتى يصل حجم الحويصلات الى 18 22 مليمتر، ثم نعطي دواءً لتفجير الحويصلات لإستخراج البويضات، وفي خلال 36 ساعة من التفجير، يتم سحب سائل الحويصلات بواسطة قسطرة معينة، وبعدها نفحص هذا السائل بواسطة المجهر للحصول على البويضات، وهنا نشير الي أن البويضات تمر بمراحل متعددة قبل أن تكون مهيئة للتخصيب، وبالتالي ليس بالضرورة أن تكون كل البويضات المتحصل عليها صالحة لاجراء التلقيح، سواء بالطريقة الكلاسيكية أو بالحقن المجهري.
وتضيف د. سلمى: (هنالك طريقتين لتلقيح البويضة، الأولى تجري عندما يكون السائل المنوي للزوج في الحدود الطبيعية، فيما تعاني الزوجة من إنسداد في قنوات فالوب، وهي الجزء من الرحم الذى يحدث فيه اخصاب البويضات، وتتم بوضع البويضة بغلافها الخلوى دون أية معالجة مع الحيوانات المنوية التي يتم التحصل عليها من تحضير السائل المنوي للزوج بطريقة معينة، وبعد 18 الى 22 ساعة يتم الكشف على البويضات بعد إزالة غلاف الخلايا لنتأكد من حدوث التخصيب وهذه هي الطريقة الكلاسيكية.
وتكمل الدكتورة فاطمة عبد الرؤوف ما بدأته د. سلمى، وتقول: (الطريقة الثانية مناسبة للرجال الذين يعانون من ضعف حركة الحيوانات المنوية، أو قلتها أو تلك التي تكون نسبة التشوهات فيها عالية، فهنا نستفيد من الحقن المجهري الذى يتم بواسطة جهازمتخصص يمكنه اختيار حيوان منوي واحد لإدخاله بواسطة الحقن لكل بويضة، ويعتبر الحقن المجهري فرصة لإختيار الحيوان المنوي الأسرع في الحركة والأحسن في الشكل، ما يزيد من نسبة التلقيح التي قد تصل أحيانا الى 100% لكل البويضات المتحصل عليها.
وتضيف د. سلمى: (بعض الحالات تتكون لديها أجسام مضادة للحيوانات المنوية فتتسبب في تلاصقها، وبالتالي تحد من حركتها وقدرتها على التخصيب، لذا يمكن لهم الاستفادة من الحقن المجهري، وكما النموذج الكلاسيكي خلال 18 -22 ساعة، نتأكد من أن الإخصاب طبيعي، ولو كان الإخصاب غير طبيعياً فهذا يشير الى خلل (جيني) في المادة الوراثية، فنختار أفضل البويضات المخصبة (الزايجوت) وننتظر الى اليوم التالي حيث يحدث إنقسام الزايجوت الي خلايا جنينية ثم يتم نقل الاجنة الي رحم المريضة باستخدام قسطرة معينة خلال 44 الى 46 ساعة من الحقن الجهري.
وتقول د. فاطمة أنه وبعد 14 يوماً من الإرجاع، نجري تحليل الحمل في الدم، ولو كانت النتيجة إيجابية (حمل كيميائى)، تعود المريضة بعد أسبوعين من التحليل للفحص بالموجات الصوتية للتأكد من وجود كيس الجنين (حمل اكلينيكي)، وبعد أسبوعين آخرين، تفحص مرة ثانية بالموجات الصوتية لنتأكد من وجود نبض الجنين، بعدها نقول: (مبروك)..!

تحقيق: داليا عبدالمنعم
صحيفة حكايات


‫2 تعليقات