جمال علي حسن

وثيقة اعتذار جماعي


[JUSTIFY]
وثيقة اعتذار جماعي

المقال المنسوب لدكتور غازي صلاح الدين، والذي تم تداوله على نطاق واسع أمس في شبكات التواصل الاجتماعي.. شكك بعض من طالعت تعليقاتهم من خبراء الإعلام والسياسة.. شككوا في أن يكون هذا المقال قد كتبه دكتور غازي صلاح الدين، والحق أن غازي استخدم لغة تختلف عن لغته التي يستخدمها من حيث الصور والتشبيهات والتوصيفات للتعبير عن إحساسه بالإحباط الكبير في إمكانية نجاح مسار الإصلاح في السودان بعد التعديلات الدستورية الأخيرة..

أما لغة المقال، فإن مقتضيات الموقف الذي اختاره غازي وطبيعة المرحلة ووضعية غازي كرئيس لكيان سياسي جديد له طموحاته الجماهيرية.. كل تلك الأشياء تجعل استلاف غازي أو استعارته لمصطلحات ومفردات شعبية أمراً متوقعاً لتقديم الخطاب الذي يجاري المزاج المعارض..

كما أن الرجل الذي أفرط في مجالسة الصادق المهدي مؤخراً وبصفة الحليف يبدو أن لغة الصادق وأسلوبه قد (هد فيه) كما يقولون.. لذلك لا غرابة في لغة المقال..

ولكن الغرابة بالنسبة لي كانت في محاولة مزاحمة غازي لأصحاب الخطاب السياسي المعارض الحاد جداً.. مزاحمته لهم في سوقهم ومحاولة تقديم نوع من الانتقادات الحادة للتعديلات الدستورية.. لم ينتبه فيها غازي إلى تأريخه مع النظام الحاكم.. أو ربما حاول إجراء عملية (تصفير عداده) القديم تماماً حين تحدث عن الانقلاب الدستوري وتعيين الولاة.. وكأن الدستور كان في سنوات غازي مصاناً مائة بالمائة.. وكأن تعيين الولاة هو بدعة جديدة حدثت فقط الآن..

نحن نقدر جداً حالة الإحباط التي تعيشها الساحة السياسية بشكل عام والمصير المحزن الذي وصل إليه الحوار العليل..

لكننا على قناعة بأن ما يحدث الآن وما يقوم به المؤتمر الوطني هي نتيجة متوقعة أو يجب أن تكون متوقعة بالنسبة لغازي والصادق المهدي والقوى المعارضة الأخرى التي كانت تطالب الحزب الحاكم بمواقف صحيحة مائة بالمائة كشرط أساسي من شروط تجاوبها مع طاولة من المفترض أنها كانت هي التصحيح وطاولة الحوار والإصلاح المرجو..

لا نبرئ المؤتمر الوطني.. لكننا ندين القوى السياسية المعارضة هي الأخرى والتي لم تغتنم الفرصة بشكل جيد ولم تقدر أن مبادرة الحوار نفسها وحين طرحها الرئيس كانت هناك مجموعات داخل المؤتمر الوطني لا تتمنى لها الاكتمال والنجاح.. وكانت تراهن وبقوة على عدم صبر المعارضة على اغتنام الفرصة بهدوء وعلى دعم التيار الإصلاحي وتعزيز موقفه وإجبار أنصار وحراس النظام الإنقاذي القديم على الانصياع لإرادة التغيير..

القوى المعارضة لم تحسن إدارة الموقف بشكل جيد وتعاملت مع المؤتمر الوطني بالكثير من الريبة والشك في نوايا وصدق المبادرة، فتسببت كثيراً في إضعافها وهزيمتها وتمكين موقف التيار الإنقاذي الرافض للتغيير لندخل في هذه المرحلة المعقدة.

أخطأ الصادق حين حاول استفزاز النظام في قضية الدعم السريع لتحقيق مكاسب سياسية كان من الممكن أن ينتظر بها حتى يحين وقتها.. وأخطأ تحالف أبوعيسى ألف مرة.. ويخطئ غازي الآن مثلما أخطأ المؤتمر الوطني..

وللخروج من هذا المأزق، ليس أمام القوى السياسية حاكمة ومعارضة سوى الاعتراف الجماعي بالخطأ والاعتذار لبعضهم البعض وللشعب السوداني الذي أهدرتم وقته..

قد تنجح الساحة السياسية في فتح صفحة جديدة لو تم التواضع على وثيقة الاعتذار السياسي التي نقترحها عليكم.. اعتذار من الجميع إن بقي في عمر الوطن وقت لبدايات جديدة..

شوكة كرامة:

لا تنازل عن حلايب وشلاتين.

[/JUSTIFY]

جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي