إنها عمايل فلان .. الكهرباء سلاح انتخابي جديد

وطني .. جعلوك مسلسلاً ..
نتابع أحداثه في المساء ..
فكيف نراك إذا قطعوا الكهرباء ؟! ..
نزار قباني ..
على مقربة من الخيمة التي دشن فيها حزب المؤتمر الشعبي حملته الجماهيرية في ميدان المولد بمحلية الخرطوم، ربض مولد كهربائي ضخم (جنريتر)، تحسباً وتحوطاً لأية عمليات إنقطاع مفاجىء للتيار الكهربائي، يومها مرت مخاوف الشعبي بسلام، ونجح قادته في مهاجمة حزب المؤتمر الوطني بألسنة حداد شداد، تحت الأضواء الكاشفة.
(إنها عمايل الوالي) ، بهذه العبارة أرجع بعض مناصري كرم الله عباس أحد أبرز رموز حزب المؤتمر الوطني بولاية القضارف، إنقطاع الكهرباء، أثناء إنعقاد المؤتمر الإستثنائي لإنتخاب مرشح الحزب لمنصب والي الولاية، حينها سرت همهمات كالنار في الهشيم متهمة الضو عثمان الفكي الذي كان يتقلد عباءة المنصب بالوقوف وراء الحادثة، لأجل وقف (تسونامي) إكتساح كرم الله للإنتخابات.
وتعد الكهرباء سلاحاً ضارب القدم في السياسة السودانية، فلا يكاد يخلو برنامج إنتخابي من وعود مشروطة بإستقرار التيار او تشييد محطة جديدة، حال تم المراد بركوب موجة السلطة العالية، وفي المقابل كانت الكهرباء مع صنواتها الخدمية، أكبر العوامل التي وضعت الديمقراطية الثالثة على (كرسي) الإعدام، فحالة التردي الواضحة في الخدمات كانت سبباً رئيساً لمظاهرات الإحتجاج الدائمة نهايات عقد الثمانينيات، مظاهر إنتهت في الثلاثين من يونيو عام 1989م على يد العميد عمر حسن البشير، الذي أكد في أولى بياناته أنهم جاءوا ليوقفوا التدهور المريع في حياة المواطن من جراء سياسيات الأحزاب.
وفي ذات المسار (المكهرب)، فإن أصابع نظام مايو دوماً كانت تتجه نحو الشيوعيين عبر رميهم بالوقوف وراء قطوعات الإمداد الكهربي لجهة تنفير المواطنين من نظام النميري، أما في الماضي القريب فإن المدينة لا تزال تهمس بأن ترحيل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة من البلاد، تم تحت عملية تعتيم كبيرة غابت فيها المعلومات والكهرباء، وهو حديث ضعيف لكنه يصلح كدليل على حضور الكهرباء في عملية هي محض مغادرة لزعيم تنظيم القاعدة من الخرطوم الى مناطق تورا بورا ومجاهل قندهار الاكثر إظلاما.
ولطالما صوبت سهام الشك، تجاه الهيئة القومية للكهرباء، وإعتبارها سبباً رئيساً في تخريب الفعاليات السياسية المعارضة، فبعض طلاب الجامعات – مثلاً- يعدون أي إنقطاع للكهرباء يصادف فعالياتهم وأنشطتهم، عملاً تخريبياً يتم بإيعاز من المؤتمر الوطني.
ومن الحادثات الشهيرة في متون كتاب الكهرباء، أنها غابت قبل إحتفالات الإتحاديين بعيد الإستقلال بمنزل الزعيم الأزهري في إحدى ليالي يناير من عام سبق، لحظتها أعتبر الأشقاء بأن الكهرباء غيبت بفعل فاعل، الأمر الذي أدى للصدامات بين المحتفلين والشرطة، لتنتهي الليلة بالغاز المسيل للدموع وبالبكاء على الكهرباء والازهري معاً.
وبحسب الجدولة الزمنية التي وضعتها المفوضية، انطلقت الحملات الإنتخابية في قائظة الصيف، وهو فصل مشهور بـ (فصل) وإنقطاع الكهرباء، ذلك على الرغم من دخول سد مروي للشبكة القومية بجانب محطة قري لتوليد الكهرباء، والطفرة الكبيرة التي حدثت للهيئة بعد سياسيات الخصخصة، وإنتهاج مبدأ الدفع المقدم.
وعوداً على بدء موضوع الحملات الإنتخابية، فإن د. سليمان حامد – مسؤول الإنتخابات داخل أروقة حزب المؤتمر الشعبي عزا حضور مولد كهربي بالتزامن وفعالياتهم السياسية بالإجراء العادي، الناجم عن التحوط لكل الطواريء، طوارىء أطرها سليمان لـ (الرأي العام) في سياق التوقع العادي بأن تؤدي ظروف فنية مباغتة لإنقطاع الكهرباء، ولكنه قام بتفخيخ الشطر الثاني من إجابته بالظنون بالقول إنه لا يستبعد سيناريو التخريب، وتدخل أياد خفية لفصل التيار الكهربائي لإفساد نشاطهم الجماهيري.
ذات الطريق سلكه د. عبد الله علي إبراهيم مرشح الرئاسة السابق إبان حملته الإنتخابية، حيث أخبر (الرأي العام) بأن بعض المقربين منه، ناشدوه تأجير مولد كهربي قبل تدشين حملته الإنتخابية، وعللوا للأمر بأن (ناس المؤتمر الوطني ما مضمونين) وذلك على الرغم من تنامي معرفتهم السابقة بمخاطبته للهيئة القومية للكهرباء بشأن التدشين المشفوع بإذن المفوضية.
ونفى مصدر عليم بالمؤتمر الوطني- فضل حجب اسمه- وضعته (الرأي العام) داخل قفص الإتهام، أن يكون الوطني يعمد بحال للي ذراع الهيئة القومية للكهرباء لقطع التيار من المناطق التي تشهد فعاليات قوى المعارضة وقال: الهيئة من اسمها (قومية)، ولا يملك الوطني أي يد في إدارتها، وأتهم قوى المعارضة بالتذرع بحجج واهية، لإخفاء حالة الضعف البائن بينونة كبرى.
المصدر في دفوعاته لم يكتف بذلك، وأوضح أنهم كبقية القوى السياسية يعمدون للتحوط في فعالياتهم بتحضير المولدات الكهربية، وكشف أن عدم إحترازهم قادهم للإكتواء بالكهرباء في فعالية للرئيس بمدينة بورتسودان بواكير عهد الإنقاذ، حيث لعبت التوصيلات دوراً في إنقطاع التيار الأمر الذي قال إنه تسبب في إلغاء عدد من الكلمات المدرجة في برنامج الزيارة.
وعن الشق الأمني لانقطاع الكهرباء عن الفعاليات السياسية أوضح العميد حسن بيومي مدير دائرة الأمن الخارجي السابق أن إنارة البلاد وتوفير الاضاءة الكافية أحد أهم الجرئيات في عملية حفظ الأمن، وقال لـ (الرأي العام) إن غياب الكهرباء في الفعاليات السياسية المحمومة بالإحتقان قد يدفع بالجماهير للإنزلاق في مستنقع الفوضى الذي يشمل عمليات واسعة للنهب والتخريب.
أما على صعيد التأثيرات السياسية، فأشار سليمان حامد بأن فصل التيار الكهربي عن الفعاليات السياسية دون التحسب اللازم، يؤدي لإفشال مهمة القوى السياسية في إيصال الرسائل إلى قواعدها الجماهيرية، فضلاً عن تسريب حالة الإحباط للمواطن الذي يمني نفسه بالإستماع للطرح الحزبي، فيعود بخفي حنين، ما قد يدفعه للإمساك عن حضور بقية الفعاليات.
غير أن د. عبد الله علي إبراهيم نظر للأمر من برج مغاير بالقول إن الوطني استطاع كسب (حمولة زائدة) من الخصومة السياسية إبان العقدين الماضيين، وذلك في مواجهة معارضة (وصفها بقليلة الحيلة) لا تثق في عهود الوطني وتعتبره الشيطان الرجيم، ودعا عبد الله الى أهمية إنتهاج خطاب خال من كولسترول المساومة وسوء الظن للخروج من عنق زجاجة الإنتخابات.
ومما سبق، فإن تعقيدات إنتخابات أبريل لا تتوقف عند الاجراءات الفنية، وتتخطاها لأهمية إضاءة الزوايا المعتمة، ومن أبرزها ضمانة حل معادلة الكهرباء والأمن بصورة سليمة، وذلك من خلال محاولة تأمين الامداد الكهربائي وإستخدام (الضوء) لتجنب الاتهامات التي تكيلها الاحزاب الى الحكومة من شاكلة ان الاخيرة تفضل ان تجرى العملية الانتخابية في (الظلام).

مقداد خالد
صحيفة الراي العام

Exit mobile version