عبد الجليل سليمان

المدينة والسلطة غير المدنية


[JUSTIFY]ربما – وكيما نتجاوز – بعض العقبات الاصطلاحية، وما يتصل بها من تفسيرات إجرائية، قد تضر بالكتابة في اليوميات على هذا النسق الذي أنا فيه الآن، ربما هذا ما يدفعني إلى النقل والاقتباس في هذا المقام اليومي، خاصة فيما يمضي بعيداً عن السياسي الذي تعتبره الصحف أس عملها، رغم أنه أس بلائها وربما غبائها.

أخبار تبدأ بأفعال مثل (غادر، عاد، اجتمع، صرح، أعلن، دشن، استنكر، استنكف وشدد …إلخ).. ظلت تسيطر على الصحافة بشقائقها الثلاث، وجميع أطرافها، لكن الصحافة وهي تحتضر على هذا النحو المريع، إذ تعمل في تخوم السلطة وتقتات من فتات موائد أخبارها، تدير للمدينة ظهرها و(ترخي) للمواطن ذيلها الذي تهزه للحكومة.

صحافة المواطن وصحافة المدينة، هي ما نحتاج إليه حتى من باب التحايل على الرقابة (دعك) من (قبلية وبعدية)، فهي رقابة في النهاية لا زالت قائمة.

الآن، نتجاوز كل تلك الأشكال الصحفية البائسة ونعود إلى نقد (المدينة)، بصفاتها وتجلياتها ومستوياتها كلها ( بينة تحتية، إدارة مدنية، أسواق، نظم سير، شوارع وبشر).. لكننا نعود مرة أخرى لنعرفها على نحو إجرائي (طوباوي)، على أن نشأتها دوماً ما تنبني على (عملية ثلاثية)، أولها إنتاج فضاء خاص بها، ومن ثم يجب على التنظيم العقلاني أن يكبت كل أشكال التلوث الفيزيقي والعقلي أو السياسي. وثانيها إحلال نسق متزامن محل المقاومات المراوغة والعنيدة للتقاليد، وثالثها خلق ذات كلية يمكن أن تنسب لها تدريجياً كل الذوات المبعثرة والمحمولات الثقافية والسياسية التي أنتجت في ماكينتها (أغنية أم درمان) مثلاً.

هل هنالك ثمة رجل الآن، يمكن أن نطلق عليه (خرطومي) مثلاً، رجل يمثل نموذجاً للخرطومي المتمدن الذي لا يلقي قوارير فارغة على الشارع، ولا يبصق التمباك على الرصيف.!!؟

أرى، وكذلك يرى كثيرون غيري، أن المدينة السودانية آيلة للذبول، فلم تعد أم درمان هي أم درمان، ولا كسلا هي كسلا، ولا الأبيض ذات الأبيض، أما مدني فاسأل عنها (المدنيون)، وأنصت.

الغريب في أمر انهيار المدن السودانية، أن تبرير ذلك لن يكون منطقياً إلا باستدعاء السياسي الذي يرتبط بالضرورة بالاقتصادي، وهذان العاملان الحاسمان هما من (يدفران) الحكومة من ( ورائها) عنوة إلى هذه الزاوية، فتعود إلى النمط الصحفي التقليدي رغم انتقادها له.

على أي حال، قيل إن المدينة (تريفت)، والريف (هُجر)، لكن لم يجب أحد، لماذا حدث ذلك.؟

نتأمل الوضع، ونقتبس مجدداً: علينا أن نقر أن المدينة تعد علامة إجمالية وشبه أسطورية للاستراتيجيات الاجتماعية – الاقتصادية والسياسية، لذلك فإن الحياة المدنية – لاحقاً- ستسمح بعودة وانبثاق المشروع الحضري، الذي سلبه المشروع (الحضاري)، متى أنجزنا – لاحقاً – أيضاً ( سلطة تمدينية)، وجعلناها مثابة (البنية التحتية) الحقيقية للمدينة، حينها سيزهر الريف وتنتعش المدينة.
[/JUSTIFY]