مقالات متنوعة

د. عبد الماجد عبد القادر : خشمك فيهو اللبن


[JUSTIFY]جاء في الأخبار أن ولاية الخرطوم تعمل هذه الأيام على استيراد 400 رأس من الأبقار من دولة النمسا في إطار تغطية احتياجات البلاد من اللبن… ومع أمنياتنا لهم بالتوفيق نقول إن اللبن مادة غذائية مهمة يبدأ بها الإنسان حياته منذ أن يولد.. ولبن الأم من الألبان الكاملة التركيب الغذائي.. ولا توجد مادة أخرى تشبهها في اكتمال عناصرها إلا مادة “الصمغ العربي” وهي هدية إلهية تشترك مع لبن الأم في محتويات الكالسيوم والمغنسيوم واحتوائها على العناصر الحيوية اللازمة لبكتيريا الجهاز الهضمي التي تقوم بتكسير وهضم الطعام في جسم الإنسان.. والطفل عندما يولد في أول دقائق من حياته يبدأها برضاعة لبن الأم الذي يذهب مباشرة للامتصاص ويتحول إلى مكونات الجسم الحيوية، وجزء منه يتجه نحو الجزء الأسفل من البطن لكي يعطي الجرعة الأولى المحفزة للبكتيريا الحميدة التي تقوم بامتصاص وهضم الغذاء وتعرف علمياً بـ “البريبايوتيك”.
ولعل هذا ما جعل لبن الأم أحد العناصر المادية التي تجعل الأطفال إخواناً في الرضاعة.. والمعروف من الناحية الشرعية أن حصول طفلين على خمس رضعات مشبعات متتاليات من أم واحدة يجعلهما إخواناً في الرضاعة ويحرم الزواج بينهما إن كان أحدهما أنثى، بل يجعل ما يجوز من علاقات المصاهرة والدم يجوز بعلاقات الرضاعة.
وقد ذهب الأزهر الشريف إلى أنه قد يجوز ما يعرف “بإرضاع الكبير” وهي فتوى مثيرة للجدل أطلقها قبل عدة أعوام أحد شيوخ الأزهر لكنه لاقى فيها انتقاداً شديداً، حيث قال إنه يجوز إذا أردنا أن تكون الخلوة بين الرجال والنساء في مجال العمل خلوة شرعية، فمن الممكن ممارسة ما يعرف “إرضاع الكبير” وتتمثل في حصول الرجل البالغ على خمس رضعات مشبعات من إحدى السيدات ليتحول إلى ابن لها في الرضاعة. وقد كانت هذه الفتوى مثاراً للجدل والسخرية.

وعلى كل حال ظل اللبن مهماً في حياة الإنسان الأول، حيث تحصل عليه من الحيوانات البرية، ثم قام بتأليفها لاحقاً وصنع منها ألباناً بأشكال وألوان وقوام متعدد.. وبزيادة البشر في الكرة الأرضية ودخول الصناعة، ظهرت أنواع كثيرة من الألبان السائلة والصلبة سواء أكانت صافية أو مخلوطة مع غيرها… وكان أن تمت صناعة الألبان الجافة في شكل بدرة بعد حدوث الطفرة الصناعية في مجال البدرة الرذاذية، وهي نوع من البدرة ينتج بعد تمرير محلول سائل يحتوي على المواد المذابة في درجات عالية من الحرارة وشفط الهواء وبخار الماء لتبقى البدرة الرذاذية.

وقد قامت كثير من الدول الصناعية بمحاربة ظاهرة إنتاج الألبان على طريقة التسخين الرذاذي أو بطريقة الطرد المركزي، وذلك لأن المواد الصلبة تتعرض إلى الحرق نتيجة لدرجة الحرارة العالية، الأمر الذي يفقدها الكثير من الفعالية الغذائية ويجعلها فقط وكأنها مادة تعطي لوناً أبيض عندما يتم تذويبها. ومن ناحية أخرى فإن بعض المصانع والشركات والمؤسسات التي تقوم بإعداد البدرة الرذاذية وتبيعها على أساس أنها “لبن بدرة” فهي في حقيقتها عبارة عن مواد لا علاقة لها باللبن مثل النشا الأبيض وفول الصويا والذرة الشامية، وهي عبارة عن مستحلب ليست له أدنى علاقة باللبن، ويتم عرضها في الأسواق على أساس أنها “لبن بدرة”.

وبقي أن نقول للسادة المستهلكين إنه على الرغم من اشتهار كثير من الشركات الهولندية بإنتاج اللبن، إلا أنه لا يمكن إطلاقاً الحصول على لبن بدرة في أية بقالة أو دكان في هولندا، وهو غير معروف عندهم إطلاقاً. واللبن المعروف عندهم هو اللبن السائل فقط لا غير.. لذا وجب أن ننبه أهلنا في دول إفريقيا ومنها السودان التي ظلت مكباً “للنفايات” الأوروبية، أن يفهموا أن ذلك الشيء الأبيض المعبأ في أكياس أو في علب حديدية قد لا يكون لبناً وإنما نوعاً من النشا الأبيض، وإن كان لبناً فربما يكون فاقد الصلاحية بسبب طول مدة التخزين أو فقدان الصلاحية بسبب الحريق الناتج عن المعاملات الرذاذية… ونؤيد بكل شدة كل الجهود الرامية إلى انتاج الألبان الطبيعية “السائلة” وليس لبن البدرة… نكرر مش لبن البدرة ونكرر للمرة الأخيرة “ما لبن بدرة”…[/JUSTIFY]