منى سلمان

الحيطة القصيرة


[ALIGN=CENTER]]الحيطة القصيرة[/B][/ALIGN] لأخواتنا المصريات تعبير لطيف، يصفن به عودة الأزواج من العمل مثقلين بالهموم والمشاكل، بحيث يتحين الواحد منهم الفرصة في زوجته ليفش فيها خلقه .. تدفع الزوجة في هذه الحالة عن نفسها شر زهج الزوج بالسؤال:
مالك شايل طاجن ستّك على راسك ؟ أو تقول:
مالك يا راآآآجل داخل عليّا شايل عبد الآدر فوق دماغك ؟!!
(طاجن ستّك) هنا تعني حلّة ملاح حبوبتك فسواد الحلّة من سواد الهموم التي يحملها فوق رأسه، ورغم عدم معرفتي بصورة دقيقة لـ (عبد القادر) الذي يحمله الأزواج المصريين فوق رؤوسهم ليدخلوا به بيوتهم و(يطيّنوا) عيشة زوجاتهم، إلا أنني أعتقد جازمة بأنه ود عم (عطية) حقنا الواحد ده .. بالله الما بعرف (عطية) يقيف لينا بي جاي !
عندما تستوعبك المشاكل ويتملّكك الأحساس باليأس، وبأنك محبط من رأسك حتى قدميك، فإنك – حتما ولابد – ستلتفت لأقرب شخص إليك، شريطة أن يكون أضعف منك حيلة، لتجعل منه (حيطتك القصيرة) التي تلقي من فوقها أثقال الزهج والنكد و(تتفشفش) غبائنك واحباطاتك فيه .. القال ليهو يبقى قشة ويعتّر ليك شنو ؟
كثيرا ما نصاب بهذه المشاعر السالبة من خلال مجريات حياتنا اليومية، بسبب ضغوطات نعاني منها أو توقعات نتصورها ونتمنى ان تحدث فتهزمنا الآمال ويحبطنا الواقع المغاير ..
– يمتلك (شريف) إحساس قوي بالغبن ومظنة أن مديره المباشر (مكجنو) .. حتى أنه ليكاد أن يرد على سلامه في الصباح بإستيضاح، بحجة أن (شريف) يحضر للعمل يوميا متأخرا عن المواعيد الرسمية بـ ثلاث ساعات، وما ذاك إلا جراء معافسته للحافلات وتنقله بين ثلاث خطوط مواصلات حتى يتمكن من الوصول .. مدير (شريف) بدوره مأمور لأن (سيدي بي سيدو) فهو مجبر على استيضاح مرؤسه يوميا، رغم يقينه من أنه يغادر بيته فجرا والنجمة (في السما) ليلحق بالمواعيد، لكنه يفشل بسبب صعوبة الحصول على مقعد في حافلة الكلاكلة اللفة ..
الخوف من (الشيل) و(الخصخصة) وسياسة ضغط المنصرفات بسبب الضائقة المالية، والتي تجعل مستقبل وظيفته بين (كفّي عفريت) تجبر المدير على الفشفشة فوق رأس (الشريف) الما ناقص أصلا .. فهو بدوره مثقل بهموم الماهية التي لا تكفي لنصف الشهر، و(نقة المرة) طلبا لتغير شنطة الولد بعد ان تمزقت وانحلجت السسته فصار يفقد كل يوم قلما أو كراس، وجزمة جديدة لـ البت لأن جزمتها قد (تفرطقت) من الأمام فصارت تعاني الخجل من نظرات زميلاتها بسبب ذلك، رغم استمتاع أصابع قدميها بالطراوة من بعد الكتمة ..
(سعدية) زوجة (شريف) تعاني بدورها من مشاكل نفسية وضغوط لو ظهر نصفها على السطح، لأهلها للتمتع بالنزول في ضيافة التجاني الماحي معززة مكرمة .. فهي تصرف ساعات نهارها في هم تدبير اللقمة بأقل من القليل وشحدة باقي مستلزمات الوجبة من الجيران .. شلالة المفتوق ورتق المهرود وأعادة جدولة توزيع الدلاقين من الأكبر للأصغر، كل هذا قبل رص التشاطة والشروع في غسيل العدة ثم الهدوم ..
قبيل المغرب بقليل يدفع (شريف) الباب ويدخل للبيت، حاملا لـ (أخلاقه) فوق رأس أنفه، و(طاجن حبوبته) فوق أم رأسه، أما (عبد القادر) فيجلس متوهطا داخل دماغه، فتقابله (سعدية) بـ ظهرها (المعسم) من طوال (دنقيرة) الخدمة .. جافة اليدين مشققة الأرجل من قسوة صابون الغسيل، بينما تطل ثنيات بطنها الفخيم من وراء فتقة العراقي الذي أشتراه لها من (بونص) العيد قبل ثلاثة سنوات !
تتجمع سحب الاحباط وتهطل فوق رأس (شريف) القاعد على هبشة سؤالها المحايد:
ما لقيت ليك طريقة تدبر بيها حق الشنطة للولد والجزمة للبت ؟
فيهب فيها هبة الأسد الهصور:
يا ولية كدي خليني النجر نفسي قبال تفتحي فيني خشمك الزي النقدوبة ده .. ما عندك كلام غير ما جبتا وما سويت ……
يستمر (شريف) في تفريغ شحنة الاحباط والغضب كاملة فوق رأس (سعدية) التي تنزوي وتصغر حتى تصير أصغر من السمسمة دون أن تستطيع الدفع عن نفسها ولو بالسؤال عن (حلة الحبوبة) أو تحكر (عبد القادر) فوق رأسه المتمثل في الفلس وتعب المواصلات وحقرة المدير ..
تظل دواخل (سعدية) تغلي غبنا من العليها، حتى تحين فرصة الفشفشة عصر اليوم التالي عند دخول ابنها من الدافوري وقد تمزق بنطلونه الوحيد و(مكتّح) من رأسه حتى أخمص قدميه .. فتصيح عليه:
خش يا ولد استحمى حمى الراجعة التجيب أجلك .. جايني مقطّع ومرمّد .. ألقاها منك وللا من أبوك وللا من أختك العوقة دي ؟

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com


تعليق واحد

  1. والله لقد ابكيتينى يا استاذة منى فهذة الحالة بالجد موثرة جدا ولا نملك الا ان نقول حسبى الله ونعم الوكيل فكثير من الاسر السودانية تعانى من شدة الفقر لقد صار الوضع صعب والماهية ما بتكفى الاحتياجات اليومية .

  2. الاخت منى
    يالها من صور يومية نعاني منها بدرجات متفاوتة !!! كيف السبيل الي رتق الفتق بين الرجال وزوجاتهم .. وكلاهما يعاني هذا الرهق المستمر … كم ياترى نسبة هؤلاء في سوداننا الحبيب هذا ؟؟ هذه معاناة يصعب على الاخرين غيرنا تصورها … ما بين سترة الحال وضعف المال صارت المسافات تبعد كل يوم فنزداد تفككا اسريا .. وصراعا نفسيا ينتهي بنا اما الي المقابر او الي عاهات مستديمات تدخلنا في خانة العاجزين ، طالبي الشفقة .. اما عيالنا فيعيشون كل الانشطارات النفسية ويكون الفشل رفيقهم في الحال والمستقبل … وما نشاهده من احداث يفزع لها القلب وتبكي لها العين في هذه الايام ما هو الا نتيجة لكل ذلك .. لا يسعنا الا نقول الحمد لله القوي الجبار الذي مكننا ان نكون مستورين حتى هذه اللحظة .. وندعو لكل اهل المعاناة في بلادنا بالصبر وحسن الحال بعد كل هذه الابتلاءات … امين

  3. السلام عليكم ورحمة الله الاخت منى بالجد موضوع هادف وانتهز هذه المناسبة لان يتوفر تلفون او ايميل الاستاذة سامية وذيرة الشئون الاجتماعية لانى عندى ليها مقترحات ان شاء الله تخفف هذه المعاناة وهذه المقترحات من خلال غربتى ال14 عاما فى اوربا واحتمال اذا فتحت مجال مثل هذا تجيها افكار من الكثيرين امثالى مشكلتنا نحنا ما بناخذ براى الاخرين هنا فى اوربا تقريبا كل الموسسات فيها صناديق اقتراحات يطلبوا من الكل فهلا حذونا حذوهم لنعمل معالجات للفقر والتدنى الاخلاقى الحاصل ده ولا انتى رايك شنو111111

  4. والله يا استاذة منى انا ( عطية ) ده اول مرة اسمع بيهو ,
    المهم اعتبريني واقف بي جاي (؟) (؟)

  5. لك التحية استاذة منى , , انا من المداومين على قراية عمودك وعمود استاذ الفاتح جبرا . . ومدخلكم في منافسة مع بعض . . وشكلك كدا حتفوزي علي اشتاذ جبرا . . لانو اسلوبك مميز ومتجدد الافكار . ربنا يوفقك