تحقيقات وتقارير

الزواج السري: زوج يقول نعم فعلتها في السر .. وزوجتي راضية بيوم الاثنين فقط


بعد زواج دام خمسة عشر عاماً كانت تظلله بالحب والعاطفة الدافئة التي جمعتهما قبل الزواج مات الزوج وترك زوجته وحيدة، حزينة نسج عليها العنكبوت خيوطاً من التعاسة في وجهها، وقبل رفع سراديق العزاء ظهرت شابة جميلة فارعة القوام تحمل في يدها طفلاً صغيراً واوراقاً تثبت إنها زوجته في السر تزوج بها الطبيب المرحوم أثناء تنقلاته فكانت الصدمة للزوجة الأولى.
الزواج السري، وما يقع تحت مسماه من عرفي وزواج المتعة كيف يحدث؟ ولماذا؟ وما هي الاسباب التي تدفع الرجل للزواج سراً؟!
…..
شبح العنوسة
لم يكن من السهل العثور على أزواج وزوجات يقولون «نعم نحن متزوجون في السر» إلا عن طريق (الفيس بوك) وبعض التعليقات التي وردت على الموضوع والرسائل الخاصة، عدد من الاسئلة والمحاور أوصلتني لعدد من حالات الزواج السري الذي تعددت أسبابه وظروفه وكانت بعض إجاباتهم وتعليقاتهم: خوفاً من شبح العنوسة، ضل راجل ولا ضل حيطة، غير مكلف، لانه المدير العام، والعديد من التعليقات.
* «م» موظفة تعلل زواجها سراً لخوفها من العنوسة تقول رفض أهلى تزويجي لأكمل دراستي وبعد عملي كان الرفض للفارق الاجتماعي والمادي، لأن أسرتي معروفة وتقدمت في العمر ففاتحني زميلي في العمل وهو متزوج وله أطفال وطلب مني التفكير بهدوء وبالفعل وجدت نفسي أفكر جدياً، فوافقت وندمت والآن إشترط علىّ عدم الإنجاب ويهددني بالطلاق وإذا حدث ذلك.
يوم الاثنين
* ومن «م» تلك الموظفة التي تحن إلى الأمومة الى الشاب الجامعي «محمد» يقول في رسالته نعم لي أنا متزوج من امرأة في السر لا يعلم أمرها إلا أنا وبعض الاصدقاء، وهي راضية بكل الاحوال وأنا أحاول الاهتمام بها ورعايتها بقدر الإمكان والسبب أنني من ابناء الاقاليم وأهلي يرغموني على الزواج من ابنة عمي ولأنها لا توافقني في العلم ولا المعرفة أو الاسلوب الانساني في التعامل تزوجت بزميلتي في الجامعة وحكيت لها عن حالي على أمل أن تتحسن الامور والاحوال ونعلن زواجنا وأنا أشعر بالسعادة ونتبادل الاهتمامات فهي راضية بيوم الاثنين فقط من صباحه إلى مسائه!
* ننتقل إلى «س» التي تقول عمري تجاوز الثلاثين تزوجت قبل ثلاث سنوات وقبلت أن أكون زوجة ثانية في السر وما دفعني للإرتباط هو خوفي من أن يفوتني قطار الزواج وجدت الدعم والمساندة من أهلى في ذلك فالعريس قادر على بناء عش الزوجية وعندما علمت زوجته بالأمر بدأت المشاكل وبدأت معاناتي وغيابه عن المنزل.
تحليل إجتماعي
* الغاية لا تبرر الوسيلة وسلوكيات الانسان يجب أن تكون في النور فلابد من مسببات لهذا الزواج السري. ومن مسبباته ترى د. الهام عبد الرحمن باحثة في علم الاجتماع بالنسبة للرجل هي رغبته في امرأة لا يرضى أهله بها لظروف إجتماعية أو دينية أو اقتصادية أو اخلاقية كالزواج من امرأة اجنبية. الظروف الاقتصادية فرضت حالة من الفقر وقلة الموارد فالشاب لا يملك ثمناً لمنزل أو حتى وظيفة بعد تخرجه الجامعي وهو بهذا لا يملك مهراً لعروسه وهذا الضيق يدفعه للبحث عن حلول أخرى لاشباع غرائزه فهو مخرج يبعده عن إرتكاب المحرمات. أما الأسباب الاجتماعية فتعود لغياب الحوار بين الآباء والأبناء في أغلب الاسر وهذا ما فرضته زحمة الحياة وصعوبتها.
وتضيف د. إلهام إن هذا الزواج السري يقع تحت مسمايته الزواج العرفي وغيره، فالزواج نظام إجتماعي يرتقي بالانسان واذا كان الزواج السري يخدم بعض الفئات التي توجد له مبررات غير مقنعة، لا نستطيع ان نعتبرها حلاً بديلاً للزواج. والمرأة التي ترضى لنفسها ان تقوم بهذا الامر في الخفاء بدوافع كثيرة اولها الحب وآخرها الحاجة فهي تمارس عملاً لا ترضاه اصلاً.
الازمة الاقتصادية التي تعيشها المجتمعات أدت بدورها إلى أزمات إجتماعية شملت الآباء وإمتدت إلى الأبناء والبنات خصوصاً طلاب الجامعات الذين يوقون انهم وبعد تخرجهم سيكونون ارقاماً إضافية في عالم العطالة.. ومع عدم توافر فرص العمل يصبح التفكير في الزواج وبناء الاسرة نوعاً من الحلم الذي توقف عنه الشباب، ولأن الزواج السري غير مكلف يلجأ إليه عماد المستقبل الشباب عبر هذا التحقيق نمد اليهم يد العون سواء بالتوعية أو النصيحة.
واقعة اجتماعية
* يرى الدكتور ( قصورة عبد الله الامام) – أستاذ علم إجتماع أن الزواج السري فعل فردي أكثر من كونه ظاهرة ويندرج تحت مسمى «واقعة اجتماعية» لأن الظاهرة لابد أن تكتسب صفة العمومية. وبرأيه انه هروب من شروط الزواج المتعارف عليها كنظام اجتماعي إذ لا يريد الفرد ان يتقيد بها فيبحث عن حل آخر غير مقيد، وبعيداً عن الضوابط القانونية والشرعية والاجتماعية وهو نوع من التحلل من هذه الضوابط وتتيح لهم ممارسة علاقة زوجية غير مشروعة. ومن جهته أكد ان للظروف القاهرة في المجتمعات والتي تحكم الإنسان لا شعورياً ولجوء الكثيرين لها إما بحاجة لمن يساعدهم مادياً أو فتيات يخشين العنوسة، مع ذلك نجد البعض يرفضه لأنه يرى الزواج ارتباطاً مقدساً بين رجل وامرأة. في حين د. إلهام تنتقد السيدة التي تتعذر بالحاجة والحماية والمادة للزواج في السر لأن المرأة في هذا العصر قادرة على مواجهة العالم بعلمها وعملها. ويرى أحمد علي ان الزوج السري لا يمكن ان يدوم الى الأبد، فمن غير المعقول ان يعيش الزوج حياتين بوتيرة واحدة.
ويرى يوسف علي من يريد ان يتزوج من امرأة فعليه ان يكون شجاعاً ويتحمل تبعات قراره.
وتؤكد وفاء أن خطورة هذا الزواج تكمن في نتائجه فلو اكتشف امره وكان هناك أطفال فحتماً سيواجهون مشكلات هم في غنى عنها.
المرأة هي الضحية
زواج قد يفتقر لبنود الشهود أو الإشهار. أما في حالة وجود شهود مع طلب كتمان أمر الزواج فهو باطل، بهذه الكلمات بدأت المحامية «رشا عوض فضل المولى» حديثها وبرأيها ان لجوء البعض للزواج السري وتحت مسميات واهية الهدف منها إستغلال الفتيات وإقناعهن بالحب الزائف، ومن ثم دفعهن، الى الزواج الحرام تحت مسميات لا أصل لها شرعاً.
وتضيف أن التوجه اليه حالياً يرجع الى حالة إنكار النسب والهروب من المسؤولية، ومن ثم النفقة الزوجية ورغبة الشباب في الخوض في علاقات مع الفتيات تحت ستار العلاقة الزوجية.
في النهاية المرأة هي الضحية في المقام الأول، حيث تكون عرضة للقيل والقال والإساءة لها ولأهلها.
وتضيف الاستاذة رشا: ليس بإمكان المرأة إجبار الزوج على توثيق العقد وإعلانه ولا تستطيع إثبات نسب أولادها منه في حالة وقوع الطلاق، هذا من الناحية القانونية، أما من الناحية النفسية والاجتماعية فهو وجود أسرة يتلبسها هاجس الخوف والإحساس بالخطيئة مما يؤثر نفسياً على سلوكيات الأطفال إن وجدوا.
زواج باطل.. باطل
«ساتي صديق محمد» -داعية إسلامي- أجاب عندما سألناه عن الرأي الشرعي في الزواج السري؟
– فقال: إن الزواج السري نوعان أحدهما مباح وجائز وهو في الشريعة لا يسمى الزواج السري وهو أن يتزوج الرجل دون علم أهله ولا زوجته تعلم بأنه متزوج عليها، وإذا كان أهل الزوجة يعلمون، فهو زواج شرعي صحيح. والآخر ممنوع ومحرم وهو ما يسمى بالعرفي وهو سري، بغياب ولي الأمر أو من يقوم مقامه سواء الخال أو العم مع غياب الوالي أو الحاكم أو القاضي، وما يسمى بالعرفي في شكله الحاضر في السودان فهو محرم لقوله «صلى الله عليه وسلم»: «لا نكاح إلاّ بولي»، والزواج من غير ولي الأمر فهو باطل حيث لا يوجد مهر وإذا كانت غير راضية العقد باطل ويسمى سرى عرفي لغياب الأم والأب والأهل والمعارف، والمرأة لابد ان تنكح بإذن وليها.
ويوجد نوع آخر وهو زواج المتعة وهو شبيه بالعرفي، حيث فقط يدفع مهراً ويمكنوه من المرأة أي تحل له ومع علم ولي أمرها وهو محرم حيث يفتقد الإشهار.
زواج محرم
زواج يفتقر لشرط الإشهار والشهود والولي فهو محرم، هكذا بدأ د. علي القدال -استاذ جامعي- ذكر ان الزواج السري أنواع، فيوجد زواج عرفي متعارف عليه، لا توجد به أوراق ثبوتية مثل ما يحدث في البوادي والقرى فهو مشهر ولا توجد أوراق ثبوتية «القسيمة» فهو جائز ومستوفٍ للشروط. أما الزواج من غير علم الولي فهو باطل لقوله «صلى الله عليه وسلم»: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» فهذا الزواج يفتقر الى شرط الولي وهو من شروط صحة الزواج.
أبشع الصور
أما الزواج العرفي المتعارف عليه «بزوجتك نفسي، وزوجتك نفسي» فهو أبشع صور الزواج ولا يجوز إطلاقاً، ويفتقر الى كل شروط الزواج الصحيح من إشهار وشهود ووجود الولي، فهو عين الزنا ومحرم بإتفاق. أما ما يُسمى بالزواج العرفي فهو تحايل على الاسم ليس إلاّ.
ويوجد نوع آخر هو زواج «محدد الأجل» حيث يكتب في صيغة العقد لمدة سنة أو ستة أشهر فهو محرم لأنه لابد من أن يكون الزواج مؤبداً ولا يقيد بزمن أو يحدد الى بفترة معينة ولا يجوز فهو يجعل المرأة كالسلعة ويضيع حقوق الأزواج.
«الشيخ محمد الياقوت» ذكر ان الزواج الذي أساسه حماية النسل والدين والعقل والعرض، هذه الضروريات التي سميت «مقاصد الشريعة» والتي جاءت بها الشريعة للحفاظ على النسل وحفظاً للنوع الإنساني. الزواج الذي يستوفي بالشروط كافة الوالي والصداق والقبول والإيجاب التي تسمى بالصيغة وتحديد المهر وهذه الأركان الاربعة يقوم عليها أمر الزواج والإشهار فهو زواج صحيح قائم على الشروط لقوله «صلى الله عليه وسلم» «لا نكاح إلاّ بولي» والزواج الصحيح يكرم المرأة ويحفظ لها حقوقها.

الراي العام
تحقيق: مشاعل محمد محمود