تحقيقات وتقارير

لوائح شرطة المرور في بلد اسمه السودان


حدثني شقيقي المغترب سابقاً بالمملكة العربية السعودية ان قيادة المملكة على مستوى الأمراء وقيادة الدولة أصدرت قرارات جريئة في زمان سابق لمكافحة تخلف المتخلفين والمقيمين بدون إذن رسمي ولنا فيهم كسودانيين نصيب كبير من الزوجات «وعمرة وزوغة».. و«عمرة وكسرة الى الحج» وغيرها من المسميات.. أمهلت السلطات في المملكة المتخلفين شهرين اثنين للخروج.. وبعدها الويل والثبور.. ورافق ذلك إعلام مكثف يحاسب المواطن والمقيم والمتستر وكل من يثبت بأن له علاقة بمتخلف يتم ضبطه.. وخرج الناس أفواجاً.. وفي الموعد المضروب لتطبيق القانون توقفت الحياة تماماً وأصيبت بالشلل.. لم..؟ لأن الجميع قد طبقوا القانون وهم كانوا يعملون في الليموزين والبقالات ومحطات الوقود والمخابز والمطاعم وأماكن الحلاقة و.. وكل الأماكن الحيوية التي تدير حياة البشر.. كادت البلد تدخل في أزمة.. فسارعت السلطات الى التراجع عن قرارها وأعطت كل المتخلفين إقامات رسمية حتى يعودوا الى أماكن عملهم وعادت الحياة. ختم شقيقي قصته بعبارة بليغة بقوله: لم تكن السلطان في السعودية تعرف حجم مشكلتها.
حسناً.. فإني أرى ان سلطات المرور لا تعرف حجم مشكلتها.. وبعبارة أخرى.. هنالك مجموعة مشاكل متباينة تواجه سلطات المرور وهي اقترحت مجموعة من المعالجات.. ولكن الأمر قد اختلط عليها فلما درت تطبق من على ماذا؟!
تواجه إدارة المرور مشكلة في القيادة أثناء الحديث عبر الموبايل، السرعة الزائدة، وتخطي الإشارة الحمراء، وعدم ترخيص المركبات والتخطي الخاطيء، والهمجية واللا مبالاة، وفوضى المشاة في عبور الطرق، واستخدام المركبة لأغراض غير غرض الترخيص وغيرها.
كلها مصائب كبرى تؤدي أخف واحدة منها الى الموت الفوري مباشرة أو الموت الفوري بصورة غير مباشرة.. وأمام ضغط الحوادث المرورية الكثيفة وجثث الموتى في كل صباح والضغط الإعلامي الذي لا يرحم ولا يقدم حلاً.. أمام كل هذه الضغوط يكون البطش وتشديد القوانين هو الحل الأسرع وليس الأنجع.. وكان خطأ إدارة المرور الرئىسي هو الحديث عن تطبيق اللوائح الجديدة ضد كل هذه المخالفات في لحظة واحدة.. وهي لعمري مثل من يزعجه خطر لص متربص به وذبابة تقلق منامه فيحمل مسدسه ويفرغ رصاصتين في رأس اللص والمتبقي يطارد به الذبابة، وفي مخفر الشرطة يستطيع ان يدافع عن رصاصتين في رأس اللص ولكن بكل أسف لن يجد أذناً تسمعه لأن أصوات النقد ضده ستكون عالية جداً أن كيف تطلق رصاصة على ذبابة أيها الرجل المتهور القاسي وتضيع قضية المرور وسط الزحام؟.
لدى عدة مقترحات أتوجه بها الى سعادة اللواء عابدين الطاهر لا لسواه.. يعني.. إن لم يقرأ كلماتي هذه سعادة اللواء شخصياً فقد ضاع زمني سدى. ولم هو شخصياً..؟ لأنه يقود الأمر بنفسه والبقية تنفذ التعليمات.. ولأن دولة المؤسسات عندنا غير موجودة.. على الأقل حالياً.. فهي دولة القيادات.. وذلك على كل حال حديث آخر له وقته.
أولاً.. سيدي اللواء.. لديك مشكلة أساسية يجب عليك ان تفصل معالجتها عن البقية.. وهي بإختصار الحافلات الصغيرة «الهايس» حيث ان العربة تكون جديدة ومرخصة والسائق يحمل رخصة سارية المفعول ولكن القانون يمنع الركاب عبر تلك المركبات عندما تكون حاملة للوحات البيضاء «ملاكي».. وعملياً بالقانون أيضاً يمنع ترخيص تلك المركبات تجارياً إلا ما سبق.. فما الذي يحدث.. يتوكل على الله كل سائق في صباح كل يوم ويتوجه مباشرة نحو شرطي المرور ويسدد قيمة مخالفة ثلاثين جنيهاً لأن سيارته «ملاكي».. ويعمل بذلك الإىصال باقي يومه ذاك وتكون حصيلته «150» جنيهاً، ثلثها لصاحب المركبة وثلثها لشرطة المرور ومصروفات السيارة والمتبقي لأفواه زغبه الصغار. فإن تضاعفت قية المخالفة بالنسبة له تصبح «الحسبة» خاسرة وأحسن منها غسيل السيارات.. لذا فهم يطالبون دوماً بأن تكون قيمة الغرامة معقولة حتى يستطيع سدادها.. وبالمقابل يخاطبهم سعادة اللواء بذات اللغة قائلاً لهم ولماذا تخالفون القانون.؟.. حسناً سعادة اللواء فقبل يومين امتنع هؤلاء القوم عن ارتكاب المخالفات.. يعني توقفوا عن حمل الركاب من مواقف المواصلات.. فماذا كانت النتيجة؟.. أزمة حادة جداً في المواصلات.. واحتكاكات وخروقات أمنية من المواطنين هنا وهناك.. حتى اضطرت قيادة الدولة ممثلة في السيد الوالي الى التدخل وإلغاء التطبيق.. ما أريد قوله إن حجم مشكلتنا مع هؤلاء غير محدد.. هل نحن نحتاجهم؟.. إذاً أسمح لهم بالترخيص تجارياً سيدي اللواء، أم أنك لا تحتاجهم ولديك ما يكفي من المركبات لحل أزمة المواصلات؟.. إذاً ففي هذه الحالة أفرض غرامة ألف جنيه يومياً، ولن تجد مركبة واحدة مخالفة لتحاسبها في اليوم التالي.. سيدي اللواء تنكر واذهب الى موقف الحافلات الرئيسي بعد الخامسة.. ستجد هؤلاء المطاردين يعملون في خدمة هذا الشعب.
ثانياً.. سيدي اللواء.. هناك مخالفات تحتاج لقليل من الذكاء في التوعية وإشراك المجتمع في ذلك وستجد ان نصف حجم المشكلة قد انتهى ويعالج النصف الآخر تلك الغرامات ، ومثال لهذا «الحديث عبر الموبايل أثناء القيادة» وتخطي الإشارة الحمراء. الأمر خطير.. نعم ولكن تعامل معه بهدوء.. اكسب في هذا الشعب أجراً.. تحتاج لمصمم توعية مبدع وقليلاً من المال وستجد نتائج مدهشة ولا يسع المقام للتفصيل في ذلك.
ثالثاً.. سخر منك راسمو الكاريكاتير سيدي اللواء عندما تحدثت اللائحة عن إصدار غرامات ومخالفات للمشاة إن هم خالفوا اللوائح.. بصراحة.. هذا القانون لا يصلح ان يتم تطبيقه في السودان.. على الأقل في الوقت الحاضر.. يمكن ان تطبقه في دبي عندما يجد المشاة زراً يدوسون عليه فتتوقف المركبات قسراً ليمر هو.. فإن ترك الزر وتحرك دون توقف السيارات فهو نشاز يجب فصله عن المجتمع وليس تغريمه فقط.. السودان بوضعه الحالي لا يمكن ان يطبق فيه هكذا قانون ولا تشمت بك الناس سيدي الوزير.. وأرى ان تبحث عن شراكة مع بعض المنظمات التطوعية ليتم تكثيف العمل في هذا الجانب لكل الشعب وتكون قد كسبت الأجر مرة اخرى وعالجت المشكلة.
رابعاً وأخيراً.. قد جئت الى منطقة ذات ضغط عالي سيدي اللواء.. فالمرور من أسخن الإدارات التي يمكن ان يمر عليها رئيس.. ورطة أسوأ من الجنايات والمباحث.. والمشاكل فيها معقدة وبعيدة الأمد.. وصدقاً أقول.. لن تستطيع ان تحل ولا ربعها خلال فترة توليك لهذه الإدارة.. والحل هو.. ان تتعامل ببرود مع مشاكل الإدارة والضغط الإعلامي غير المفيد، ولا تفكر في الحل السريع.. البطش والقهر.. بل تكون قد نجحت والله إن استطعت ان تؤسس لمنهج التعامل مع الأشياء عبر الدراسات المتأنية والحلول الناجعة طويلة الأمد.
أعانك الله سيدي اللواء عابدين الطاهر.. لكن المشكلة ليست مشكلة مرور.. بل هي مشكلة بلد اسمه السودان.. وشعب اسمه «أنا سوداني أنا».. وحفظ الله بلادي من كل سوء.

بقلم: مجاهد بلال طه
الراي العام


تعليق واحد

  1. يامجاهد كلامك صح الصح ونحن كافراد من شرطة المرور ناخذ رشاوي خفيفة من اصحاب المركبات لانك تعلم ان المرتبات لاتكفي للاسرة وسعادة المدير العام علي علم بهذا ودي الحقيقة للبقبلا

  2. لعلمك الخاص السعودية ما ادت الاقامات عشان الحياة وقفت هنا ولغو قراراتهم ..
    الحصل انه تجار المواشي تقدمو بشكاوي للغرفة التجارية ووزارة الزراعة نسبة لسفر كل المتخلفين الذين كانو يعملون رعاة عندهم وباتو اي تجار المواشي في مشكلة كبيرة ولان الدولة السعودية تخدم المواطن بالدرجة الاولى (ليس مثل حكومتنا التي تخدم نفسها اولاً ) تم السماح للمغادرين بالرجوع مرة اخرى من المواني والمطارات وتم اعطاءهم اقامات محلية .. وذهبت اكثر من ذلك بإستخراج كميات كبيرة من فيز عامل تربية حيوان ومواشي وراعي ..

    دي نقطة ..

    اما نقطة المرور .. تأكد اخي لو ما اتصلحت الشوارع وتم ضبط الاشارات الضوئية واشتغل الضمير الحكومي والعسكري المروري بتاع الرشاوي .. ما بنصلح الحال ..

    واخر كلمة .. بقولا ليك ..

    ياهو ده السودان ..