تحقيقات وتقارير

استنســــاخ غــازي صــلاح الـــدين!!


[JUSTIFY]لو كان بمقدوري لاستنسختُ د. غازي صلاح الدين ولأنَّ التواضع من مكارم الأخلاق فإنني لن أطمعَ في أكثر من عشر نسخ (أصليّة) من الرجل لتتولّى الملفات والتحدِّيات الكبرى في الدولة، هذا بالطبع بافتراض أنني أملك القرار وأدير الشأن العام!!
د. غازي نسيج وحده وقلَّما تجتمع مؤهِّلات القيادة في شخص واحد ولا أملك أن أقول إنها اجتمعت جميعها في الرجل لكني أزعم أن غازي يتمتع بأهمها بما في ذلك دقَّته التنظيمية واعتماده المنهج العلمي السليم في تحديد خياراته وأولوياته مع الإحاطة بالملفات التي يتولى إدارتها ويسنده في ذلك ثقافة موسوعيَّة ونَظَرٌ ثاقب وتفكير مرتَّب ولعلَّ إجادته للغة العالمية الأولى «الإنجليزية» التي يبزُّ بها الناطقين بها تمنحُه ميزة نسبية على أقرانه جميعاً تقريباً خاصة في ملفات التفاوض ومقابلة المبعوثين والدبلوماسيين وهو أمرٌ كثيراً ما نتجاهلُه رغم أهميته في توضيح وجهة نظر السودان كما أن قوة شخصية غازي واعتداده بنفسه تعتبر كذلك من الصفات التي لا يُجارَى فيها ولكم عانينا من عقدة الانهزام أمام المبعوثين الدوليين في لهثنا وهرولتنا لكسب وُدّهم واستعطافهم من أجل الفوز برضاهم بهدف تخفيف الضغوط أو رفع العقوبات عن السودان في عالَم لا يحترم إلا الأقوياء ولا يحتقرُ إلا المرتجفين.

عنصر آخر مهم في شخصية غازي يعصمُه من الانكسار أمام الضغوط مهما تعاظمت، إنه صاحب التزام صارم بالإسلام كنظام حياة وفكر مؤهل لقيادة بني الإنسان في كل زمان ومكان مع تديُّن عميق وبالتالي فإنه صاحب انتماء للشريعة لا يتزحزح الأمر الذي يؤهله لدور فاعل في مسيرة الجمهورية الثانية بعد أن نفى السودان خبثه وأدار ظهره لوحدة الدماء والدموع التي أنتجت سودانًا كسيحاً ومثخناً بجراح الحرب والتباغض والتنافر.
ما يؤكِّد صحة حديثي عن غازي أن الرجل ظل ممسكاً بنجاح تام بعدد من الملفات مثل رئاسة الهيئة البرلمانية للمؤتمر الوطني ثم أهم من ذلك ملف دارفور الذي كان محتاجًا لوحده للعصبة أولي القوة من الرجال نظراً لتعقيد المشكلة التي أعيت الطبيبَ المداويا خاصةً وأن الحركات الدارفورية كانت تتناسل كالفطر ويكفي جهاز كمبيوتر لإقامة العشرات من حركات الكي بورد!!

لم أكتب حتى الآن عن اتفاق الدوحة لكن ما يطمْئنُني أنها لن تكون تكراراً لأبوجا التي مُنيت بفشل ذريع لم يحقِّق سلاماً بينما أهدر موارد وأضاع سنوات وها هو موقِّعها (مناوي) يهرب إلى ميدان القتال بعد أن أذاق شركاءه في الاتفاقية من كيده من داخل القصر الرئاسي والبيت الرئاسي… ما يطمْئنُني أنَّ الدوحة كان بطلُها غازي مدعوماً بأمين حسن عمر ولا يعرف غازي (الطبيخ الني) ولو مُنيت الدوحة بفشل فإن ذلك سيكون بسبب سوء التطبيق الأمر الذي يدعو إلى أن تُوفَّر الإمكانات ليتولّى الرجل تنفيذَها بنفسه وأن لا يُخذل في الجانب العسكري من إستراتيجية دارفور.
آسف للاستطراد لكني أرجع لأذكر واقعة طريفة سمعتُها من أحدهم وتردَّد ذكرُها بعد ذلك وتحقَّقْتُ من صحتها فقد زار غازي قبل بضع سنوات ريتشارد وليامسون آخر مبعوث أمريكي في عهد الرئيس بوش ولعلَّ القراء يذكرون غطرسة ذلك الرجل الفظّ المنتفخ الأوداج والذي سبق مجيئه إلى السودان وصفه للمسؤولين السودانيين بالصعاليك (Thugs) وجلس الرجل بتكشيرته المعروفة إلى جانب غازي وربما ظنَّ أنَّه يجلس إلى باقان أو غيره من الأتباع في جنوب السودان ممَّن يُجيدون تلقِّي الأوامر من (الأسياد) الأمريكان أو ربما ظنَّ أنه أمام أحد المذعورين المرتجفين في الشمال والذين نصَّبوا أمريكا وأنجاسها الصعاليك آلهة تأمر فتُطاع، جلس وليامسون إلى غازي وبدأ في إلقاء أوامره وتوجيه إساءاته وتهديده ووعيده فما كان من غازي إلا أن زأر في وجه ذلك المتغطرس وأسعفته ثقافتُه واطّلاعه على الأدب الغربي ليستدعي أبياتًا من الشعر قالها شاعرٌ أظنُّه إنجليزي ووددتُ لو كنتُ حافظاً لتلك الأبيات لكن المهم أن غازي صبَّ تلك الكلمات في وجه ضيفه المتعجرف الذي ربما تكون تلك هي المرة الأولى التي يسمع فيها ذلك الشعر فقد قال غازي مستعرضًا جانبًا من تلك القصيدة بلغة إنجليزية رصينة استمعتُ إليه ينثرُها في أحد المؤتمرات وأنا بالمناسبة عملتُ في شبابي محرِّراً مترجمًا في صحيفة إنجليزية في أبوظبي ــ قال لوليامسون: «إنكم لن تستطيعوا أن تمنعوا الشمس من أن تشرق ولا تملكون أن تعيقوا السماء من أن تمطر …» وكان ذلك جزءاً من تلك القصيدة التي ألقاها غازي بكاملها في وجه ذلك الأحمق «وردم» الخواجة بسيل من عبارات التحدي وأسمعه ما لم يسمع في حياته وخرج الرجل مذموماً مدحوراً من مكتب غازي الذي قال له إنك وسيدك بوش عمّا قريب ستخرجان من وظيفتيكما وسنبقى نحن الذين تتوعدوننا بالرحيل.. في اليوم التالي اتصل القائم بالأعمال الأمريكي وقتها البرتو فيرنانديز بغازي معتذراً عما بدر من رئيسه المتعجرف.

ذلك هو غازي الذي كشف ذلك اللقاء عن بعض المؤهِّلات التي خرجت دفعة واحدة في اجتماع واحد.. قوة الشخصية وقوة الحجة والثقافة الموسوعيَّة واللغة المبينة.. تلك الخاصيّة التي أكَّد عليها القرآن الكريم حين ذكر وكرَّر مراراً قصة اختيار هارون وزيراً لموسى بمؤهِّل الفصاحة لسد نقص موسى المتمثل في عدم الإبانة (ولا يكاد يُبين)!!

لن أعيد قصة نيفاشا التي أحالت انتصارنا العسكري في ميدان القتال إلى هزيمة سياسية في قاعة التفاوض مما نتجرَّع سمه الزعاف اليوم في أبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق لكني فقط أختصر قولي في عبارة وسؤال بريء: هل كنا سنعاني ما نعاني اليوم لو لم يُنزع ملف نيفاشا من غازي ثم ذات السؤال هل كانت أبوجا ستشهد تلك المأساة والنهاية الأليمة لو كان غازي على رأسها وهل كان ذلك الاتفاق الإطاري اللعين سيخرج إلى النور وينصب أمبيكي ولياً علينا ويعيد نيفاشا إلى الحياة لو كان غازي بطلها؟!

لن أقول إن الرجل كامل وإن مسيرته السياسية خالية من الأخطاء وهل مذكرة العشرة التي كان أحد رموزها والتي قادت إلى الانشطار الذي لا نزال نرزح في نفقه المظلم ونعاني من تداعياته إلا أحد تلك الأخطاء الكبرى؟!
أقول إنه ليس معصوماً لكنه الأكثرُ تأهيلاً والأحقُّ بأن ننشيء مراكز أبحاث تعيننا على استنساخه خاصة وأن الرجل يتحلّى بصفة نسيتُ أن أذكرها ولا تتوافر كثيراً في غيره وهي صفة الاستقامة والزهد والترفُّع عن صغائر الأمور وحظوظ النفس الأمّارة وهو الأبعد عن آفة الفساد والأجدر بمكافحته ولجْمه.[/JUSTIFY]

الطيب مصطفى
الانتباهة


تعليق واحد

  1. [[COLOR=#0024FF]SIZE=4[B]]قلت فأصبت يا أستاذ ولك التحية والتجلة وغازي لا يختلف علية إثنان فبارك الله فيك وفي امثال د غازي وحفظهم وحفظ بلادنا من كيد المعتدين والمتربصين[/COLOR] [/SIZE][/B]