جعفر عباس

النجاح نظير بوسة


[ALIGN=CENTER]النجاح نظير بوسة [/COLOR][/ALIGN] في مدرسة خاصة في العاصمة السعودية الرياض، سادت أجواء التوتر المعتادة مع قرب نهاية العام الدراسي ودخول الطلاب في أجواء الامتحانات، وبالنسبة الى نحو 99% من الطلاب فإن البعبع المرعب هو الرياضيات أو اللغة الانجليزية او الاثنان معا،.. في تلك المدرسة جلس مدرس الرياضيات القادم من دولة عربية يستقبل وفود الطلاب وهم يستجدونه أن يجعل امتحان الرياضيات خفيفا عليهم، ولأنه من بلد “شقيق” فقد قرر ان يقوم بدور الأخ الأكبر للطلاب وطمأنهم بأن قدم لهم عرضا لا يكلفهم رهقا كي ينجحوا في امتحان الرياضيات: لا عليكم يا أولادي ان تذاكروا وتجتهدوا، فقط قدموا لي فروض الولاء والطاعة وسيكون النجاح حليفكم “بالجملة”.. كان العرض كالآتي: تبوس رأس المدرس فيسجل اسمك ويضمن لك عشر درجات فوق ما تستحق في الامتحان.. أما إذا كنت غير واثق من مستواك فعليك ان تبوس قدم المدرس فيعطيك أسئلة الامتحانات كاملة فتذهب الى شخص ما يوفر لك الأجوبة الصحيحة وقد تحصل بذلك على الدرجات النهائية/ الكاملة.
وقبل بعض الطلاب العرض، فمنهم من باس راس الرجل لنيل عشر درجات ومنهم من قرر اللعب على المضمون وباس قدمه وحصل على أسئلة الامتحان.. غير أن الأمر حز في نفوس معظم الطلاب الذين شعروا لاحقا بأنهم تعرضوا للإذلال، فأبلغوا أولياء أمورهم بما حدث وهكذا افتضح أمر هذا الوغد الحقير.. كتبت أكثر من مرة عن أستاذنا الجهبذ الراحل البروفسور عبدالله الطيب الذي كان يدرسنا الأدب العربي في جامعة الخرطوم ونظل نستمتع بمحاضراته، وينتهي العام الدراسي ونكتشف أنه لم يقدم اكثر من محاضرتين او ثلاثا تتعلق بالمنهج طوال العام، بل كان يطوف بنا في عوالم الشعر الجاهلي ثم يعرج على الشعر الملحمي الانجليزي والشعر الرومانسي الفرنسي ويتوقف عند نزار قباني نصف دقيقة ليقول ان دواوينه مثل علبة الحلوى.. قطعة واحدة تكفي لأنك إذا أكثرت منها تجلب الضرر لنفسك، وما أن يحل موعد الامتحانات حتى كنا نصيح فيه: يا بروف أعطنا فكرة عامة عن المنهج والمواد التي ينبغي علينا ان نستذكرها كي نستعد للامتحان!! ولأن عبدالله الطيب كان عالما وعاشقا للأدب فإنه لم يكن يقيم وزنا للامتحانات وكان يردد علينا مقولته الشهيرة: لن يرسب في الامتحان إلا من يتحدث عن كندا عندما يكون السؤال عن امرئ القيس الكندي.
الرجل الذي طلب من تلاميذه بوس رجله ورأسه مريض، ولو كنت مسؤولا عن التعليم في منطقة الرياض تلك لجعلت جزاءه من جنس عمله، بأن أطلب من التلاميذ الذين قدموا له تلك البوسات المدنسة أن يأتوا الى المدرسة لابسين أحذية رياضية قديمة، ثم يجروا حول سور المدرسة خمس مرات (عقابا لهم) ثم يجلسوا في صف واحد مادين أرجلهم ليأتي صاحبنا ليعطي كل واحد من تلك الأحذية المشبعة بالعرق والغبار بوسة تستمر دقيقتين على الأقل، ثم أقدم له دراجة ليركبها في طريق عودته الى وطنه.
صارت فضائح المدرسين أكثر من فضائح اهل الطرب والتمثيل، لأننا نختار المدرسين بحسب “شهاداتهم الورقية” ولا نأبه بتقصي معرفتهم بأصول “التربية”، وهكذا صرنا نسمع عن مدرسين يحششون داخل مبنى المدرسة وعن معلمات يبعن السندويتشات للطالبات، وعن وكيل مدرسة يضرب “المدير” خلال الطابور الصباحي.. الاهتمام بالكم على حساب الكيف في أي مجال خطل وهبل ولكن على نحو خاص في مجالي الصحة والتعليم.

أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com