منوعات

البشير على شاشات التلفزيون الأمريكي


عندما تـنبأ عالم الديموغرافيا (أي علم دراسة إحصاء السكان) الفرنسي إمانيول تـَـد في كتابه »السقوط الاخير« الذي صدر في العام 1976 ، بسقوط الإتحاد السوفيتي قبل عقد ونصف من حدوثه لم يصدقه الناس، بل سخر بعضهم منه. ولكن بعد أن تحققت نبوءة الرجل في العام 1991 صار الناس يصغون بشئ من الإنتباه الي ما يقوله السيد تـَـد (تنطق بفتح التاء) الذي يستخدم حقائق الديمغرافيا من احصاءات السكان ومعدلات المواليد والوفيات وأشياء أخري مثل احصاءات الجرائم لكي يستدل علي محصلة الحراك الإجتماعي والإقتصادي لمجتمع معين ويتعرف علي أية وجهة يسير هذا المجتمع. ومن أميز الكتب التي قرأتها في حياتي كتابه »ما بعد الامبراطورية ? تصدع المنظومة الأمريكية« الذي تنبأ فيه بتراجع وإضمحلال نظام القطب الواحد وظهور عالم متعدد الأقطاب، وذلك عبر تراجع هيمنة أمريكا علي الإقتصاد العالمي بسبب تآكل قاعدتها الصناعية وتحولها من أمة قوية منتجة الي شرهة مستهلكة.
في القرن الماضي كان التليفزيون السوداني يقدم مسلسلا أمريكيا اسمه »رجل الستة ملايين دولار«. هذا المسلسل يحكي قصة رجل اسمه إستيف أوستين تعرض لحادث عـَـطّـل نصف جسده وقامت الحكومة الأمريكية بصرف مبلغ ستة ملايين دولار لكي تستبدل الشق المعطوب من جسده بأجهزة جعلته انسانا نصفه بشري ونصفه الآخر آلي. وكانت النتيجة رجلا ذا مقدرات غير عادية، والمسلسل يدور حول المغامرات التي يقوم بها رجل الستة ملايين دولار في مساعدة رجال الشرطة في القبض علي الأشرار. وما يهمنا في هذا المقام هو أن سر هذا المسلسل يكمن في أنه يقيم نصف جسد الإنسان بستة ملايين دولار. أي بمعني آخر: يقيم المسلسل جسد الإنسان بإثني عشر مليون دولار. وقد يقول قائل أن الستة ملايين دولار قد تعادل بدولارات يومنا هذا أكثر من ستين مليون دولار، وقد يقول آخر أن اسعار التكنولوجيا اضحت ارخص وأن مبلغ الستة ملايين دولار مازال سارياً. فعلي كل حال دعنا نفترض أن مبلغ الإثني عشر مليون دولار هو السعر الجاري للنفس البشرية. وهذا يجعلني أطرح سؤالا لكل من الأخوة المغتربين: هل دفعت للسودان هذا المبلغ لتعوض خسارة البلاد لك؟ وإذا كانت الإجابة بلأ يؤسفني أن أقول لكن أن اغترابك بالخسارة! وأقصد من عقد هذه المقارنة إيضاحا أن الدول المصدرة للعمالة البشرية هي الخاسرة، فما تفقده من خسران النفوس أكثر بكثير مما تجنيه من الفلوس. والقوم الذين يعانون من هجرة الأدمغة يدفعون الثمن غاليا فالعقول لها ثمن ليس بالرخيص، ونفس الإنسان الذي كرمه الله في الأرض وفضله علي كثير ممن خلق تفضيلا أغلي بكثير مما قدر يتصور البعض.
ودعونا نعود الآن الي كتاب إمانيول تـَـد الذي ينبغي أن يقرأه كل المهتمين بأمر ساس ويسوس. فقد أورد جدولاً يوضح عدد المواليد بالنسبة للمرأة الواحدة في كثير من الدول من بينها السودان. وذلك لكي يوضح مدي اقتراب هذه الدول من بلوغ مرحلة الحداثة والذي يـُـعرفه بإنخفاض معدل التوالد بالنسبة للأنثي الي حوالي 2.2 (إثان فاصل إثنان من عشرة) وهو المعدل الذي تصل فيه الدولة الي مرحلة يكون فيها معدل التوالد مكافئ لمعدل الوفيات مما يؤدي الي عدم تراجع عدد سكان البلد المعني. وقد يستغرب المرء من تسارع معدل اقتراب السودان من هذه المرحلة نتيجة لجملة أشياء منها السياسات الإقتصادية الخاطئة المتبعة في البلاد. وقد كتبت مقالاً بعدد 26 مارس 2010 من (الرأي العام) بعنوان »عقارات السودان وعفاريت سيدنا سليمان« حاولت فيه استخدام علم التلابوترنغ Teleporting ، أي النقل من بعد، لكي أوضح أن سياسات الحكومة هي المسبب الرئيس للإرتفاع الفاحش في أسعار العقارات في السودان. وهذا أمر قد يكون غير معروف لكثير من ساستنا لأنه احد البلاوي الناجمة كنتيجة عرضية لإستخدام الأراضي كوسيلة دخل لتمويل الحكومة وهي من بعض ما ابتدعه نظام الرئيس الراحل جعفر نميري. ومن أخطر ما يمكن أن ينجم عن ذلك بلوغ السودان لمرحلة الحداثة قبل المواعيد عبر انخفاض معدلات المواليد لصعوبة فتح بيت الزوجية علي الشباب.
من المعلوم أن شبكات التلفزيونات الأمريكية قليلة الإهتمام بما يدور بخارج أمريكا، ولذا من النادر أن تتطرق الي أخبار العالم الخارجي. ولكنني أذكر أنني رأيت الرئيس السوداني علي شاشات محطة ال(آي بي سي) عندما حث، قبل عدة اعوام، الرجال السودانيين علي الزواج من أكثر من إمرأة وذلك لزيادة عدد افراد الشعب السوداني. فالخبر كان مهماً لمحطة الآي بي سي ولذا أوردته في نشرتها الرئيسة مرفقا بفيديو يوضح البشير بين الجماهير. وأذكر هذه الواقعة لكي ينتبه لها مؤرخونا ويدونونها عندما يُكتب تاريخ هذه الحقبة من تاريخ السودان. ومن محاسن الأمريكان أن مفكريهم يعلمون قيمة الإنسان، وأن هنالك حربا خفية يلعب معدل خصوبة الشعوب دورا مهماً فيها. إذ يبدو أن العالم يتجه نحو حقبة تدرك فيها الشعوب مقدار قيمة ثروتها البشرية وتنخفض فيها الهجرة الإقتصادية الي معدل قريب من الصفر.

الراي العام
محمد البخيت


تعليق واحد

  1. مقالك فيه شئ من التناقض اذا كنت قيمت الانسان ب12مليون من خلال خيال ووخى المسلسل وسوالك عن من لم يدفع تصف هذا المبلغ من المغتربين فغربته خسرانة وتطرقك لاسباب غربنه وهى السياسات الاقتصادية الخاطئة من قبل الحكومات فكيف تجلس فى بلد بين يوم وليلة الفراش يصبح وزير ورجل اعمال وتاجر ومدير والموظف تاجر وحرامى وحاملى الشهادات الموهلين بياعى موية فى الشوارع وعندما حانت لهم فرصة الاغتراب اغتربو لاصلاح وضعهم الذى لم يستطيعو اصلاحه فى بلادهم وسط اهليهم وبعد هذا كله يدفعون ضرائب مادية للبلاد وضرائب معنوية لبعدهم من الوطن وبعد اولادهم الذين انجبوهم فى الغربة ولايعلمون من السودان غير انهم سودانيين اعطتى قيمتى اعطيك رفاهية

  2. [B]شكراً للمعلومة
    لكن لفيت بينا الكرة الارضيةثم فى النهاية اديتنا المعلومة[/B]

  3. شنو ياجماعة ؟؟؟ الصحفيين بقوا يجيبوهم واسطة ولا شنو ؟؟؟ لا كلمة رصينة لا متعة في القرراءة ولا عبارات منمقة ولا حتى موضوع بسيط هادف !!!!!!!
    ياجماعة انحنا بقينا في عصر ماعصرنا ولا شنو ؟؟؟؟ الدخل الخصوبة مع الاثنى عشرمليون تمن الزول مع تفكك الاتحاد السوفيتى والديمقرافيا والتلي بورتينق وعقارات السودان واثر الجكومة عليها شنو!!!!
    حرام عليكم الناس بدفعوا من دمهم عشان يلقوا كلمة هادفة تعكس مشاكلهم وهمومهم او تغير في مفاهيمهم ايجاباطبعا ؟؟؟انا عاتب على ادارة موقع النيلين كتير لانهم بقوا مابنتقوا المواضيع الجيدة الموضوع دا شكلو بقي اكل عيش ساي كان من ناس الموقع او الصحفيين !!!

  4. المقال دا ذكرنى حكاية عادل امام فى مسرحية الزعيم ,قصة الراجل الوقع منه خاتمه فى النيل !!!