قير تور

جوض – 2


[ALIGN=CENTER]جوض – 2[/ALIGN] في الحلقة الماضية توقفنا عند طلب الناظر دينق مجوك من أحد الشباب إعطائه زوجي صفيح المياه له ليحملهما بدلاً عنه. لم يرض الشاب طلب الناظر هذا بل صعب عليه قبول هذا فلا يعقل أن يكون الناظر قاصداً فعلاً حمل الماء على كتفه فهذا بالنسبة له تحقير لمكانته وخشي أن يقال بأنه أهان الناظر. إلا أن الناظر دينق كوال اروب عندما لاحظ تردد الشاب في قبول ما يقوله شدد اللهجة وقال بأنه يأمره بإنزال جوض الماء من الكتف ووضعه أرضاً. ففعل الشاب. ثم طلب منه الابتعاد. وتقدم الناظر دينق كوال اروب من جوض الماء ورفعه على كتفه ثم سار به مسافة قيل بأنها لا تقل عن خمسين مترا. وبعد ذلك وضع الجوض أرضاً، ثم نادى على الشباب العاميلن بما فيهم صاحب الاناء وسألهم “هل هذا هو العمل الذي من أجله تسافرون كل عام وعندما تعودون إلى ابيي تشترون الابقار بقيمة اجورها؟”. كانت الإجابة بإجماع الشباب الموجودين وقته بـ(نعم). عنده التفت دينق كوال اروب إلى عمه وعضو المحكمة في ابيي السيد اشويل بلبك (الشهير باشويل وون بيونق) وقال له: “يا اشويل… ليكن أمراً دائماً منذ اليوم فصاعداً، كل مال مكتسب بالعمل وعرق الجبين مثل هذا العمل ليس من حق الأخ الأكبر الإستيلاء عليه” وأكمل “حق الأخ الأكبر يقف في إطار كل ما جاء من صلات القربى وزيجات البنات والمواريث”.
كان القرار الصادر من الناظر والذي وجد قبول غالبية المجتمع آنذاك والذي لا يزال سارياً حتى اليوم والذي جاء عن تجربة شخصية من المشرع نفسه، سبب الكثير من الأشياء الإيجابية فقد إرتفعت قيمة العمل بسبب حرص من ليس له دور كبير في أسرته على كسب المال للزواج لأنه إذا إنتظر دور الكبير ثم من بعده وإجتماع العائلة لتحديد من له الحق في الزواج أمر معقد لا يخلو من معاكسات الاخوة الكبار فهم في بعض المرات يعاكسون من يصغرونهم في الأسرة.
ونفس الجيل الذي نتحدث عنه والذي يضم والد كاتب هذه السطور، هو نفسه الذي واجه لأول مرة العمليات الحربية الأهلية المنظمة. وليست الحرب القبلية التي كانت تسود قبائل الدينكا في العقود الاربعة الأولى من القرن الماضي خاصة في المحيط الذي تقع فيه دينكا نقوك.
أقصد بالحرب الأهلية المنظمة تلك الناتجة من الإحتكاك بين الدينكا والعرب البقارة، ثم تحولت تلك الإحتكاكات إلى حروب متبادلة بين العرب والدينكا بعلم السلطة المركزية في الخرطوم. ورغم أن تلك المرحلة فإن أجيال آبائنا في وقتهم وهم لم يكونوا يعرفون ضرب السلاح كانوا يجيدون الدفاع عن أنفسهم جيداً مما يذكرني بما كان يقوله المرحوم أجينق فط الذي كان نائباً بالمجلس الوطني الانتقالي بأنه في العام 1964 م عندما هاجمته قوة مسلحة بالأسلحة النارية فإنهم التحموا معهم وقال بأنه قتل شخصاً يحمل سلاحاً نارياً لكنه لم يستخدمه وواصل القتال بالحراب والكوكاب قائلاً “ليتني كنت في مثل هذا الوقت الذي أعرف فيه ضرب وتكتيك السلاح”.
إن الجيل الذي كان يهاجر للعمل ثم العودة إلى ابيي عام 1964م والذي كان لا يعرف إستخدام السلاح الناري، لكنه كان يعرف بأن السلاح لايقتل الفكرة والعزيمة لم يعد في زمن شبابه حتى اليوم، بل أغلبهم توفاهم الله والأحياء منهم في العقد السادس أو السابع.
المستحيل هو عودة الزمن إلى الوراء ولا تتبدل أحوال الناس بتبدل الأجيال وإلا فالأولى بأمنية التبديل هم أبناء نقوك ابيي، فهم تغيروا في الوقت الذي لم يتغير فيه جيرانهم من العرب البقارة فمنذ ستينات القرن الماضي الذي بدأ فيه أول إحتكاك بين الدينكا يموت الدينكا في ديارهم بسلاح المسيرية ولم يحدث قط أن سقط مسيري واحد بهجوم شنته نقوك على قرية للمسيرية.

لويل كودو – السوداني
18 يوليو 2010م
grtrong@hotmail.com