تحقيقات وتقارير

مستشارية الأمن القومي بدعة حسنة


نظرا لغياب مفهوم الأمن القومي الشامل في السودان، فقد عانت مستشارية الأمن القومي قبل شهور قليلة من عدم إلمام عدد غير قليل من القواعد والقيادات بأبعاد الأمن القومي، حتى أضحى الكثيرون يخوضون في شأن المستشارية دون إلمام بمعنى المسمى وبمهامها بحسب القرار الجمهوري وبأهدافها في السودان أو في غيره من الدول التي لها مستشارون للأمن القومي، كما كان البعض يتحدث عنها في الإعلام دون أبسط المعرفة بإسمها، فتارة هي إستشارية الأمن، وتارة الإستشارية الأمنية، وتارة مستشارية الحوار الوطني، وتارة مستشارية الأمن الوطني و القومي،?ومرة هي الحتة الإستشارية، وأحيانا هي مستشارية جهاز الأمن نفسه!! كما عانت كذلك من كل من أصابتهم غيرة من هذا القلب الجديد النابض في جسد الحكومة بغض النظر عن مسماه، وهو يتجه باطراد نحو مكانه الطبيعي في الجهاز العصبي للدولة.
وإن غياب مفهوم الأمن القومي عند أغلب دول العالم الثالث وعدم وجود استراتيجية للأمن القومي في معظم الدول المتأخرة عن ركب العالم والحضارة والمدنية، وغياب ثقافة التعاون بين الحزب الحاكم و الحزب المعارض لبناء البلاد و حفظ أمن الدولة، هو مما نعاني منه بشدة في السودان وهو من العوامل المساهمة بقوة في إبطاء عجلة النمو، وفي التعرض للمهددات والأزمات المتتالية التي يتضرر منها المواطن أكثر من تضرر هذه الأحزاب وأفرادها، وفي إصابة أمن الوطن بالجراحات غير الملتئمة.
يذكر الإصلاحي المصري عاطف الغمري في صحيفة الأهرام المصرية بعدد 25 مايو2011 أن التعريف المبسط لاستراتيجية الأمن القومي: هو أنها فن وعلم التطوير والتطبيق، (والتنسيق) بين أدوات القدرات الوطنية للدولة، من دبلوماسية واقتصادية وعسكرية و ثقافية و معلوماتية، متضمنة وسائل التعبئة الغريزية للرأي العام، لتحقيق أهداف الأمن القومي.
كما يذكر وزير الدفاع الأمريكي الأسبق في عهدي كينيدي و جونسون، والرئيس الأسبق للبنك الدولي، وواضع أسس علم تحليل السياسات روبرت ماكنامارا وهو الذي ذكر قبل وفاته في 2009 أنهم في القيادة العليا لأمريكا قد أخطأوا أخطاءا كانوا يظنونها صوابا وأنهم يرجون من الأجيال المقبلة تحليل وتفسير سببها، أن الأمن هو التنمية، بأبعادها السياسية والإقتصادية والإجتماعية والمعنوية و العسكرية والموردية والدبلوماسية. وهو كما يذكر بروفسور فردريك هارتمان في كتابه العقاب الجريح (أمريكا بين الإستراتيجية والأمن القومي) أنه محصلة المصالح ?لقومية الحيوية للدولة، وهي المصالح التي تضطلع مستشارية الأمن الآن بتحديدها لتوحيدها مع كافة القوى النشطة في المجتمع السوداني، حتى لا تتنافر وتتناقض فئات المجتمع وهياكل الدولة في ممارسة أنشطتها، وحتى تقوم مجتمعة ً بتوجيه و تعبئة جميع موارد الدولة نحو تحقيق المصالح القومية الشاملة، بما فيها مشاركة جميع الجهات في إعداد الدولة للدفاع، دون أن تكون هناك استراتيجيات و سياسات و برامج و قرارات و إجراءات متناقضة بين وزارات و إدارات وهياكل و أجسام الدولة المختلفة غير المرتبطة بالوزارات، فيظهر بذلك أهمية الدور (التنسي?ي) الشامل لمستشارية الأمن القومي، تعاونا مع مجلس الوزراء من جهة ومجلس التخطيط الإستراتيجي من جهة. وقد أشار السيد الرئيس و المستشار السابق صلاح قوش في أكتوبر 2009 لضرورة التنسيق بين مؤسسات الدولة الإدارية و القانونية والمدنية وغيرها، تكاملا لا تنافرا نحو تحقيق الأمن القومي للسودان، ونحو توحيد الرؤى تجاه المصالح العليا للبلاد ونحو امتلاك نواصي قوى الدولة الشاملة.
ورغم ذلك فقد عانت مستشارية الأمن القومي من بعض سهام المعارضة في أواخر العام 2009 عندما كانت تدعو الأكاديميين للحوار حول محاور الدولة الزراعية و الصناعية و التعليمية و الصحية والإجتماعية والبيئية و شؤون الطاقة و المياه و الغذاء، فظن وقتها «بعض» المعارضين أن المستشارية تقوم بدور لصالح الحزب الحاكم قبل الإنتخابات! وحاول كتاب المعارضة في بعض الصحف اليومية اعتبار أي أكاديمي يزور مباني مستشارية الأمن هو من ضمن المعارضة جناح المستشارية! فكانت نظرة ضيقة «لبعض» منسوبي المعارضة ممن ينشرون الفتنة بين المواطنين و الحك?م بصورة دائمة، ويزرعون الشقاق بين الأكاديميين و السياسيين، وهي معضلة تحتاج لغسيل أمخاخ وعقول في مغاسل ديمقراطيات العالم الأول قبل التشدق هنا في أفريقيا. وقد قامت مستشارية الأمن القومي بمحاولة ترقية هذا السلوك لبعض المتفلتين قوميا كي يفرقوا بين الحكومة و الدولة، وشرعت المستشارية في تغيير هذه النظرة الضيقة منذ ذلك العام، رأبا كاملا للصدع بين الأكاديميين و التكنوقراط من جهة والتنفيذيين بما فيهم الثيوقراط من جهة، ومن يسبحون في كل الأفلاك من جهة، جامعة لآراء الخبراء السودانيين الوطنيين وتوصيات العلماء القوميين ?ون إلقاء بال لخلفياتهم، صهرا لهذه الخبرات المتشاكسة، لتقديمها خلاصة متجانسة للسياسيين و لمتخذي القرار، ولمن يهمهم – بصدق و تجرد ونكران ذات- أمر هذا الوطن!
وقد كان يقف الفريق أول مهندس صلاح عبدالله «قوش» – رغم تنوع وعظم مسؤولياته وقتذاك – على هندسة ذلك ومعه كوكبة وطاقم المستشارية المتفاني، تحت شعار: من السادة الخبراء القوميين و علماء الوطن ومن ماعون الخبرات السودانية المتراكمة عبر السنين و غير المتراكمة، إلى كل الوطنيين من هذا الشعب الكريم، وإلى أبناء الوطن من أجيال المستقبل، وإلى كل من سيقومون بصنع واتخاذ القرار في مقبل السنوات والعقود.
وقد ثبتت وأثبتت مستشارية الأمن القومي وقتها أنها لا تنوي إلغاء برامج الأحزاب الخاصة بها، ولكنها تهيئ الأجواء لتوحيد الرؤى حول برامج قومية تكون هي الثوابت الأولى لكل الأحزاب الوطنية، وانحنى كل من فهم الرؤية إجلالا لكل خبرائنا الذين خلعوا عباءاتهم الحزبية ولبسوا عباءات هذا الوطن عند دخول المستشارية، ليدلوا بما لديهم من علم نافع محبوس، وآراء متنوعة، وأفكار إبداعية وتجديدية، لأجل مصلحة هذه البلاد.
ثم علم البعض في بدايات 2010 أن مستشارية الأمن القومي سيواجهها بعض (المفرملين) ممن تقصر عقولهم عن فهم معنى و أبعاد الأمن القومي ومعنى الإستشارة فيه و أهميتها، بل وتنغلق مداخل عقولهم عن قبول الأفكار الجديدة والتكيف مع التجديدات الفكرية و السياسية، حتى تضيق نفوسهم عن تقبل المعاني القومية التي توحد وتنجي الجميع، مثلما تضيع و تغرق الجميع.
كما كان هناك من يخلط بين جهاز الأمن و مستشارية الأمن، حتى أن المبدع عبدالمحمود الكرنكي ألبسوا عليه الأمر فأخطأ في نفس هذا النحو حين انتقدها في مقاله عن الطيران بأجنحة الشمع ذاكرا أن الأجندة السياسية «المحضة» هي التي صبغت أنشطة المستشارية منذ بداية أعمالها !
وهذا يذكرنا بمقولة للمفكر المصري فهمي هويدي في مقال موجز عن إعادة تعريف الأمن القومي حين نبه إلى أن خبراء الإستراتيجية والباحثين الجادين ينبهون دائما إلى أن الأمن القومي أمر يتجاوز وظيفة وحدود أجهزة الأمن -(مع اختلاف وظائفها باختلاف الدول)- وبالتالي فهو ليس شأن العسكر وحدهم، انتهى بإيجاز..
وإن ما أسهم في اختلاط الأمر على المهتمين هو أنه كان على رأس مستشارية الأمن القومي السوداني إثنان من القيادات الأمنية الأكثر منها سياسية، مما خلط الأمر حتى على بعض الضباط الكبار المتقاعدين حيث كانوا لا يرون في كل هذا الأمر إلا تطابق لفظ الأمن في مسمى الكيانين، فتشابه عليهم البقر وظنوا أن الرئيس أوحى للمستشار السابق بإنشاء جهاز موازي لجهاز الأمن! حتى أسهموا جميعا وببطء في صنع رأي مضاد لأشخاص بعينهم كانوا يعملون في قيادة المستشارية حينذاك، وأصبح البعض يطعن في ظهر الشخوص. وقد التبس عليهم الأمر لعدم اطلاعهم على?تفاصيل قرار إنشائها من الرئاسة ولاعتمادهم على التحليل من منظور شخصي، والإستنباط من معطيات غير صحيحة، ومن استقراء قشور ظواهر الأمور!
ولو كان قد تم اختيار مستشار جديد على رأس المستشارية غير ذي خلفية أمنية، بل من أي خلفية أخرى ذات فكر استراتيجي عالي كذلك، ومعه أمين عام من خلفية إدارية غير أمنية، فلربما زال هذا اللبس في مسمى ومعنى المستشارية لحد بعيد، علما بأن جهاز الأمن والمخابرات الوطني هو جهاز معلوماتي وتنفيذي ومعروفة اختصاصاته ومهامه، أما المستشارية فهي جهاز استشاري و تخطيطي وتنسيقي ومذكورة أدناه اختصاصاتها بحسبما حددتها مؤسسة الرئاسة. وأبواب المستشارية مفتوحة للجميع، خصوصا الجهات العلمية بغض النظر عن توجهاتها الحزبية، طالما كانت قومي? الأهداف وتريد العمل لصالح الجماعة.
ورغم قوة الدولة المصرية – التي سبقتنا وتسبقنا بمراحل – و رغم عراقة مؤسساتها و فكرها ومفكريها، ورغم أنه كان بها لجان أمن قومي في الخمسينيات ومجلس دفاع قومي في الستينيات و مستشارية أمن قومي في السبعينيات برئاسة المستشار محمد حافظ إسماعيل تنسق جهود الأمن القومي مع السياسات الخارجية، قريبة الشبه جدا بالتجربة الأمريكية، وهيئة أمن قومي كذلك، ورغم كل هذا فإن الأستاذ عاطف الغمري يذكر في كتابه «الإصلاح السياسي، من أين يبدأ؟» عام 2008 ضرورة إيجاد مجلس أمن قومي في مصر ليسد فراغا استراتيجيا وأمنيا معبأ بالخطر، ثم يذكر?في آخر مقالاته بتاريخ 25 مايو2011 في صحيفة الأهرام المصرية أن اختيار أعضاء مجلس الأمن القومي ينبغي أن يتم بمقاييس امتلاكهم الرؤية السياسية والإستراتيجية، والخبرة، والمعرفة، والتنوع في التوجهات الفكرية، بحيث يكونوا بمثابة مخزون لا ينضب، ومتجدد من الأفكار التي تلاحق كل القضايا التي تخص الأمن القومي، والتي تكون هاديا للحكم في الدولة، وبحيث يسترشد بها في توجهاته في السياسات الداخلية والخارجية على السواء.
كما قام الدكتور نبيل العربي منتصف هذا العام 2011 بتنبيه الحكومة المصرية لعدم الإقتصار على مستشار للأمن القومي بل وجوب إنشاء مجلس أمن قومي، أو ربما هو تفعيل له.. ولربما يسهم في تفعيل دور قطاع الأمن القومي بإداراته الثلاثة في هيكل أمانة جامعة الدول العربية.
ثم تأتي عدم معرفة أخرى لدينا وهي الأكبر و الأكثر أهمية باختصاصات المستشارية في السودان و صلاحياتها، فبحسب القرار الجمهوري رقم 276، فإن صلاحيات مستشارية الأمن القومي تشمل – من ضمن ما تشمل – إعداد وثيقة استراتيجية الأمن القومي وتجديدها الدوري، وقد ابتدأت خطوات إعداد الوثيقة منذ أواخر العام الماضي 2010 وقد وصلت مراحل متقدمة، علما بأن قرار الرئيس كان قد أشار لضرورة شمول رؤى كل أجهزة الدولة بعد التداول الوافي، وشئ من هذا التداول هو الحوار مع مراكز الفكر والجامعات و الأحزاب السياسية و الفئات المجتمعية ومنظمات ال?جتمع المدني التي تتداول منذ بضعة أشهر في شؤون تمس الأمن القومي الواحد للسودان، فقرار الرئيس لم يقصر الرؤى على أجهزة (الحكومة) بل أوضح أنها أجهزة (الدولة).
وقامت المستشارية بإدارة حوار الفكر هذا موازاة مع إعدادها لوثيقة استراتيجية الأمن القومي، استصحابا لضرورة اتضاح معالم المصالح الإستراتيجية الوطنية المتفق عليها من الغالبية، والإتفاق على امتلاك والمحافظة على قوى الدولة الإستراتيجية الشاملة بغض النظر عمن يجلس على كراسي الحكم، ومن يجلس على كراسي المعارضة، ومن يجلس على كراسي المواطنين المتفرجين أو المنفذين!
ويجدر بالذكر أن هذا الحوار – الذي انتهى بخلاصاته – هو حوار فكري وليس حوارا سياسيا يثير غيرة أحد، يعلم الجميع أن الأمانة السياسية للحزب الحاكم – وهو المؤتمر الوطني المنتخب في هذه الدورة – هي الأجدر والأحق بقيادة أي حوار سياسي، وهي الأقوى والأقدر على ذلك بلا شك، ولكن الحوار القومي حول القضايا الإستراتيجية الذي أدارته المستشارية تضمن شؤون كثيرة غير سياسية مثل المنظور الإستراتيجي للتعليم و المناظير الإستراتيجية للزراعة وقضايا النزوح و الهجرة والرحل والعدالة الإجتماعية و الكتلة الحيوية والمنظور الإستراتيجي لإدا?ة موارد البلاد وإدارة النزاع حول الموارد الطبيعية وقضايا تمكين الشباب والمرأة والمنظور الإستراتيجي للإعلام.. وكثير من القضايا الأخرى و الورش التي لا تهم مباشرة الأمانة السياسية للحزب الحاكم أو الأمانات السياسية للأحزاب الأخرى المعارضة.
هذا إضافة لحوار فكري حول بعض القضايا السياسية مثل أنظمة الحكم والحكم الراشد و الحقوق والحريات وفض النزاعات واستراتيجيات العلاقات الخارجية.
وليس من تلك القضايا بما فيها السياسية أي حوار أو تفاوض سياسي حول وفاق حزبي، وقد أظهرت وأثبتت الشهور الماضية من عام 2011 هذا الأمر.
وقد انتهى الحوار الرائع في أول تجربة مركز تفكير قومي -national think tank- بين الجميع إلى تجهيز ما يقارب الستين ورقة بحثية. 60 ورقة في مجالات تهم الجميع، ولا يختلف عليها إلا الجهات التي لا تريد الخير للسودان، وقد آن لهذه الأوراق أن تجد طريقها للجهات التي تتبناها.
وإن من اختصاصات مستشارية الأمن القومي كذلك بحسب قرار الرئيس هو إصدار تقرير الفرص و المهددات في مجال الأمن الوطني بالمفهوم الواسع للأمن، وتقديم التقرير لمجلس الأمن الوطني الذي يرأسه رئيس الجمهورية. إضافة لتطوير السياسات العامة في مجال الأمن الوطني وعرضها على الرئيس و المجلس لاستصدار القرارات اللازمة بشأن الأمن بمفهومه متعدد الإتجاهات.
ويشتمل قرار رئيس الجمهورية بإنشاء المستشارية اقتراح أجندة اجتماعات مجلس الأمن الوطني كمقرر لها، وتحضير الدراسات و التقارير اللازمة.
كما ينص قرار الإنشاء على الإحاطة علما واستيفاء التحليل عن أوضاع أمن المنطقة ومتابعة وتفسير أثر المتغيرات الدولية و الإقليمية على الأمن الوطني، بصورة علمية.
ومن أهم الصلاحيات هو تنسيق مساهمات المكونات غير النظامية في منظومة الأمن الوطني، حفظا لجميع مكونات الوطن دون تمييز حزبي أو عرقي أو ديني أو جهوي. كما يختتم بند الإختصاصات والصلاحيات بذكر وجوب تنفيذ أية تكليفات أخرى صادرة عن رئيس الجمهورية.
أما الثلة القليلة من الأولين أو الآخرين التي تمارس ما يدعوه المفكر فهمي هويدي بالهرج السياسي، من الذين يقومون بإطلاق تصريحات هي أشبه ببالونات اختبار سيئة التوقيت أو بغرض صنع رأي عام داخلي «قهري» بأن الحزب تراجع و قرر عدم الحاجة للمستشارية، فهي آراء فردية جدا لم تنضج و تميز بعد، ما بين الأجهزة الحكومية و أجهزة الأحزاب الحاكمة عند رؤيتهم نفس الوجوه في الجهازين، فليست المؤسسات الحزبية هي التي أصدرت القرار الجمهوري رقم 276، ونظرا لأن رئيس الحزب الحاكم صادف قدرا أنه هو نفسه رئيس الجمهورية في هذه الدورة الإنتخاب?ة، فقد ظن البعض أنه يمكن إصدار قرار بإسم رئاسة الجمهورية وإلغاؤه بإسم رئاسة الحزب.
ورغم أن الحزب الحاكم حاليا هو أهم مطبخ للسياسات في السودان، إلا أن القرارات التنفيذية لها أجهزتها وآلياتها المستقلة التي يشارك فيها الجميع، ومن يخلط الأوراق ستختلط عليه جميع الرؤى حتى يغادر مقعده مقالا لا مستقيلا، عاجلا أو آجلا، حتى لا يؤثر سلبا على المجموعة وعلى تناسق السرب، بالرؤى الفردية القهرية والتصريحات غير الموفقة.
ومعلوم أن إنشاء مستشارية الأمن القومي لم يكن قرارا عشوائيا متخبطا من مؤسسة الرئاسة، وقد ساندته الدراسات و الرؤى المستنيرة بالتجارب العالمية الناجحة في هذا الشأن، لذا فمن غير المتوقع أن يتصرف الحزب الحاكم أو رئاسة الحكومة بعشوائية و»تخبط» نحو تحجيم هذا الجسم بعد المداولات الداخلية والدراسات العلمية والإستراتيجية التي تمت و كل الأموال التي صرفت نحو تحقيق الأهداف المرجوة في المستقبل من وراء إنشاء مستشارية للأمن القومي السوداني، ومن غيرالمتوقع أن تنقاد جماعات الحزب انقيادا أعمى لتصريحات و مكايدات كل من له قضاي? شخصية أو ضيق نفسي أو رؤى فردية يريد أن يصبغها بالصبغة الجماعية مما سيؤثر سلبا على جماعة الحزب المنتخب ومجموعة الحكومة العريضة ومستقبل الوطن الذي ننشده.
ويتوجب – ترحما ً بنا و ترفقا ً بمصلحة الوطن العليا – على كل من يريد إطلاق التصريحات الفردية أن يحسب جميع أبعادها و يقدر (جميع) آثارها داخليا و خارجيا، وأن يتفهم أن هذه مؤسسة تابعة للرئاسة ذات سيادة مكتسبة تستند على ذلك، وأن أي حديث عنها هو حديث عن مؤسسة الرئاسة برئاسة السيد البشير وأعوانه، والتي رأت بعد دراسات عميقة أهمية وجود هذا الجسم في هيكل حكومة السودان توجها نحو تحقيق غايات المشروع الحضاري، ولم يكن إنشاء المستشارية قرارا استراتيجيا (عشوائيا) !
ومما يجدر بالذكر أنه مما قامت به المستشارية وشارفت على وضع اللمسات الأخيرة فيه هو التحليل الإستراتيجي للبيئة الداخلية و الخارجية للسودان، تمهيدا لوضع الوثيقة الإستراتيجية والتي بدأت خطواتها فعليا، وذلك ضمن منظومة قوى الدولة الشاملة: الإقتصادية و الإجتماعية و العسكرية والأمنية و السياسية و الإعلامية و المعلوماتية والتقنية.. وقد علمنا يقينا ً أنها كانت تجتمع لأكثر من ست ساعات متصلة يوميا لعدة أسابيع، تلتها باجتماعات وجهود يومية لشهور لم تتوقف حتى هذا الشهر من أجل إخراج هذا العمل القومي لصالح السودان، ومما يف?أ ويفجع أهل السودان أنه لم تقم أي جهة منذ الإستقلال حتى الآن بالتحليل الإستراتيجي للدولة، كما أن الإحصائيات التي يمكن أن يقوم عليها مثل هذا التحليل، تحتاج لما يمكن تسميته ب»النفرة الإحصائية الكبرى» خصوصا بعد تشكل دولة السودان الجديد في الشمال، وذلك مما ستوجه وتنبه له المستشارية في العام 2012 ، من بعد ما تكشفت لها ثغرات إحصائية مدمرة في كثير من المؤسسات والجهات التنفيذية، وهذا من صميم عملها، وأن تشعل راداراتها ومجساتها لتلتقط وتنبه رئاسة الجمهورية للثغرات الأمنية أينما وجدت في اقتصاد أو تعليم وإعلام أو مجتم? وثقافة أو زراعة وصناعة أو أي مجال حيوي يؤثر على حفظ أمن مستقبل هذا البلد.
إن الخلل الإحصائي الموجود في السودان يستدعي الجسم التنسيقي الذي يتابع كل الجهات كي يوحد الأرقام الصحيحة، ويحدثها، ويضغط كي تبقى دقيقة ومحدثة بصورة دورية ومأمونة من الإستدعاء الخارجي، وكما أن ما لا ينجز الواجب إلا به فهو واجب، فإن إعداد التحليل الإستراتيجي المحدث دوريا لرئاسة الجمهورية وتقرير الفرص والمهددات، يستدعي الإحصاء الدقيق المحدث دوريا الذي ينبني عليه هذا التكليف الرئاسي، مما يدخل النفرة الإحصائية الكبرى التي ستدعو لها المستشارية – بمباركة الرئيس ونائبه ومساعديه – في لب عملها، ولصالح كل من تهمه مصلح? البلاد.
ومما قامت به المستشارية كذلك من ضمن مجهوداتها التي لم تتوقف هو تجهيز مقترح مشروع التكامل في أبيي، و ورشة الأمن المائي للسودان، وورقة السودان بعد الإنتخابات، وورقة الرئيس بعد الإنتخابات، والملف الشامل لولاية النيل الأزرق، وكيفية المواجهة الفكرية للتطرف الديني والإرهاب في السودان، وورقة إدارة قضايا النزوح واللجوء والعمل الإنساني وورقة المقترحات الإصلاحية لهياكل الدولة، وهو نفس الشأن الذي يسعى لحشد الدراسات العلمية حوله كذلك مركز الدراسات الإستراتيجية بقيادة المفكر الأستاذ سيد الخطيب.. هذا إلى جانب المشاركات ?لفعالة مع جهات أخرى مثل المجلس القومي للتخطيط الإستراتيجي و ورش الحزم المتآزرة مع مجلس الوزراء وجميع الوزارات الإتحادية في عهد الوزير الناشط كمال عبداللطيف و د. عادل كرداوي، والإشراف الكامل على ملف إصلاح الخدمة المدنية بقيادة البروفسور سوارالذهب أحمد عيسى، والتحليل الإستراتيجي لقرارات مجلس الأمن، واستراتيجية التعامل مع دولة الجنوب، ومنطقة النيل الأزرق.. وغيرها الكثير مما يمكن للمهتمين الإطلاع عليه لدى منضدة السيد الرئيس أو النائب الأول.
وتقوم المستشارية بصورة دائمة برفع توصياتها للجهات المختصة، بعد دراستها علميا و بحث آفاقها الإستراتيجية من عدة زوايا، لا تغولا ولا تدخلا بل إسهاما وتنسيقا وتوفير جهود و توسيع مشورة، فهي عليها أن تنظر للصور الشاملة من جميع الزوايا، وتقدمها خدمة حكومية وطنية للجهات التي تشغل زاوية واحدة من الصورة الكلية. وليس ما يمنع أن يتم ضم مجلس التخطيط الإستراتيجي لها، رغم أن لكل اختصاصه، ولكن إن استعصى الفهم على البعض، فيمكن لهم وضع المجلس القومي للتخطيط الإستراتيجي ومستشارية الأمن القومي تحت جناح مجلس الأمن القومي، تنسي?ا للجهود! فلا يمكن تذويب أي منهما..
ويبدو أن تأخير تعيين أمين عام جديد لمجلس التخطيط و مستشار أمني جديد، هو لأهمية هذين المنصبين وهاتين الجهتين اللتين لم يتم إنشاؤهما (اعتباطا)، ولا تريد الرئاسة أن تتعجل تعيين من لا يقود البلاد للأمام بخطى استراتيجية حقيقية وثابتة، في ظل التوجه الحضاري الذي نرفع شعاره.
هذا، كما تقوم المستشارية كذلك بمحاولات علمية لاستقراء المستقبل، استشعارا مبكرا للأزمات المتنوعة في دولة حبلى بالأزمات، وتقديما للدراسات الداعمة لاتخاذ القرار والمساندة لعملية صنع القرار كاملة، خدمة حكومية منها نحو حفظ أمن مستقبل السودان والمواطنين.
أخيرا فإنه من الواضح جدا لمتابعي الشأن القومي السوداني عن قرب أن قيام المستشارية بتهيئة الأوضاع لصنع أهداف قومية مشتركة للجميع لاتتغير بتغير المعطيات والأشخاص و الأحزاب و الأزمان، ومحاولات إخراجها للقضايا من مكايدات الإطار الحزبي لبركات الإطار القومي، و خطوات توجيهها للسودان نحو امتلاك قوى الدولة الشاملة – رغم طابور القوى الخفية المزروعة بين جنبات الوطن – ، و سعيها لوضع أطر أمنية ثابتة لاستقرار البلاد بغض النظر عن هوية حاكميها، إنما يدفع كل ذلك نحو رفع الحس الأمني القومي لجميع من يهمهم شأن السودان – فعلا ً?لا قولا ً – ، و يرفع ذلك من درجة الولاء القومي و الوطنية المفقودة.

[email]oia_1975@yahoo.com[/email]
م. أ ُبي عزالدين عوض
الصحافة


‫2 تعليقات

  1. يـشـرفـنـا أن يـكـون لـديـنـا سـودانـيـين بـالمـسـتـوى هذا من الـتـفـكـيـر. ولـكـن هل هذا الـشـخـص الـمـدعـو أُبي عزالدين عوض من الـكـيزان ؟ مـرات نـسـمـع بهذا الإسـم في الإمـارات وأنـه كـوز قـديـم مـقـيـم بالإمارات ومرات نـسـمـع بـيـهـو في الـسـعـوديـة وأنـه مـسـتـقـل ! الـمـعـلـومـات مـتـضـاربـة يا ريـت نـفـهـم عـشـان نـعـرف نـتـعامـل ونـرد عـلـيـه بـمـوضـوعـيـة تـنـاسـب خـلـفـيـتـته الـسـيـاسـيـة بس والله مـقـال مـوسـوعـي وتـحـلـيـلـي رائـع ومـبـهـر رغـم خـلافـنـا عـلـى قـوش دا والـكـيـزان الـمـذكـورة أسـماءهـم.

    أخوكم محمد البرير
    dubai30man@yahoo.com