تحقيقات وتقارير

سودانيون فوق المساءلة..!


[JUSTIFY]رفع الكثيرون حاجب الدهشة أمس عندما طالعوا تصريحاً صحفياً مثيراً لمولانا محمد بشارة دوسة وزير العدل أكد فيه أن (25%) من السودانيين لديهم حصانة، وربما يكون ذلك من قبيل المبالغة والسخرية لأنه من الصعب تصور أن من بين كل أربعة أشخاص تلتقيهم هناك واحدا منهم يتمتع بحصانة من المساءلة القانونية.

ورغم تأكيد البعض أن السودان دولة يصعب وصفها بالمتقدمة في مجال سيادة القانون، لكن البلاد مثلها مثل سائر الدول الأفريقية، وحتى العربية، لم تبلغ بعد مراحل متقدمة في سلم الديمقراطية والشفافية والحكم الراشد، وثقافة احترام القانون وسيادته، لكن كل تلك المعطيات والوقائع، لم تمنع كثيرين من الشعور بالصدمة وهم يطالعون تصريح وزير العدل الاتحادي محمد بشارة دوسة وهو يشكو من إمتلاك ربع الشعب السوداني لحصانات بصورة قد تتسبب في إعاقة تطبيق العدالة.

مبدأ الحصانة وحكمتها العدالة، أية عدالة وضعية، تقوم كما يؤكد خبراء القانون على مبدأ المساواة أمام القانون، فغياب هذا المبدأ الجوهري عن نظام العدالة، أو عدم تحققه بالدرجة الكافية، يضعف نظام العدالة ويفقده الكثير من الكفاءة والمصداقية، ويقول مولانا محمد أحمد سالم الخبير والمستشار القانوني إن الحصانة القانونية تهدف إلى إضفاء حماية خاصة لفئات معينة كي تمارس واجباتها الدستورية بحرية، وأشهر تلك الفئات : رؤساء الدول، والدبلوماسيون الأجانب، والبرلمانيون، والحصانة البرلمانية من أقدم تلك الحصانات وأكثرها شيوعاً، وهي نظام متبع في كل الدول الديمقراطية ومنصوص عليه في دساتيرها ولوائحها البرلمانية، وتنحصر حكمة مبدأ الحصانة البرلمانية، مثلها مثل سائر الحصانات، في تمكين الشخص من أداء واجبه العام على النحو الأمثل، فمن غير المعقول أن تبدد هيبة رئيس الدولة بالوقوف أمام المحكمة في أية قضية ضعيفة الأركان يرفعها عليه معارض أو مواطن، أو أن تتم ملاحقة البرلمانيين بتهم إشانة السمعة بسبب انتقادهم الوزراء أو موظفي الدولة في سياق أداء عملهم كنواب يمثلون جمهور الناخبين ومصالحه.

ركاب قطار الحصانات ركاب قطار الحصانة القانونية في السودان يستعصون على الحصر في واقع الأمر، فكل الدستوريين يمتلكون حصانات تقيهم شر المساءلة القانونية إلا بعد إجراءات محددة تشترط موافقة رؤسائهم أو رؤساء أجهزتهم ومؤسساتهم التشريعية أو التنفيذية، ويمتلك الوزراء الاتحاديون والولائيون حاصانات، فضلاً عن نواب البرلمان القومي وبرلمانات الولايات، والمجالس التشريعية في المحليات التي يقارب عددها مائتا محلية كما يقول مولانا سالم، إلى جانب القضاة والمستشارين في ديوان النائب العام، وكل العاملين في المفوضيات شبه القضائية من قبيل مفوضية الانتخابات وديوان العدالة للعاملين في الدولة، فضلاً عن أجهزة الأمن والجيش والشرطة والمحامين.

العدالة المنقوصة خطورة التوسع في مبدأ الحصانة، أنها تجعل الكثيرين من الناس فوق القانون عملياً، فرفع الحصانة عن دستوري ما، أو منسوب جهاز نظامي ما، يتطلب وفقاً للقوانين السارية في البلاد حالياً، وعلى سبيل المثال، تقديم طلب إلى رئاسة البرلمان القومي، أو وزير الداخلية أو وزير الدفاع، أو رئيس الجهاز أو الوحدة الحكومية المعنية، لرفع الحصانة عن هذا النائب البرلماني، أو ذاك الشرطي، أو ذاك الدستوري، وفي حال امتناع رئاسة الجهة التي تلقت طلب الإذن برفع حصانة أحد منسوبيها عن الموافقة، فإن هذا الرفض وذاك الامتناع يعني ببساطة أن هذا الشخص المطلوب رفع الحصانة عنه، سيبقى فوق القانون، حتى تقوم الجهة المعنية بالموافقة على رفع حصانته، أو لا توافق على رفع الحصانة أبداً.
ولتوضيح الموقف وفق القوانين الحالية، فإن النيابة والأجهزة العدلية بإمكانها إصدار أمر بالقبض على أي صحفي أو أستاذ جامعي على سبيل المثال، لكنها لا تستطيع إصدار أمر بالقبض على برلماني أو دستوري أو منسوب جهاز نظامي، إلا إذا وافقت رئاسة مؤسسته على طلب وزارة العدل برفع الحصانة عنه، ما يعني عملياً أن الأستاذ الجامعي أو الصحفي يطبق عليه القانون مباشرة دون أخذ موافقة أحد، بينما لا يطبق ذات القانون على حامل الحصانة إلا بعد موافقة رئيسه الأعلى، ليتسنى مجرد التحقيق معه ومساءلته ناهيك عن معاقبته.

الحصانات حول العالم ذات حيثيات المقارنة أعلاه بين الأستاذ الجامعي والبرلماني أو الشرطي في السودان، توجد في دول أخرى في العالم، مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وغيرها، حيث يتمتع البرلمانيون والدستوريون بحصانات تميزهم عن بقية المواطنين، لكن مع اختلاف حاسم وجوهري كما يؤكد مولانا سالم، وهو أن رفع الحصانات في الدول المتقدمة غير مشروط بموافقة رئيس الجهاز الحكومي الذي يتبع له المطلوب، ولا يشترط بالنيابة أخذ الإذن من أحد قبل مساءلة أحد أو تطبيق القانون عليه، بل يشترط بها فقط أن تبعث مجرد إخطار للجهاز الحكومي المعني.
ويتابع : الحصانات في بريطانيا ودول أخرى هي حصانات في حدود ضيقة، ويفترض بأصحاب الحصانات أن يكونوا أقلية ولا يصبحون الأغلبية في المجتمع، فالتوسع في منح الحصانات يؤدى إلى المماطلة وعرقلة سير العدالة، ويجب تقليص عدد الحصانات عن طريق تعديل القوانين وحصرها في نطاق ضيق، وتعديل شرط موافقة الجهاز الحكومي على رفع حصانة منسوبه والاكتفاء بالإخطار، ويضيف : في الإسلام لا توجد حصانة لخليفة أو عامل، فالناس كأسنان المشط، ووقف سيدنا علي بن أبي طالب وهو أمير للمؤمنين أمام القضاء في خلاف على درع مع رجل يهودي..!
الحصانة والممارسات الفاسدة الخطر الأكبر للتوسع في منح الحصانات القانونية كما يؤكد الخبراء هو في المستوى النظري عدم تحقيق مبدأ المساواة أمام القانون، أما على المستوى العملي، فإن التوسع في توزيع الحصانات على رجالات الدولة من الكبار والصغار ربما يصبح غطاء للممارسات الإدارية والمالية الفاسدة كما يقول صالح محمود الخبير القانوني والبرلماني السابق، ويتابع : حينما يتم التوسع في منح الحصانات فإن الجماعات السياسية والتنفيذية تشعر بأنها فوق القانون، وتضيع الحدود بين الشأن السياسي والشأن القانوني، ويقود هذا الوضع في نهاية المطاف لتشجيع وتكريس ثقافة عدم المساءلة والإفلات من العقاب، وربما يضاعف من احتمالات وقوع جرائم وانتهاكات ضد المواطنين ، والتجاوزات القانونية والمالية والإدارية، ونحن لا نعارض وجود ضمانات وحصانات لمنفذي القانون وشاغلي الوظائف الحساسة في الدولة، لكن التوسع في الحصانات مخل ومرفوض وقد يهزم مبدأ وجود الحصانة في حد ذاته.

الأبعاد السياسية للحصانة يرى البعض في اتساع دائرة توزيع الحصانات القانونية نتيجة لتبني نظام الحكم الفيدرالي الذي قاد لإنشاء هياكل حكم محلية وولائية عديدة، قادت لمنح حصانات لأعداد كبيرة من قيادات تلك الهياكل، في المقابل، يؤكد آخرون أن الرباط الوثيق بين القضاء والجهاز التنفيذي السياسي حال حدوثه في أية دولة يقود إلى اتساع دائرة الحصانات، وأن هذا الانتشار الواسع النطاق لحاملي الحصانات حال حدوثه في أية دولة، لا يمكن أن تتم معالجته دون معالجة أوسع لقضية الفصل بين السلطات، والتشديد أكثر فأكثر على استقلالية القضاء وفعاليته ، بحيث لا تحتاج الأجهزة العدلية إذناً مسبقاً من السياسيين والتنفيذيين لتطبيق القانون..!

[/JUSTIFY]
تقرير: مجاهد بشير
صحيفة الرأي العام


تعليق واحد

  1. لا حصانة ولا مكانة هنالك مؤسسات قومية واستراتيجة ليس بها حصانة ابدا ولكن الحصانة الان تعتمد الى اى منطقة تنتمى واى جهة ولكن وظيفيا لا ارى هنالك حصانة ابد والامثلة كثيرة ومنتشرة كالحشرة وبدون شفرة

  2. [SIZE=4]من حقهم يكون عندهم حصانة الواحد تعبان لمن وصل المرحلة المتقدمة في الوظيفة دي فلازم يكون عندو حصانة بعد التعب كلو

    ملاحظة :مافي زول جابرك تقرا التعليق[/SIZE]

  3. انتى يادوسة قاصد صحانه ام حصانه كدى جرب اهبش لك زول وتانى شوف اكان تلقى ليك حصانه تنفعك

  4. أود ان أهنئ كافة رجالات الدولة والدستوريين وكل من شملته الحصانه وأقول لهم إفعلوا ما شئتم وأسرحوا وامرحوا فيد القانون (مغلولة) ولن تطولكم !! واخونا المتعافي كان عااارف كده فهو كدابة الأرض يهرس شمالا ويمينا ومطمئنا جدا أن لا مساءلة ولا محكمة ولا قاضي وكثيرون جدا مثل المتعافي — نحن لنا الله نسأله تعالى ان يلطف بنا فقد إستفحل مرضنا وساء أمرنا استعصى حله ..!!

  5. هذا يعنى أن سبعة ملايين و خمسائة الف لهم حصانة من اجمالى عدد السكان السودانين دون الهيئات الدبلوماسية و السفراء و الامم المتحده ؟
    العاطلين فى السودان يفوق الخمسة ملايين و لنساء و الاطفال و الشيوخ و ارباب المعاشات سبعة عشر مليونا و مائتى و خمسون الغا ؟
    اذن لن يطبق القانون وسنظل تحت رحمة جهات الاختصاص لاقتصاص من المتنفذين الى يوم الدين لن نطول حقوقنا .
    و على الدنيا السلام من هذا النظام .

  6. [B][SIZE=4][SIZE=3]الواقع بقول اكتر من كدة اذا كل واحد عندو بطاقة رجل امن تعتبر بالنسبة له حصانة اذا كان رجل الشرطة ياخذ القانون بيده ويضرب ويرهب ولايجد من يساله هذه حصانة ,كل واحد عندو اخو ولا ابوه ولا قريبو مسئول او ظابط يعتبرو حصانة ويفعل مايشاء , اذا كان الموظف يفعل مايشاء يتاخر عن العمل ينهب من المال العام لان المدير يغطي عليه ويتقاسم معة هذه تعتبر حصانة ,, [/SIZE][/SIZE][/B]

  7. ياناس ما تتسرعوا فى الحكم على الوزير أكيد غلطان وما يقصد وسوف يعتزر ويصحح الخطأ الذى وقع فيه لأن مثل هذه التصريحات ربما تكون الشرارة التى توقد وتشعلل نار كبيرة لا يمكن أن تنطفىء بدون ضحايا نحن منتظرين تصحيحات الوزير

  8. بلا حصانة بلا بطيخ كل الموضوع لو عندك جربوع اسلامي او واحد تابع لناس النظام الحاكم او حصانتك في فلوسك

  9. الشرطة فى بريطانيا عبارة عن مؤسسة مدنية تتبع للمقاطعات البريطانية ومنسوبيها لا يحملون اى حصانة