جعفر عباس

هل نيويورك تستاهل؟


[ALIGN=CENTER]هل نيويورك تستاهل؟ [/ALIGN] طوال ست سنوات قضاها أكبر أولادي في جامعة نيوزيلندية، كنت ألوم نفسي على أنني أرسلته الى آخر الدنيا، وكان أكثر ما يشقيني عندما يكون مسافرا إلينا في قطر، او الى نيوزيلندا، فيكون في حالة طيران طوال 21 ساعة تتخللها وقفة في سنغافورة او هونج كونج او كوالالمبور لنحو 9 ساعات، وكان لطيران الإمارات رحلة مباشرة من دبي الى سيدني بأستراليا تستغرق 16 ساعة يكون بعدها على بعد اقل من ساعتين من نيوزيلندا، ولكنه كان أعقل من أن يظل معلقا في الهواء كل تلك المدة، وكان يفضل ان يطلع وينزل في المطارات الى ان يصل الى وجهته، وقد عبرت في أكثر من مقال بكلام خلاصته أنني أحسست بأنني صرت في حالة لهاث دائم، وأن حياتي صارت محسوبة بالدقيقة والثانية، مما جعلني في حالة توتر دائم وأنني قررت من ثم أن أجعل إيقاع حياتي أكثر بطئاً، ولو ألبسني ذلك تهمة الكسل التي فبركها الخليجيون على بني وطني، ومع هذا فقد وجدت نفسي أرسل أصغر عيالي إلى الولايات المتحدة للدارسة، وأملي هو أن كثرة التكرار (تكرار الأخطاء) تعلم الحمار و”جعفار”!!
ولا يمر يوم من دون أن أرى إعلانا للخطوط الجوية السنغافورية بتسيير رحلة جوية مباشرة من سنغافورة الى نيويورك تستغرق 19 ساعة.. يعني 19 مضروبة في ستين يساوي.. صفر معانا الواحد… مممممم، 1140 دقيقة، وهي مدة يتزوج خلالها نحو نصف مليون شخص، ويولد نحو 867 الف شخص ويموت مئات الآلاف، ما لزوم كل هذا؟ لماذا اعبر نصف قارة اسيا وكل القارة الافريقية وأجزاء من اوربا ثم اجتاز المحيط الأطلسي كله.. في قعدة واحدة؟ للوصول الى نيويورك؟ والبهدلة والشحططة في مطارها لنحو اربع ساعات أخرى ليتأكدوا من ان المسافرين لا يحملون صواريخ في أمعائهم؟ إلى يومنا هذا تصطك ركبتي كلما تذكرت ما حدث عندما نزلت في أغسطس من عام 2009 في مطار دلاس في واشنطن، كنا نقف في طابور الجوازات المخصص للأشرار (السودانيين والسوريين والإيرانيين) عندما رأيت عجلا ضخما يلف ويدور حول الناس والحقائب، واقترب مني وأدركت أنه كلب بوليسي، لو اقترب مني بوصة أخرى لاعترفت بأنني كنت السائق الخاص لأسامة بن لادن!! وعضوا في شبكة قرصنة صومالية.. مذنب في كل شيء بس ابعدوا عني الكلب ابن الكلب هذا.
خلال رحلة جوية مستمرة لـ19 ساعة يفقد كل مسافر أكثر من 11 مليون خلية من جلده!! ماذا يتبقى لي بعد ان أفقد كل تلك الخلايا في سبيل الوصول الى نيويورك!! فإذا افترضنا أن في الرحلة 180 راكبا كان مجموع “خسائرهم” مليارين من الخلايا الجلدية و180 ألف شعرة!! ما هذا التبذير؟ هل نيويورك تستاهل كل هذه التضحيات؟ تنزل في مطارها وقد فقدت اكثر من 11 مليون خلية من جلدك.. يعني تكاد ان تكون عاريا على الرغم من ملابسك الأنيقة؟ هذا ليس كل شيء فخلال الرحلة من سنغافورة الى نيويورك يفرز المسافرون 500 ملليلترا مكعبا من الروائح المختلفة و150 لترا من سوائل العرق، و… الطامة الكبرى أنهم ينتجون 144 لترا من غازات البطن، وما أدراك ما غازات البطن!! كل تلك البلاوي تظل محبوسة داخل الطائرة بمعنى ان كل مسافر يلتقط خلايا جلود الآخرين ويستنشق الغازات والرائح آنفة الذكر، وتخيل لو ان بالطائرة خمسة فقط يعانون من سوء الهضم وواحد مصاب بالسارس وثالث مصاب بانفلونزا الدجاج!.. وقد يحس المسافر بالملل ويضع سماعة على أذنيه لمتابعة برنامج تلفزيوني او مادة صوتية مسجلة، في هذه الحالة تتضاعف كمية الفيروسات في أذنه 3500 مرة!! هل ستضحكون على ابي الجعافر مرة أخرى لأنه يعترف بأنه يخاف ركوب الطائرات حتى من المنامة الى الدمام؟ كلنا نعرف ان في العجلة الندامة فلماذا يلهث بني البشر لتحقيق كل شيء على عجل، حتى صار أكل وجبة كاملة لا يستغرق اكثر من ثلاث دقائق؟

أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com