أ.د. معز عمر بخيت

هذا الشبل من ذاك الأسد: محمود الموصلي


[ALIGN=CENTER]هذا الشبل من ذاك الأسد: محمود الموصلي[/ALIGN] علم الوراثة Genetics هو العلم الذي يدرس المورثات (الجينات) والصفات التي تورثها وما ينتج عنه من تنوع الكائنات الحية. بدأ علم الوراثة على يد العالم المشهور مندل بدراسة انتقال الصفات الوراثية من الآباء للأبناء ونسب توزعها بين أفراد الأجيال المختلفة. الصفات الوراثية تحمل الكثير من الملامح والوظائف والطفرات المتعلقة بها التي ينتج عنها ما هو حميد وما هو غير حميد كذلك مما يؤدي إلى خلل معين يكون نتاجه انتقال مرض ما.
من الطفرات الحميدة التي حدثت أثناء التحور الوراثي للبشرية؛ الانفجار الذي تم في مجال الفن والثقافة والتعبير الفردي في أفريقيا قبل حوالي أكثر من خمسين ألف عام في أفريقيا نتيجة لتغيرات بايولوجية في دماغ الإنسان خاصة أن اكتشاف تحور في الجين المرتبط باللغة هو الذي بدأ الثورة الثقافية وأتاح إمكانية التواصل بين البشر. ولا زال هناك حديث وجدل علمي دائر منذ عدة سنوات حول مورثات الإبداع لدى الإنسان حيث يعتقد أن مورثة الإبداع قد تطورت منذ حوالي 50 ألف سنة وكانت الومضة التي أشعلت تنمية العقل الحديث.
إذن فالإبداع مرتبط بمورثات ثقافية تنتقل من الآباء للأبناء وهي قطعاً متعلقة بذكاء فطري يجعل للمبدع خاصية التفرد والتفوق ويمكن بالتالي للمبدع الحقيقي أن يورث هذا الإبداع والذكاء الفطري المؤدي للنجاح لذريته. ودائماً ما أقول المبدع الحقيقي لأن كلمة إبداع تطلق في بلادنا على أي شخص يحقق شهرة ما لأن الشهرة ليس من الضروري أن يكون وراءها إبداع إنما ضربة حظ يتحول بها المشهور إلى مبدع فجأة وتطلق عليه الألقاب العظمى المختلفة مثلما يطلق لقب الأستاذ على كل شخص عرف بين الناس بأي شيء.
كل هذه المقدمة لأن المرء يسعد ويفخر ويزدهي ولا يتعجب حين يجد أن ابناً لمبدع حقيقي ببلادنا قد انتقلت إليه جينات التفوق فأصبح من الناجحين الذين نفتخر ونعتز بهم في بلاد تعرف قيمة العلوم ومعاني النجاح. الحديث هنا عن مبدعنا وعالمنا الجليل في مجال الموسيقى الأستاذ يوسف الموصلي الذي لامس محمود ابنه فضاءات الألق الإبداعي في العلوم فقر عين والده وأمه وأسرته وأسعدنا كثيراً وأسعدني أنا على وجه الخصوص لأن إبداعه كان في علم المناعة وهو أحب العلوم إلى نفسي وهو العلم المرتبط بجهاز يحمينا من كل شرور الحياة ومن شرور أنفسنا وهو حديث طويل حتماً أعود له في محاور أخرى قريباً إن شاء الله.
محمود تخرج ببكلاريوس في علوم المختبرات السريرية في جامعة أيوا بالولايات المتحدة الأمريكية وهو الآن طالب دراسات عليا ببرنامج علم المناعة بنفس الجامعة حيث يدرس الإشارات الخلوية عبر مستقبلات كريات الدم البيضاء وتطور هذه الخلايا من نوع تي. المشرق في أداء هذا الفارس هو أنه قد تحصل على جوائز ومنح عالية ومهمة وهو في بداية رحلة التفوق الكبرى حيث حصل فقط في هذا العام 2010 على جائزة أميونوجين فيشر للتفوق الأكاديمي وعلى منحة دلورس قيل كوردل الدراسية، وكان قد تحصل قبل ذلك على منحة للبحث العلمي من الجمعية الكيميائية الأمريكية عام 2008م.
هذا التفوق في مجال علم المناعة بجامعة مثل أيوا وأنا أدرك ذلك لأنني عملت بتلك الجامعة في معامل الكيمياء الحيوية في المناعة الجزيئية مع البروفيسور الأمريكي المتميز جون دونلسون عام 1995م وسجلنا براءة اختراع سوياً في ذلك الوقت، وأدرك تماماً فرحة محمود وأبيه بهذا الإنجاز المقدر وهو حقيقة مفخرة لنا أجمعين. علم المناعة هذا قد أحدث ثورة عظيمة في مجال الطب والعلوم ومعظم جوائز نوبل في الطب والفسيولوجي كانت لباحثين وعلماء في هذا المجال لأن الجهاز المناعي هو الذي يحمي الجسم من كل ما هو غريب مثل الجراثيم وكل ما يلوث البيئة كما أنه يحفظ توازن عمل الأجهزة الأخرى والأعضاء والأنسجة والخلايا. لذلك أصبح هاجس العلماء معرفة آلية عمل هذا الجهاز المهم والمعقد حتى أصبح تشخيص وعلاج والوقاية من كثير من الأمراض الوراثية منها والمكتسب؛ مرتبطاً تماماً بمواد هذا الجهاز من بروتينات وأحماض أمينية وكاربوهايدريدات ودهنيات مختلفة. والمولى عز وجل وهب الجسد أنواعاً من المناعة الطبيعية تبدأ من خطوط الدفاع الأولى مثل الجلد والأغشية المخاطية والأنزيمات الموجودة في إفرازات الجسد من لعاب ودموع بالإضافة للتفاعلات الأولية كالحمى التي تحمي الجسد من تكاثر الميكروبات وتزيد فعالية عمل جهاز المناعة إلى خلايا الدم وبروتيناته المختلفة التي لها خاصية المناعة الطبيعية وتشكل خط الحماية الأول بينما تشكل المناعة المكتسبة خط الدفاع الثاني القوي والمتخصص و يستبين عندما يتعرض الجسد لتحدٍ مناعي سابق كما يحدث في حالات العدوى الطبيعية أو الاصطناعية عن طريق الأمصال.
آلية عمل خلايا المناعة في غاية التعقيد ودراستها تعتبر من الدرسات المتقدمة والتنافس في مجالاتها في الغرب أمر صعب وهو طريق وعر لا يسير فيه ويجتازه إلا أصحاب العقول النيرة والمثابرون والقادرون على التميز المتفرد وما محمود بلال إلا أحد هؤلاء العباقرة القادمين على الطريق الصحيح. وفي مجال الحماية والوقاية منحنا قبله والده مناعة ضد الإحباط وحصننا من معاناة النفس وجعلنا نقيم المصالحة مع الحياة ومع أنفسنا ونبتسم في أقصى حالات الضيق ولا نهرب من ظلام المدينة.
وحيث أن جينات الإبداع تورث مجتمعة ومنفصلة فلا بد للمرء أن يتساءل إن كان هناك إبداع آخر غير التفوق الأكاديمي الذي يتميز به محمود؟ وكنت على يقين أن له شيء ما لعله لم ينبئ عنه حتى تأكدت بأنه عازف ترومبيت وجيتار ممتاز، فاكتملت الصورة وأدركت تماماً أنني أمام مبدع حقيقي قادم على الطريق. تحية يانعة ومشرقة لمحمود ولوالده ووالدته ولأسرته الكريمة ولنا أجمعين، ودعوات مشرقة له ومستجابة بإذن الله ببلوغ أقصى غاياته وتحقيق أمنياته ليصبح أحد علمائنا الكبار في هذا المجال العظيم.
{ مدخل للخروج:
مذ كنت يوماً يا محمد نطفة حملتك طهراً أمك.. وسَقَتك نبع نقائها فيضاً يطوف بعرشك.. يا موطني قد جاء فارس عصرك.. من يشعل الرمق الأخير يدق نعش المملكة.. يا أيها الوطن الرحيم لك التحية وحدك.. ولك السلام نوافذ الأمل المقيم لك الختام وهذه الدنيا لك.

معز البحرين
عكس الريح
moizbakhiet@yahoo.com