تحقيقات وتقارير

هجليج أبدلت معادلات الساسة..


[JUSTIFY] لا بد مما ليس منه بد،ربما كان هذا لسان حال القوى المعارضة وهي تصطف بالاسبوع الماضي خلف الحكومة منددة باستيلاء حكومة الجنوب على منطقة هجليج، فلم يتوانَ حزب واحد من زمرتها عن اعلان ادانته الخطوة الجنوبية،وكم كان المشهد وقتها لافتا للمراقبين ليس لانه خرج متوشحا بعباءة الوطنية، وانما لان موقفها جوبه اول الامر بالتشكيك والتبعيض.. فقد هاجمها د. نافع على نافع بعنف من لا تغنيه الكلمات مقللا من مواقف حزب الامة ومن مناشدات السيد الصادق، و مشككا في بيانات الشيوعي وتبيينات الشعبي، وقال رجل الوطني « مواقف المعارضة فرفرة مذبوح»، مؤذنا بهذا بتدحرج حجر كبير في بركتها المضطربة اصلا، قبل ان يتابع نافع معركة الاستنفار. لتعود المعارضة ، مرة اخرى، وتبادر بعد استعادة هجليج بتهنئة الجيش السوداني وتشد على يدي الشعب، لكنها لا تنسى التذكير بروشتتها للحلول واطفاء الحرائق المتناثرة. فرئيس قوى الاجماع الوطني فاروق ابوعيسى قال لـ» الصحافة» ، بعد ساعات من ظهر جمعة هجليج، ان المعارضة تؤمن بان طريق الحرب لن يقود البلاد لاستقرار، وان على الحكومة ان تسارع بالتوجه الى الحوار مع الجنوب، ومع الحركات التي تحمل السلاح في جنوب كردفان والنيل الازرق ودارفور، هذا قبل ان يبدي فاروق ابوعيسى كبير استعدادها للعب دور على صعيد تنقية الاجواء بين الخرطوم وجوبا، وعلاج المشكلات مع المعارضة السودانية المسلحة. وتراءى حينها للرأى العام ان الحكومة ومعارضيها قد التقيا اخيرا على كلمة واحدة،وعلق عديد من المراقبين على ذلك لوسائل اعلام منها « الصحافة» بان الضرورات تبيح المحظورات، وان لا جناح على المؤتمر الشعبي ان وافق رفيقه الشيوعي على التزام الخط الوطني .. متى ما دعت الضرورة وحكمت تقلبات السياسة.
غير ان مراقبين آخرين تحدثوا لـ» الصحافة» يطلون على المشهد السياسي بغير نافذة الارادة الوطنية. ويقولون ان احداث هجليج شكلت ضربة قاصمة لبرنامج المعارضة الداعي للتغيير، فهي من جهة جعلتها تؤجل برامجها ومشاريعها وتلزم الاحتشاد خلف المؤتمر الوطني، ومن جهة اخرى دفعتها للانزواء فيما غريمها يملأ الساحات ملتحفا رداء الوطنية ومكتسبا تعاطف الجماهير.

ولم تغب مشاهد الناس في شوارع الخرطوم بعد استعادة هجليج والتفافهم حول الحكومة، من المرتكزات التي ينطلق منها المحلل السياسي سامي عبد العاطي ، لكنه يضع ذلك الخروج العفوي في خانة اخرى لا تقرب الحزب الحاكم ولا حكومته العريضة،لان الموقف الجماهيري كما يرى لم يكن الا تعبيرا عن ثقة الشعب في القوات المسلحة السودانية وعن استعداده لدعمها معنويا وماديا، وهو ما لا يعني اظهاررضائه عن الحكومة او حزبها،لافتا الى ان اظهار هذا الدعم في ظل الضغوطات المعيشية المتزايدة التي يرزح تحتها الناس، بسبب سياسات الحكومة له دلالات لا تخطئها عين، ابرزها ان الجيش سيظل عماد البلاد لما يملك من بعد قومي وتقاليد ومواقف ومنطلقات وطنية راسخة. وربما هذا ما يدفع باستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية،لان يستبعد من معادلات الربح والخسارة الاحزاب السياسية في الحكومة والمعارضة، فسامي يشير الى ان معادلات الاسبوع الماضي كانت تحتوى على رقمين اساسيين فقط، وهما الشعب السوداني وجيشه، ويتابع بان الاحزاب السياسية كانت تمارس، خارج هذه المعادلة، ضروبا من المناكفات القديمة التي لا تحقق للمعارضة اجندتها ولا تكسب الحكومة تأييدا مفقودا ظلت تبحث عنه في الشارع. ويلتقط القفاز، الدكتور حاج حمد محمد خير، ليقول ان مواقف المعارضة المعلنة لم تكن الا تجسيدا حيا لوطنيتها.. لكن المواقف لا تكفي لوحدها، فالمحلل السياسي يلوم احزاب المعارضة على اكتفائها بالجلوس على مقاعد المتفرجين، ملوحة بالتنديد فيما كان بمقدورها ان تفعل اكثر، مثل ان ترسل كتائبها الى هجليج او ان تقدم للشعب تقييما موضوعيا لاخطاء الحكومة، يتناسب وموقعها في المسرح السياسي كمعارضة مسئولة، ويتابع حاج حمد: المعارضة ليست كمثيلاتها في العالم، فهي لا تملك حكومة ظل ووزراء يبينون اوجه القصور ونواحي الضعف في الاداء الحكومي على مستوياته المختلفة، ويضيف « ارى ان رصيدها صفر لانها انزوت وجعلت الحكومة تفلت باخطائها في ظل الفراغ الداوي». واخطاء الحكومة التي يلمح اليها المحلل السياسي كانت مثاراً للجدل في برلمان الخرطوم، لكنها نجحت ، كما يشير الدكتور حاج حمد بثقة، في التغطية على اخطائها بـ»زحمة سياسية» شغلت المواطن عن المساءلة وحجبت حق المحاسبة عن من توخاها في اي مكان، وادت بالاحزاب المعارضة الى الاختفاء.

ولا يذهب المحلل السياسي قيد انملة عن سابقه في تبيينه لدوافع الموقف الجماهيري عند الازمة وبعد انقشاعها، فهو يشدد على ان الشارع ذهب بالحالتين في اثر الجيش لانه بنظره « حائط الصد الاول» ، عاد ذلك التوجه الجماهيري بالطبيعي على ضوء الادراك المتزايد لديها بان القوى السياسية حكومة ومعارضة فقدت البوصلة، واضحت عاجزة عن تبيين الخيوط الفاصلة بين مصالح الاحزاب ومنتفعيها، ومصلحة الوطن، ويتابع الدكتور حاج حمد: لا احد من القوى السياسية ملأ كنانته من تلك القضية، وهو ما يظهر بشكل اوضح ضعف الفئة السياسية داخل الحكومة والمعارضة معا، فما حدث كان ازمة واجهت السودان وخرج منها الطرفان خلو الوفاض. ويضيف المحلل» اما الجيش كمؤسسة وطنية تتواجد بداخلها كل الوان الطيف السياسي والاثني والديني، فقد حظي بكل المكاسب، واهمها تجديد ثقة الناس به» . وما انتهى اليه الدكتور حاج حمد يبدأ بالتأمين عليه الدكتور عمر الحاوى معتبرا ان اكبر مكاسب « هجليج» هو تناسي الشعب السوداني لمشكلاته وقضاياه الداخلية وتفاعله القوى مع القضايا القومية، مؤكدا ان المعادلة لم تكن معادلة معارضة وحزب حاكم وانما معادلة « شعب ووطن»، وتابع: شعب يدرك ان جيشه قومي النزعة والتكوين ولا يتبع حزبا سياسيا، فلا يجب على الحكومة ان تعتبر الشعب خرج من اجل المؤتمر الوطني، او ليمنحها شيكا على بياض او تفويضا مطلقا. واضاف « الانسياق خلف هذا الاتجاه سيقود الى مزيد من تكريس وجودها، ويمنعها من الاستفادة من اجواء التوافق مع القوى السياسية من اجل المصالح الوطنية وتوحيد الجبهة الداخلية». ويقول المحلل السياسي» الجو مهيأ الآن لاحداث مزيد من التوحد بخاصة وان الاحزاب اظهرت وطنيتها متناسية اجندتها الخاصة ومطالبها بالتحول الديمقراطي، وعلى الحكومة استثماره في اتجاه التقارب معها»، وزاد الحاوي» لا يستبعد ان يتكرر ما حدث في مناطق اخرى، لان القضايا الخلافية لازالت تطل برأسها». [/JUSTIFY] تقرير: ماجد محمد علي
الصحافة