جعفر عباس

هجرت أرامكو ولكن تسلحت بها


[ALIGN=CENTER]هجرت أرامكو ولكن تسلحت بها[/ALIGN] أصبحت مترجما بالصدفة، ومعظم المترجمين المعروفين دخلوا المهنة بالصدفة، فالترجمة شأنها شأن الصحافة والإعلام تتطلب استعدادا فطريا يتمثل في امتلاك الأدوات اللازمة، وفي حالة الترجمة فإن تلك الأدوات هي التمكن من لغتين كحد أدنى، وأعني بالتمكن، فهم روح – وليس فقط نص – المفردة والعبارة، فكلمة بسيطة مثل manpower قد تتعرض لترجمة سطحية كـ “قوة الرجل” في حين أنها تعني “الأيدي العاملة”، وبالتالي تجد الآلاف ممن درسوا الترجمة ونالوا الدرجات الجامعية فيها، لا يحسنون ترجمة نص بسيط لضعف ذخيرتهم اللغوية، لأنهم لا “يقرأون”، وقد علمني رئيسي المباشر في أرامكو اللبناني سامي الأشقر: لو بدك تصير مترجم كبير لازم تكون جاك أوف أول تريدس .. أي ماهرا في كل حرفة، وكان يعني بذلك أن المترجم الناجح هو المسلح بمعارف متنوعة، ولا يقول أنا متخصص في كذا وكذا، وما لا يدركه كثيرون من ناشئة المترجمين هو أن القاموس ومعرفة طريقة استخدامه لا تجعل منك مترجما، والنصيحة التي أوجهها لكل من يطلب مني النصح لتحسين إلمامه باللغة الإنجليزية هي: لا تستخدم قاموسا “إنجليزي – عربي” بل لا تكثر من استخدام القاموس وحاول فهم النصوص في عمومياتها لأن الاستخدام المتكرر للقاموس يقود الى القرف والإحباط، ولو أراد الله بقولونك سوءا وانت تجيد الإنجليزية والعربية فتابع الترجمات في الفضائيات العربية، لأنها شغل زلنطحية من الصنف الذي يعتقد ان استخدام مفردات مثل: أوكي.. هاي.. أوف كورس.. نو واي.. فانتاستك، تجعل منه خواجة.
وأقول عن نفسي إنني أصبحت مترجما بالصدفة لأنني بعد التخرج في الجامعة عملت مدرسا للغة الإنجليزية، ثم أعلنت السفارة البريطانية في الخرطوم رغبتها في توظيف مترجم فتقدمت للامتحان وتفوقت على الآخرين، وصرت مترجما حينا من الدهر، ثم عدت الى التدريس ثم عملت في التلفزيون، وجلست لامتحان ترجمة ووقع الاختيار علي للعمل في وظيفة “أخصائي ترجمة” في شركة أرامكو النفطية في السعودية، وفي أرامكو تعلمت ان الترجمة فن و”صنعة” لها أصولها، وأن ترجمة الوثائق القانونية والفنية والمالية تتطلب الدقة ولو على حساب السلاسة وسلامة اللغة من حيث الصرف والنحو.. ورغم أنني تركت العمل في أرامكو قبل أن أكمل فيها عامين فإنني تركتها وأنا واثق من أنني بصدد التحول الى مترجم محترف، فقد علمتني أرامكو ان الترجمة ليست فهلوة او حذلقة.. وكان مجرد إضافة اسم أرامكو لسيرتي المهنية الذاتية فتحا مهنيا كبيرا يسر لي الحصول على عروض وظيفية كثيرة ومهمة، فرغم أنني عملت بالصحافة في أبو ظبي فإن خبرتي في أرامكو هي التي أهلتني لترجمة كتابين عن صناعة النفط من تأليف وزير النفط الاماراتي الأسبق الدكتور الشاعر مانع سعيد العتيبة، ثم الفوز بعطاء تعريب كل مستندات شركة الاتصالات الإماراتية التي كان اسمها وقتها أميرتل، وعندما التحقت بشركة الاتصالات القطرية بعدها بسنوات رئيسا لقسم الترجمة ثم العلاقات العامة، تذكرت جمائل أرامكو المهنية عليّ.
لا أذكر أنني قضيت أكثر من شهر خلال العشرين سنة الأولى من إقامتي في منطقة الخليج من دون عمل إضافي (إلى جانب عملي الرسمي)، وكان ذلك مخالفا لقوانين العمل، ولكنني لا أتردد في مخالفة أي قانون أراه غير منطقي.. وهكذا وخلال عملي مترجما في أرامكو بدأت أترجم مقالات من صحف إنجليزية وأمريكية لجريدة “اليوم” السعودية التي تصدر في الدمام، وكنت أعمل أيضا مترجما لدى شركة عُمان ومستشفى المواساة، (ولم يكن من تثريب علي في أن اكتب مقالات في جريدة ومجلة “قافلة الزيت” التي تصدرها أرامكو)، وتجربة العمل “السري” مع جريدة “اليوم” هي التي فتحت شهيتي للعمل الصحفي فدخلت فيه بـ “العرض” بعد تركي لأرامكو.

أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com