تحقيقات وتقارير

في دائرة الضوء : أيام إثيوبية مع نادر خضر


عرفت نادر خضر انساناً وفناناً يحمل شيئا من الابداع والجمال، ولكني عندما عدت من رحلتي معه الى اثيوبيا قلت (ما أجمل السفر مع نادر خضر!!) والسفر يتيح فرصة أكبر للتعرف على الناس طبائعهم وعاداتهم، بخلهم وكرمهم، ابتسامتهم ودموعهم، السفر وسيلة مهمة لمعرفة الناس.
حقيقة ما أجمل السفر مع نادر خضر لأنه يحب أن يتعامل كإنسان بسيط ومتواضع وليس لديه وهم النجومية الزائف وغرورها الأعمى. نادر ابن بلد أصيل وزول حبوب في رحلتنا معه إلى اثيوبيا كنت أحرص على أن أقضي معه أكثر الأوقات لأنه مؤانس من طراز فريد. الونسة مع نادر خضر مزيج من خفة الروح والثقافة الموسوعية وأنت تجلس قبالته تعرف أنك أمام شخص لا يمل جماله الانساني وحيويته.
في هذه الرحلة وقفت على نادر الفنان الذي يحترم عمله وينظر إلى الفن باعتباره رسالة سامية، يهتم بالتفاصيل ويحرص على الظهور بمظهر مشرف. غنى في عدد من الفعاليات فأبدع وأجاد، ونال اعجاب الناس وتصفيقهم. أغنيات نادر تشبهه في الحيوية والاشراق، وصوته مزيج رائع من أصالة أم درمان وسحر أديس أبابا. أم درمان في حياة نادر خضر هي الملهمة الأولى، وأديس أبابا مدينة أحبها نادر بصدق.
من الطرائف التي جمعتني به قال نادر قبل أن نسافر إلى اثيوبيا (طارق شريف قال نادر حبّش الأغنية السودانية، طيب يا طارق حتمشي اثيوبيا ونشوف كلامك دا) قلت له أنا سافرت اثيوبيا يا نادر قبل هذه الرحلة، فقال لي أنت حتشوف اثيوبيا جديدة يا طارق!
وصدق نادر فزيارتي الأولى لاثيوبيا اقتصرت على مناطق محددة في أديس أبابا، ولكن الرحلة التي جمعتني مع نادر وثلة طيبة من الأصدقاء زرت فيها هواسا الرائعة ودبرزيت وتنسمت سحر (بحردار) ووقفت على مقلي، تلك المدينة الرائعة ولم يتركني نادر وكان كلما زرنا مدينة يسألني (أنا حبشت الأغنية السودانية)؟ وكنت أقول له الاجابة أقرأها في الخرطوم عبر جريدة الصحافة، وفعلاً عندما عدت للخرطوم وكتب الجزء الأول أوضحت الدور الكبير الذي لعبه نادر في خلق التواصل الفني بين اثيوبيا والسودان، ولأنني أعرف أن نادر نادراً ما يقرأ ما يكتب عنه، ويكتفي بسماع ذلك من أصدقائه وكلما يقابلني يقول لي إنه سمع أني كتبت عنه كذا وكذا، ويشكرني ثم يطالبني بأن أسلمه الجريدة، ولو أحصيت الجرائد التي طلبها مني نادر لوجدتها بالعشرات ولكني للأسف لم أسلمها له حتى الآن. وعندما كتبت الجزء الثاني من مقالي عن رحلة اثيوبيا خصصت فقرة كاملة عن نادر تحت عنوان (نادر خضر فنان نادر على طريقته). وقررت أن يقرأ نادر هذا المقال وعملت خطة لذلك اتصلت به عبر التلفون وعززت الاتصال برسالة تذكير، ثم استعنت بالصديق المشترك الأستاذ الرشيد علي أبشر مدير قسم التسويق بمصرف السلام، وطلبت منه أن يشتري الجريدة ويحفظها لنادر وفعلاً نجحت الخطة وعندما قابلت نادر أكد أنه قرأ المقال وأبدى اعجابه بما كتبت.
وكنت خلال رحلتنا لاثيوبيا أحرص على الاستماع لنادر كثيراً وكان يحكي لنا عن ذكريات دراساته في الهند، وبعض ذكريات أسفاره في العالم. كان نادر يعشق السفر ولكن سفره لاثيوبيا يشكل له طعما خاصا ولونا خاصا. كان نادر يتنفس عشقاً لاثيوبيا… وظل طوال الرحلة كلما مررنا بمنظر طبيعي يذكرني بسحر اثيوبيا وروعتها، وفي طريق عودتنا من هواسا إلى أديس أبابا نجونا من حادث سير خطير وكادت العربة التي نقودها تصطدم بشاحنة وتنفسنا الصعداء و(تكهرب الجو) ولم تخفف المسألة إلا قفشات نادر وسخريته المحببة.
ومن سخريات القدر انه أثناء وجودنا بأديس أبابا انتشرت شائعة بالخرطوم عن وفاة نادر خضر في حادث سير، وقد اتصلت أسرة نادر به للاطمئنان عليه وطالبني نادر أن أنفي الخبر في الصحافة، ونشرت الخبر تحت عنوان (نادر خضر يضحك من شائعة وفاته).
في هذه الرحلة وقفت على نادر خضر الانسان والفنان في تهذيبه العالي وحرصه على أن يكون عنواناً مشرقاً لبلده السودان.
كنت أمني النفس برحلات أخرى مع الصديق نادر خضر، وقد اتصل بي بعد عودته من آخر رحلاته إلى تركيا وقال إنه افتقدني في هذه الرحلة. ولكن يد القدر كانت أسرع، وودعنا نادر الصديق الوفي المخلص والانسان النادر، وبرحيل نادر فقدت الساحة الفنية أميرها وفارسها النادر، بكى نادر الصغير قبل الكبير. بكاه الأهل والأصدقاء والأحباب. كل أعضاء رحلتنا إلى اثيوبيا كانوا يبكون، سيف الدين عوض الكريم والسفير أبو القاسم الخضر، وعبد المجيد خليفة ومحمد جعفر وموسى اندريه وأحمد عبد القيوم، واتصل الصديقان شكر الله خلف الله والرشيد علي أبشر من هولندا يعزيان في الفقد الجلل، واتصل الصديق تاديوس الاثيوبي الرائع يعزي الشعب السوداني في وفاة نادر خضر.
(إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا لفراقك لمحزونون يا نادر، ولكننا لا نقول إلا ما يرضي الله).
اللهم ارحم نادر خضر وأدخله فسيح جناتك
صحيفة الصحافة
طارق شريف


تعليق واحد

  1. يا سلاااااام ..

    اللهم اغفر له وارحمه

    واسكنه فسيح جناتك واجمعنا به

    في الجنة يا ارحم الراحمين