جعفر عباس

فرحان لأمّ الأربعة


فرحان لأمّ الأربعة
فرحت وسعدت كثيرا لأن سيدة بدوية من سيناء في مصر، عرفت الحمل لأول مرة بعد 31 سنة من زواجها، وضاعف فرحي أنها رزقت بأربعة في «بطن» واحدة، أي أنهم عاشوا في بطنها سويّا ثم نزلوا الى الدنيا سويّا،.. يظل قلبي منقبضا كلما كان أحد عيالي على سفر، فكيف يكون حال من لم يجربوا متعة وجود عيال في البيت، وأقسم بأنني ما كنت سأتردد في كفالة أطفال من مركز المايقوما للأطفال المجهولي الأبوين في الخرطوم لو كنت مقيما في السودان، لمنحهم كل ما يحتاجون إليه من حب وحنان ورعاية واستمتع بضجيجهم وصخبهم وأقضي ساعات صحوتي كلها ضاحكا عندما يبدأون في تعلم الكلام.. كنت أتعمد اصطحاب ولدي لؤي الى الدكان كثيرا كي يقول إنه يريد «ككو لولا»، ويعني كوكا كولا، وكان صاحب المتجر الهندي يشاركني الضحك وقرر منحه زجاجة ككو لولا مجانية في كل زيارة له لدكانه.. وكان غسان في طفولته مولعا ببرنامج «افتح يا سمسم» ويردد مع كل حلقة منه: حرف الخاء فراشة، وأتخيل لو أن اسم تلك الحشرة الجميلة كان «خراشة»، فهل كانت المصريات سيصرخن: يا خراشي عند استنكارهن قولا أو فعلا؟
وفرحتي بإنجاب بدوية سيناء بعد عقم دام 31 سنة، لا يفوقه إلا إعجابي بزوجها، الذي لم يطلقها لأنها عاقر بل أبقاها على ذمته، راضيا بما قسم الله، فكافأه الله بأربعة مواليد دفعة واحدة، ثلاثة منهم ذكور، وللذكور مكانة خاصة في المجتمعات العربية عموما ولكنهم عند البدو يمثلون «العزوة والحظوة»، فعند البدوي لا سعادة تعدل ان يناديه الناس بـ «أبو فلان»، وعرب الجزيرة العربية ومنطقة الشام الكبرى وبعكس ما هو حادث عندنا في السودان لا يكنون بـ-مثلا- أبو فاطمة وأبو نورة، بينما عندنا في السودان، وفي الإقليم الشرقي تحديدا – قد يسمي الرجل ولده أبو زينب أو أبو عائشة تخليدا لذكرى أم أو أخت عزيزة.. وتنتهي الكثير من الزيجات بالطلاق حتى في مجتمعاتنا الحضرية بسبب عدم الإنجاب، والغريب في الأمر أن هناك اعتقادا بأن العقم علة نسائية بحتة، فعند مرور عدة سنوات بدون إنجاب تكون أول وعاشر خطوة هي إخضاع الزوجة للفحوص الطبية، وحتى إذا ثبت أن الزوجة خالية من موانع الحمل، فقليل من الرجال من يخضعون أنفسهم لاختبارات العقم، وكم من رجل طلق او تزوج بثانية طلبا للإنجاب، ولم يرزق بذرّية، فلم يفكر في عرض نفسه على الأطباء وتزوج بثالثة فلم يرزق منها بذرّية، ومن هذه الفئة من يظل يقول إن حظه رماه على نساء عاقرات.. وقد تشاء الأقدار بالفعل ان يتزوج رجل مكتمل الخصوبة بأكثر من امرأة عاقر في سعيه للإنجاب، ولكن الشاهد هو أن الرجل الشرقي عموما يعتقد أنه ولد «خصبا»، وأنه لا يليق به أن يخضع لفحوص طبية إذا لم يرزق بذرية.
هناك حكاية تتعلق بالخصوبة والعقم أوردتها في أكثر من مقال، لأنني أعرف طرفيها جيدا، وهي عن سيدة متزوجة بابن عمها، وبعد ربع قرن من زواج لم تنتج عنه ذرية عرضت الزوجة على الزوج أن يتزوج بأخرى، فرفض بحزم وصدق، ولكنها ظلت لم تيأس وأقنعته بعد جهد بأن يتزوج واحدة اختارتها هي وخطبتها له، ثم شرعت في إنشاء قسم مستقل للزوجة الثانية في بيتها، وأثناء سير عملية البناء والاستعداد للزواج، أحست الزوجة باعتلال في صحتها وعرضت نفسها على الطبيب واتضح انها حامل،.. ومع هذا أحست بأنها ملزمة أخلاقيا بإتمام مراسيم قران زوجها بمن اختارتها له، ولكن العروس المرتقبة كانت نبيلة ورفضت المضي قدما في الزواج، لأنها كانت تعرف أن تلك السيدة الفاضلة عرضت على زوجها الزواج بها كي يرزق بذرّية، وطالما كافأها الله بحمل ومولود، فلا معنى لأن تكون ضرّة لها.. أجمل ما في تلك الحكاية ان تلك السيدة رزقت بأكثر من مولود واحد.. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]