مقالات متنوعة

عبقريات … إدارية


[ALIGN=CENTER]عبقريات … إدارية [/ALIGN] ما أجمل أن نشارك في إثراء علم من العلوم ، وما أروع أن تكون لنا إسهاماتنا المهمة في تطوير مفاهيم الحياة ، فنحن بذلك نشارك غيرنا من سكان هذه البسيطة في صناعة الحضارة ، ولا ضير في أن يكون لنا خصوصيتنا وتميزنا في هذا الإسهام ، وفي مقالي هذا سأتناول بعضاً من الأنماط الإدارية الحديثة جدا التي ابتكرها بعض مديرينا في القطاعين الخاص والعام ، فهي تدل على ما يتمتعون به من مستوى إداري رفيع ، وخبرة مهنية عريقة ، بل إنها أيضاً تدل على عظمة تجربتهم التي تمخضت عنها أفكارهم الرائدة ، فبمثل هؤلاء المديرين تُصنع الإنجازات وبمثل هؤلاء ترقى الأمم ، وأعتقد أنه من باب الجحود والنكران ألا نشير إلى عطاءاتهم الإنسانية الخلاقة ، أو أن نبرز جهودهم الفكرية المتميزة ، فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله ، لا أريد أن أطيل عليكم في هذه المقدمة التي أعتقد أن هؤلاء العبقريين يستحقون أكثر منها ، كيف لا وهم من جعل من بيئتنا الإدارية تبز غيرها دقة وانضباطا، وكفاءة وإنتاجا، ومهارة وإبداعا ، لذا أرجو أن يعذروني إذا عجز قلمي وقصُر كَلِمي عن أن يوفيهم حقهم من التمجيد والتطبيل والتزمير ، وحتى لا يُساء بي الظن أو أُتهم بالمداهنة والنفاق أو على أقل تقدير بالمبالغة في المدح والثناء ، فإني سأسوق لكم بعضا من هذه الأنماط الإدارية الحديثة التي سبق بها هؤلاء المبدعون زمانهم ومكانهم وأقرانهم في شتى بقاع العالم :
أولا : الإدارة الأُذْنِية : أو الإدارة الوِدَنية وهي الإدارة التي يتمتع مديرها بأذنين كبيرتين واسعتين ، تسمعان دبيب النملة ورن الإبرة ، ومع حدة سمع هذا المدير إلا أنه ضعيف البصر لا يَرى أيَّ إنجازٍ مهما كان رائعا ، ولا يَرى أيَّ عطاءٍ مهما كان مخلصا ، ولا يَرى أيَّ جهدٍ مهما كان عظيما، فهو يكتفي في تقييمه للأمور وحكمه على الأشياء بما يصل أذنيه من الملتفين حوله من النمامين وآكلي لحوم البشر ، فتراه يعزل نفسه عن الحقيقة الساطعة وجلُّ ضحاياه من المخلصين الشرفاء .
ثانيا : إدارة ردة الفعل : وهي الإدارة التي يَصدق عليها قول معلق المصارعة السعودي الشهير عبدالرحمن الراشد بأنها الإدارة التي لا يمكن توقع أفعالها ، فمديرها رجل متقلب المزاج ، متغير الأحوال ، جعل موظفيه تحت رحمة قراراته الارتجالية والعشوائية التي يصدق عليها قول الشاعر رأيت القرارات خَبْطَ عشواء من تُصب تُمِتْهُ ، ومن لم تُصبه ليس بميت ، إنها إدارة لا يحكم سلوكها أي عقل أو منطق ، هدفها الوحيد إشباع عواطفها المتأججة حينا والمنبسطة حينا آخر .
ثالثا : الإدارة الشللية : وهي الإدارة التي عادة ما يتخذ مديرها قراراته بعد منتصف الليل في إحدى الاستراحات أو المقاهي أو الأرصفة أو البراري وذلك عندما يجتمع مع شلة الأنس من ذوي الكفاءات العالية في مجال النكتة السخيفة والرأي التافه ، فيقررون في جلسة السمر هذه مسار الإدارة وموظفيها ومراجعيها بل وكل شيء فيها .

رابعا : الإدارة التسلقية : وهي الإدارة التي يلعب فيها ثلاثي الحظ والصدفة والعلاقات دورا كبيرا في جعل شخص ضعيف الكفاءة ، عديم الموهبة ، متدني المؤهل ، خالي الإنجازات في موقع لا يستحقه فتجد هذا المدير الثلاثي يعرف حقيقة نفسه الناقصة فيبحث عمن يستر عوراته ويواري سوآته من الموظفين المؤهلين ، فيصنع أمجاده على حسابهم ، ويعزز نفوذه على أكتافهم ، وبقدر شطارته في استغلال جهود الآخرين والاستفادة من مواهبهم نجده يتقدم إلى الأمام بسرعة البرق والبريد والهاتف.
خامسا : الإدارة بالمراسلة : أو الإدارة عن بعد وهي نوع متطور من الإدارات إلا أنه لا يعتمد على التقنية كما قد يتصور البعض لأول وهلة ، فهذه الإدارة تجد مديرها يحتكر كل الصلاحيات في يده ولا يترك له عنوانا ثابتا ، فهو يمارس مهام عمله من أي مكان ، فكل موقع يوجد فيه هو مقر إدارته ، وعلى المعاملات والموظفين والمراجعين مطاردته حيثما حل وارتحل ، كما أن الإشارة الوحيدة على وجود مدير لهذه الإدارة ذاك المكتب الفاخر واللوحة النحاسية المعلقة على بابه.
سادسا : الإدارة المصلحية : ويمكن تسميتها بالإدارة الاستغلالية وهي الإدارة التي يضرب فيها المدير بعرض الحائط كلا من مصلحة العمل والمصلحة العامة لتبقى مصلحته الشخصية مصدر إلهامه في جميع قراراته وإجراءاته ، كما يتميز المدير المصلحي بقدرته الفائقة وأسلوبه الرائع على استغلال منصبه في خدمة أهدافه وأعماله الخاصة فهو يرى أن مركزه الحالي ليس سوى قطار يوصله إلى المحطة التي يريدها.
هذه بعض أنماط إداراتنا العربية العجيبة التي أهديها لكل موظف ومدير كي يُزيّن بها صدر مكتبه ويعرض نفسه عليها كل صباح ، فإن كان موظفا في أي إدارة من هذه الإدارات فإني أنصحه بالفرار منها فراره من الأسد لأنها ستقضي عليه بالضربة القاضية وتُذهب كل ما به من عافية ، وأما إن كان مديرا لإحدى هذه الإدارات فإني أبشره سلفاً بالفشل وخيبة الأمل وبعض العاهات وكثير من العلل ، اللهم بلغت ، اللهم فاشهد .

أحمد بن محمد اليماني
كاتب سعودي
alyamani905@yahoo.Com


تعليق واحد

  1. أخى العزيز اليمانى حياك الله ووفقك فى مبتغاك وبعد:

    من حقك أن تمدح من هو أهلا للمدح فقد مدح المولى عز وجل نفسه ومدح رسوله للبشريه وربان إدارة الإسلام ومدح المؤمنين الصادقين معه ، أفلا يجوز لنا نحن قراء عمودك ان نتركك تسترسل فى مدح من كان أهلا للمدح !

    وكما ذكرت فى مقالك هنالك إداريين على مستوى خارطة وطننا العربى الكبير قد ضربوا أروع الأمثال فى الإخلاص للعمل والرقى به رغم التخلف الذى ننعت به دائما لناحية التكنلوجيا الحديثه ، ويحضرنى فى هذا لقاء أجرته مجلة الأمه الكويتيه قبل أعوام مضت مع مدير إحدى المؤسسات الأردنيه وقد كشف الضيف يومها بالوثائق للمجله السياسة التى تتبعها تلك المؤسسه لأجل الرقى الأدارى والتقدم والإزدهار وكقارىء أعجبتنى يومها تلك الطروحات والأفكار التى يتم تصنيعها وإنضاجها داخل وطننا العربى ، والحقيقة رغم أن الغرب قد سبقنا فى مجال الأداره الا أن هنالك بعض المؤسسات العربيه ورجالاتها وأدارييها يجب أن يعطوا حقهم من الثناء والعرفان ، لأننا أمه تعرف الجميل وديننا يحض على التذكير بالجميل ، فمن هنا أتمنى من كل العاملين فى مجال الأداره أن يكونوا شموع تشع ونجوم تتلالاء لرفعة العمل الإدارى