حكومة نهر النيل.. والصيد بالصارقيل..!!

حكومة نهر النيل.. والصيد بالصارقيل..!!
يحكى عن الإمام المهدي أنه كان يتجنب كل ما يشتبه في أمره، ويحاسب نفسه كثيراً في كل صغيرة وكبيرة، وكان يحرص على ألا يأكل إلا طيباً، وإذا جاع يخرج إلى النيل ليصطاد السمك، ثم يرمي سنارته في الماء بلا طعم، وحين ينصحوه بأن يضع الطعم في السنارة، يرفض نصحيتهم ويستنكرها، ويبرر ذلك بأنه لا يستطيع غش السمك، فالغش ليس من صفات المسلم.. أوهكذا يحكون، ولست مطالباً بتأكيد أو نفي تلك الحكاية، إذ لست مؤرخاً..!!
** ولذلك، أي لأنني لست مؤرخاً، ندع تلك ونحكي حكاية معاصرة، وهي تشبه تلك الحكاية التاريخية إلى حد ما.. فلنقرأ الخبر التالي، لنكتشف الفرق بين الصيدين، التاريخي غير المؤكد والمعاصر الموثق..(عبر المركز السوداني للخدمات الصحفية – أس أم سي – وجهت حكومة نهر النيل نداءات عاجلة لأبناء الولاية المغتربين بدول المهجر للعودة الطوعية ليسهموا في إعمار ولايتهم، ويؤكد الفريق الهادي عبد الله – والي نهر النيل – بأن حكومته ماضية في جذب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية، ويطالب أبناء نهر النيل بأن يستجيبوا لندائه، وذلك بتغليب خيار العودة الطوعية للوطن).. هكذا سنارة الخبر، وهي سنارة تختلف عن سنارة الإمام المهدي، إذ بها طعم.. أريكم الطعم، فتأملوه، حيث يقول الفريق الهادي: (وجهنا أجهزتنا المختصة بمنح المغتربين – في حال عودتهم – قطع أراضي سكنية بعواصم المحليات أو بأي موقع يختارونه داخل الولاية).. تأمل هذا الصارقيل يا عزيزي المغترب، وإن كنت لاتعرف الصارقيل فهو نوع من الديدان التي تستخدم كطعم في صيد السمك..قطع أراضي سكنية بالدامر وشندي وأبوحمد و المتمة وغيرها من محليات نهر النيل، هي أفضل أنواع الصارقيل التي يمكن أن نستخدمها لصيد المغتربين، أوهكذا فكرت عبقرية حكومة نهر النيل ثم قررت..!!
** وإن كان تعريف العاقل هو من يتعظ بتجارب الآخرين، فلا أحسب بأن مغترب عاقل سوف يأخذ نداء الفريق الهادي مأخذ الجد.. أي سوف يتعظون – ولايزالوا – من تجربة أهلهم المناصير، تلك التجربة الثرة بالمعاناة والآلام والشكاوى المتواصلة والمتراكمة منذ أن غطت بحيرة سد مروي مساكنهم ومزارعهم..إذا نجحت حكومة الفريق الهادي في توفير الاستقرار للمناصير – بحيث تأويهم من العراء وتدثرهم بالخدمات وتزملهم بالاعتراف بحقهم في أن يعيشوا سعداء كما كانوا – فإن هذا يكفي لإغراء المغترب بأن يعود ويستقر ويسعد مثلهم.. ثم إذا نجحت حكومة الفريق الهادي في انتشال مشروع الزيداب الزراعي من التدهور، وكذلك مشروع أبو سليم الزراعي من ذات التدهور، بحيث لايتعثرالمزارع ثم يتعسر بسبب سوء النهج الإداري وجبال الرسوم والأتاوات، فإن هذا يكفي بأن تكون بطاقة دعوة لكل مغترب.. ثم، إن كانت لحكومة الفريق الهادي قدرة ومقدرة على توفير الاستقرار للمغتربين العائدين، فأين تلك القدرة والمقدرة حيال ما يحدث لمشروع كلي الزراعي؟ ألم يعطش هذا المشروع وأصابه الجفاف، وجاء وفد الزراع إلى الخرطوم شاكياً للمركز من (قلة الفئران في منازلهم)..؟؟.. تأملوا، ولاية اسمها مركب من (نهر) و(نيل)، ومع ذلك زراعها يشكون العطش ، وحكومتها تطلق نداء العودة لمغتربيها، ربما لتفتخر بزيادة نسبة الشاكين من العطش..!!
** المهم..أولئك الشاكون وغيرهم الذين هجروا الزرع والضرع ولاذوا بالعاصمة – وغيرها من مدائن النزوح – هم الذين بحاجة إلى (نداء الاستقرار وعوامل الاستقرار)، وليس المغترب الذي يكابد آلام الغربة ولكنه – بفضل الله ثم بنهج حكومة بلد الإقامة – لا يعاني من الفقر وبؤس الخدمات و(طلعت ولدي من المدرسة عشان ماعندي حق الرسوم)،أو كما حال السواد الأعظم من أهل بلدي كلها، وليس نهر النيل فقط.. أي كيف لعاجز عن توفير الاستقرار والحياة الكريمة للمواطن المقيم بجوار رئاسة حكومته، أن يعد بهما المواطن المهاجر والمتغرب، ما لم يكن وعداً حكومياً مراد به (زيادة نسبة النزوح وعدم الاستقرار بالداخل)..؟.. ثم بالله عليكم، كيف لحكومة تطلق مثل ذاك النداء للمغتربين، بيد أن نصف سكانها، شيباً وشباباً وصبياناً وأطفالاً، يتجولون في الفيافي وتحت سفوح الجبال – آناء الليل وأطراف النهار- بحثاً عن الوهم المسمى بالذهب، ليعيشوا وليس ليثروا..!!
** وبالمناسبة، للمغتربين الذين توعدهم بقطع الأراضي بيوت وسواقي متوراثة من زمان أجدادهم القدماء،ولكن استولت عليها العناكب والثعابين و شيدت في كل غرفها بيوتها و حفرت في كل سراباتها حفرها، بعد أن غادروها إلى ديار الغربة، وكذلك بعد أن غادرتها (الأسرة الفضلت) إلى الصحاري بحثاً عن الذهب أو إلى الخرطوم بحثا عن المهن الهامشية..ما قيمة الأرض الزراعية التي زرعها لايشبع زارعها، وما قيمة الأرض السكنية التي جدرانها لا توفر الاستقرار لساكنها؟.. ولو طرحت حكومة الفريق الهادي هذا السؤال على ذاتها، لعاقبت ذاتها بالنفي لي حيث أمكنة المغتربين، ولما وجهت نداء العودة الطوعية – وكذلك الجبرية – إلا للخارجين عن القانون..نعم تلك القرى البائسة ما هي إلا محض سجون، وكل سجين فيها ينتظر(فيزا حرة)، ليتحرر من (بؤس الحال

إليكم .. السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]

Exit mobile version