تحقيقات وتقارير

التطبيع…بين مخلفات الماضي وبوادر المستقبل


[JUSTIFY] لأهمية الموضوع وصف البعض الندوة بالخطيرة والمهمة لكونها جاءت في توقيت تتطلع فيه الحكومة السودانية الى تطبيع كامل، بينما يبدأ الرئيس الأمريكي باراك أوباما مرحلة رئاسية ثانية يتوقع الكثيرون ان تأتي مختلفة عن الأولي بغض النظر عن النتائج، وفي الندوة التي نظمها الاتحاد العام للصحفيين السودانيين بالتنسيق مع منسيقة الخدمة الوطنية ولاية الخرطوم حول «مستقبل العلاقات السودانية الأمريكية في ظل الولاية الثانية للرئيس الأمريكي» بدار الاتحاد أمس»الأحد» تباينت وجهات نظر المتحدثين بين التفاؤل بحدوث اختراق في جدار العلاقات بين واشنطن والخرطوم وبين متشائمين من حدوث ذلك، انطلاقا من منطلقات شتي، فالقيادي بالمؤتمر الوطني وعضو مكتبه السياسي د.ربيع عبدالعاطي والذي تحدث في بداية الندوة رسم صورة قائمة للعلاقات بين البلدين بعد أن اسقط عليها مخلفات الماضي، وقال ربيع ان مهمة الحديث عن العلاقات الأمريكية السودانية مهمة عسيرة بالنظر الى المشكلات التي صاحبت هذه العلاقة منذ عقود، ولذلك فان اصلاحها لا يمكن النظر اليه بمعزل عن التاريخ ، وأضاف» وحتى نصل الى تشخيص كامل يجب معرفة الوضع الذي كانت عليه العلاقة في السابق وما هي المشكلات التي وقفت حائلا أمام التطبيع واسقاطها سياسيا؟.

وللاجابة على ذلك يقول ربيع «ان السياسة مبنية على استراتيجية لا تتأثر بتداول الرؤساء لا يمكن ان تغير الأساس الذي تقوم عليه ولكنها تترك مساحة للحركة فيها بحيث يمكن للرئيس ان يتخذ وسائل لم يتخذها أي رئيس غيره، ويقول ربيع ان هناك تحولات جزئية حدثت في الفترة الأولي لحكم الرئيس أوباما والتي اتسمت بنوايا الاصلاح،وزاد» حيث لم تكتف الادارة الأمريكية باعطاء وعود عامة ومبهمة لكنها قامت بوضع خارطة طريق تبني على مراحل لتحسين العلاقات اتبعت فيها بعض الخطوات، منها السماح بتصدير بعض الآليات الزراعية للسودان ثم رفع الحظر عن النفط وهذه الخطوات وفقا للسياسة الأمريكية تتحسن بدرجة ما في المستقبل» وهنا انتقل ربيع الى المرحلة الثانية وأشار الى ان أمريكا رهنت فيها التطبيع الكامل باعتراف الحكومة السودانية بنتائج الاستفتاء، وأضاف»بالنظر الى ذلك يمكن القول بان السياسة الامريكية وصلت الى مرحلة الجزرة وتخلت عن العصا «.
وينوه ربيع الى ان هذه السياسة ووجهت بمقاومة متشددة من قبل المنظمات اللوبية التي أظهرت ردة فعل غاضبة واتهمت ادارة أوباما بالتهاون مع السودان أكثر من اللازم، واشار الى ان هذه تمثل بوادر تبعث عن نوايا لضغوط متشددة، وقال ربيع بالرغم من تشدد الصقور داخل الادارة الأمريكية الذين على رأسهم سوزان رايس وهيلاري كلينتون وما قاموا به من تأسيس منظمة كفايا التي تزعمت حملة الدعاية المضادة ضد الخرطوم الا ان منطق التعامل الواحد الذي تبناه الأمريكي أسكوت غرايشن حقق الغلبة لتيار الحمائم». وقطع ربيع بان الاستراتيجية الأمريكية تقوم على قاعدة اضعاف الدول التي لديها فرصة للنمو والاستقرار حتى تضمن أمريكا الانفراد، بالسيطرة على الموارد، وأضاف»السودان بموارده وفقا لأمريكا لا يمكن ان يسمح له بان يصبح دولة منافسة ذات تأثير في المنطقة، وتجسد ذلك بعد حرب 67 عندما تحول السودان الى قاعدة لايواء سلاح الجو المصري، بالتالي فان هذه الاستراتيجية تعبر صراحة بعدم السماح لهذا البلد ان يصبح قوة مضافة الى العالم العربي، لذلك هم يتعاملون على سياسة التجزئة لجهة ان سودان مقسم أفضل لهم من سودان موحد وقوي»، مشيرا الى ان أمريكا وفقا للوثائق والتقارير تعمل على تقسيم السودان الى ثماني دويلات، وتعمل مع حليفتها اسرائيل على خلق أزمات مزمنة ويدعمان الجبهة الثورية، ودعما الجنوب حتى انفصل وما زالا يدعمانه علي حساب السودان حتى بعد الانفصال، وخلص ربيع الى ان السياسة الأمريكية في الفترة المقبلة ستسير على منهج وضعه صقورها يقوم على اضعاف السودان والاعتراف بفشل الدبلوماسية تجاهه، التأكيد على العصاء دون الجزرة، منع كبار المسئولين من السفر وحظر حسابات مصرفية، وأضاف»بالتالي فان العلاقات لا تنصلح الا باستعداد أمريكا على التخلي عن ازدواجية المعايير التي تعمل بها والاعتراف بان السودان بلد كامل السيادة».

ذات نفس ربيع ولكن بصورة اقل حدة جاءت كلمة السفير محمد عبدالله مدير الادارة الأمريكية بوزارة الخارجية والتي أشار فيها الى ان العلاقة مع أمريكا تشكل حالة مختلفة واستثنائية حتى داخل المجتمع الأمريكي حتى أصبح السودان لديه قاعدة داخلية كبيرة بدأ تأسيسها منذ التسعينات من خلال منظمات دينية مسيحية والتي شكلت حملة ضخمة نتيجة لعدة عوامل مختلفة، ونوه عبدالله الى ان هذه المنظمات لديها قدرة على التعبئة والحشد بفضل الصراع داخل أمريكا والذي جعلها تطور آليات التعبئة السياسية لتحقيق أهدافها، مما نجح في تشكيل وبناء صورة ذهنية لدي المواطن الأمريكي تجاه السودان، وأشار السفير عبدالله الى ان الكونغرس الأمريكي يعمل بحساسية تجاه هذه المنظمات، ويعمل لها ألف حساب، بحيث أصبح منخرطا جدا في قضية السودان بشكل ملفت، وسعي خلف اطار قانون سياسي وحاول حصر الادارة الأمريكية داخله تجاه السودان مما جعلها أسيرة لهذا الاطار ولم تعمل أي جهد للخروج منه، وقطع عبدالله بان الادارة الأمريكية دائما تربط تطبيع علاقاتها بالسودان بقضايا داخلية في السودان بدءا بالجنوب قبل وبعد الانفصال ودارفور، وقضية المنطقتين، رغم ان هذه القضايا حدثت فيها تطورات ملحوظة، وأضاف»اعتقد ان أمام أوباما فرصة في ولايته الثانية للسعي لفك الاطار الذي وضعت فيه الادارة الأمريكية من قبل المنظمات لأنه سيكون متحللا أكثر مما سبق» .

وبعكس المتحدثين السابقين تحدث رئيس مجلس الصداقة الشعبية د.أحمد عبدالرحمن، بتفاؤل مبني على وقائع، حيث قال «انا متفائل رغم ما قاله ربيع بان هناك فرصة كبيرة للتطبيع انطلاقا من دور السودان لان أمريكا تعلم بأنها لا يمكن ان تعمل أي عمل تجاه افريقيا الا عبر السودان وسعدت عندما فاز أوباما، وأشار عبدالرحمن الى ان اهتمام السودان بالعلاقة مع أمريكا من منطلق قناعة بان أمريكا بلد كبير ومؤثر ، وان مصالح الشعب السوداني مرتبطة بتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، ونوه عبدالرحمن الى ان الولايات المتحدة الأمريكية تهتم بالحكم الراشد أكثر من اهتمامها بالديمقراطية وحقوق الانسان وغيرها من العبارات، ونوه الى ان أمريكا لديها المقدرة ان تجلس للعمل مع أية جهة في اطار البزنس، معتبرا ان هذه مرحلة مهمة جدا بالاضافة الى ان المجتمع الأمريكي مفتوح، وأضاف»الآن أمام أمريكا فرصة لتبحث عن التطبيع لان الناس الذين يحكمون الآن ليس لهم «قبة وضريح» وهم ناس خريجين» قاطعا بان المخرج الوحيد أمام السودانيين هو اصلاح الأوضاع الداخلية لان الفشل يعني عجز القادرين على التمام.
وبدبلوماسية تحمل قدرا من السمات الأمريكية في التعامل مع السياسة علق القائم بالاعمال الأمريكي في السودان السفير جوزيف استافورد على موضوع الندوة، وبعكس ربيع، قال جوزيف «لا أريد ان استعرض خلفية العلاقات الثنائية في العقدين الماضيين اللذين مهدا لظهور هذه التحديات، بل يمكن ان نركز على الماضي لكي نستفيد من الدروس لنتطلع الى المستقبل، وأضاف»الان الواقع هو كيفية التعامل مع بعض لتحسين العلاقة؟، وكيفية التشاور لاجراء عملية التطبيع والتي قد تأخذ وقتا لكن المهم ان نعمل بحسن نية والادارة الأمريكية لديها حسن نية للعمل مع السودان» ، وقال جوزيف ان بلاده ملتزمة بمحاولة تحسين العلاقات، وأضاف»نقر بوجود تحديات لكن نعمل في طريق حوار شامل على أساس ان نجد أرضية مشتركة»، وقطع السفير بان العهد الثاني للرئيس أوباما سيتميز باستمرارية سياسته تجاه السودان والتي تؤكد على ضرورة السلام داخليا وخارجيا وتحسين العلاقات مع البلدان المجاورة منها دولة جنوب السودان» وأضاف»رحبنا باتفاقية التعاون التي وقعت بين البلدين، ونتمنى ان يقوم البلدان بتطبيق بنود هذا الاتفاق، وندعم جهود الاتحاد الافريقي في هذا الصدد». وزاد»انا شخصيا متفائل بان العهد الثاني لأوباما نحن والحكومة السودانية سنجد فرصة لاجراء حوار يؤدي الى إمكانية تحسين العلاقات بين البلدين» . ونفي استافورد أي نية أمريكية لاسقاط النظام في السودان او العمل على تقسيمه. وأضاف»ليس لدينا أي نية لتقسيم السودان ونحترم سلامة الأراضي السودانية» .وقال ان الهدف من الحوار مع الحركات المتمردة الدارفورية ليس تشجيعها على الحل العسكري لانه لا يحل المشكلة وانما بغية اقناعهم على تطوير أجندتهم السياسية بحيث تؤدي لحل سياسي بناء على وثيقة الدوحة للسلام» . ودلف السفير الى العلاقة مع اسرائيل واشار الى ان بلاده لديها علاقة متطورة مع اسرائيل ولكن لا يتناقض ذلك مع أي علاقة اخري مع دول العالم، ولتأكيد رغبة بلاده في اثبات حسن النية عاد جوزيف الى التذكير بمبادرتين قال ان امريكا دفعت بهما مؤخرا في هذا الصدد، وأضاف» الأولي قررنا تحسين العلاقات المباشرة عبر مؤسسات مهنية في البلدين في اطار تخفيف العقوبات وتحسين الاتصالات، والثانية اتفقنا على منح رخصة أمريكية للعمل مع شركة النيل الأبيض للسكر».

الصحافة [/JUSTIFY]