منى سلمان

الجداد بلقّط السُكسُك ..!!


[ALIGN=CENTER]الجداد بلقّط السُكسُك ..!![/ALIGN] [ALIGN=JUSTIFY]كثيرا ما كنا نلعب في صغرنا على الارض بالقرب من (أمي) اثناء اندماجها في ونسات الضحوية مع جاراتها، وعندما يتخذ الحديث منحى (كلام الناس الكبار) أو شمار حار أو خبر لا تحبنا أن نستمع إليه، كانت تشير لصويحباتها برأسها إلينا اشارة خفية أن (خلوا بالكم)، وترفق اشارتها تلك بجملة رمزية كانت تقولها بصوت محذّر:
الجداد بلقّط السُكسُك !!
ثم تقوم بتغير الموضوع أو تطلب منا أن (نجري نلعب بعيد)، فننطلق مبتعدين من جوارهن وفي قلوبنا شيء من تساؤل برئ:
هو ذاتو الجداد ده وينو؟؟
وقبل ان نتلفّت بحثا عن ذلك الجداد الوهمي، كانت تدهمنا الانتباهة بالسؤال التالي:
من متين كمان الجداد قاعد يأكل السُكسُك؟ .. يطرشنا ويعمي جيرانا !!
وعندما كبرنا عرفنا معنى المصطلح الحكمة والتي حفظتها أمي عن أمهاتها، وهي حكمة بليغة تنبه الكبار لأن ينتبهوا لما يقولونه من كلام في حضرة الأطفال الصغار بزعم انهم لا يفهموه، وينسوا أن للاطفال ذاكرة فولاذية يحفظوا بداخلها كل ما مرّ بهم من غريب وغامض الكلام ليستوعبوه لاحقا في الكبر.
وللحكمة وجهين أو فهمين يخدمان نفس الغرض، فالأول ينبه الكبار للحذرمن مقدرة الصغار على التقاط الاشياء الدقيقة من وسط مفهوم الكلام، ببراعة تشابه براعة الدجاج في التقاط حبات السكسك اللمّاعة الصغيرة من وسط التراب، وبالتالي تحذر من الانبهال بمناقشة الامور الحساسة من مشاكل أو قطيعة أو نقل خبارات في حضرتهم، لسرعة التقاطهم لتلك الامور ومن ثم عكسها أو حكيها للكبار بصورة قد تدخل والديهم في الحرج، كذلك تنبه الوالدين لخطورة مناقشة خلافاتهم الزوجية في وجود الاطفال فيشتم كل واحد منهما الآخر ويذكره بما يكره من عيوب ونواقص، ثم تعود المياه لمجاريها بينهم وينسوا أو يتناسوا (كلام الزعل) القالوهو، بينما يظل راسخا باقيا في عقول الصغار لا ينسى.
شاهدت ضمن لقطات برنامج (اجمل مشاهد الفيديو المنزلية) الذي يقدم على قناة الـ (ام بي سي)، مشهد طفل صغير تطلب منه أمه الواقفة خلف الكاميرا، أن يقلد اباه في لعب الكرة، فيقوم الصغير بضرب الكرة بصورة خاطئة ثم يقذف بالمضرب بـ (طول يده) وهو يطلق اللعنات، لتنتهي اللقطة على ضحكات اهله المستحسنة لقدرته في تقليد سوء اخلاق والده .. فبالاضافة لسرعة التقاط الصغار لكلام الكبار وتقليده، فقد يعمد الكبار إلى تلقين الاطفال عمدا الفاظ الشتم والسب .. كما تابعت بدهشة محاولة سيدة مصرية كنّا ذات مرة في ضيافتها في اسوان .. كانت تحاول تعليم ابنتها الصغيرة نطق شتيمة بذيئة .. وكانت تطلب منها بالحاح أن تسب بها شقيقها الاكبر أمامنا لتؤكد لنا على شطارتها وهي تقول:
قوليلو يا (….) !!
كذلك لاحظت تمتع الكبار بتلقين الاطفال لمصطلحات الراندوك كما فعلت جارة لنا عندما سألت صغيرها امامنا لترينا ما علّمه له أخواله الكبار:
الجكس عايز شنو يا هيثم؟
فاجابها بلثغة محببة:
الجكس عاوز بيبسي !!
يقودنا ذلك للوجه الآخر لـ حكمة (الجداد بلقّط السُكسُك)، فهو يحكي عن أن الصغار قد يرثوا طريقة واسلوب الكلام عن الكبار بالتعود، بأن يلتقطوه من افواههم وبالاخص من الوالدين بسبب طول المعايشة معهم، وهذا ما لاحظته علي نفسي ومن ثم عيالي، فكثيرا ما انتبه لاستخدامي نفس طريقة أمي في الكلام، فقد كانت مثلا تكثر من استخدام مصطلح (ضيّق) في كلامها، كأن تقول (فلان بقى في أمرا ضيّق) أو عندما نحاصرها بطلباتنا اللحوحة التي لا تحتمل التأجيل – حسب اعتقادنا – اثناء انشغالها باعباء خدمة البيت، كأن نطلب منها:
(يمة تعالي سرّحيني) .. (سمّعي لي السورة دي) .. (خيّطي لي فستاني) …
كانت تطلب منا التريث لحين الانتهاء من شغلتها فتقول:
(خلّيها بعدين .. بعد افضى من شغلتي)
ولكن بلياقة الصغار كنا نلح عليها أن: (لا .. بس إلا هسي دي)
فتصيح علينا: في الساعة الضيقة دي دايراني اسوي ليك؟!!
لم انتبه لانني استخدم نفس المصطلحات مع عيالي بكثرة عندما يحاصروني بطلباتهم اثناء انشغالي، إلا بعد أن سمعت (الريان) تصيح على اخيها الصغير الذي (انعبط ) فيها كي تشاركه اللعب:
هسي في (الساعة الضيقة) دي عايزني اللعب معاك؟ .. ما شايفني قاعدة أقرأ !![/ALIGN]

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com


تعليق واحد

  1. والله يااستاذه مني دايما متحفانا ب مقالاتك التي تجد طريقها ل قلوبنا
    ربنا يديك الصحة والعافية …………………………………..
    من المعجبييييين جدا ب كتاباتك

  2. كل عام وأنتم بخير ؛ موضوع شيق ومعبر وفيه دلالات تريس من الآباء والأمهات أثناء الزعل ووقت الصفاء كمان لك التحية أستاذة خالتو منى .