الطاهر ساتي

رفع العلم مقدور عليه.. فالمهم رفع البلاء ..!!


رفع العلم مقدور عليه.. فالمهم رفع البلاء ..!!
** السبت الفائت..عندما استأذنني الشاب العشريني ليلصق علم السودان على زجاج سيارتي، أذنت له رغم أن المزاج الوطني يومئذ كان في أسوأ حالاته، ولكن بما أن لصقه سوف يسعدك فـ(لصق يا حبيب)، أوهكذا كظمت أحزاني ليسعد الشاب الذي لا يتحمل مسؤولية ما حدث يوم السبت الفائت، فهو من جيل الضحايا.. وعندما هم بلصق العلم بسعادة، نبهته بلطف بأن يفعله ليس بالوضع الصحيح للعلم، ومنعاً للحرج داعبته : (من عربيتي دي و إنت ماشي، لصق صاح، اللون الأسود بي تحت والأحمر بي فوق)، ولكن يبدو أن جيل الضحايا لايحس بالحرج في موقف كهذا، وكذلك لا يبالي بالخطأ، إذ رد الشاب على تنبيهي ذاك بمنتهى اللامبالاة قائلاً : (يا عمك فوق ولا تحت كلو واحد).. بصراحة، استحسن مزاجي رده، وأعدته لنفسي هامساً : (ليك حق، فعلاً الليلة كلو زي بعضو).. وغادرته متسائلاً : كم مثله يجهل بالوضع الصحيح للعلم، وكم مثله لايبالي بأي جنب كان في السارية وضع ألوانه ؟
** المهم..سيل الأسئلة لم يتوقف، وجرفني عن مكان حفل توزيع العلم بعيداً..ماهي قيمة ما يفعلون؟، وما مغزاه؟، وماجدواه؟، وما تأثيره على المشاعر التي تحدق بعيون دامعة في ذات العلم وهو ينزل من سارية جوبا بشرف، أو كما قال باقان ؟..وهكذا، هي أسئلة قد تكون صادمة لمشاعر المجموعة التي بادرت بتوزيع ولصق علم السودان في جدران الخرطوم وسياراتها في ذات يوم تنزيله وإزالته من جدران جوبا وسياراتها..فلتكن صادمة لمشاعرهم، لتستوعب عقولهم، ثم عقول الذين من خلفهم إجابات تلك الأسئلة ..نحن أمة تقودها المشاعر و الأشعار والشعارات والعواطف – منذ نصف قرن – حين غابت أو غيبنا العقول – الوعي والاستدراك – في حياتنا العامة، وكان طبيعياً أن نحصد ما نحصده اليوم .. راجعوا إذاعاتنا وفضائياتنا وما بها من النصوص التي تمجد الوحدة، وكذلك راجعوا أرشيف خطب ساستنا وما بها الخطب التي تتغزل في الوحدة، وراجعوا مهرجانات الساسة واحتفالاتها ومحافلها التي أنشدت للوحدة، ثم – أخيراً – انظروا إلى حصاد تلكم النصوص والخطب والمهرجات، إذ لم يثمر الحصاد غير (جمهورية جنوب السودان).. وهكذا دائما حصاد النخب التي تخدع نفسها بغرس الشعارات الكذوبة في مشاعر شعوبها،إذ يكون حصادها – وحصاد شعوبها – الفشل والمزيد من الفشل .. ومع ذلك، يتواصل غرس الزيف في قلوب وعقول الناس، وكأن ما حدث لايكفي ..!!
** نعم ليس بوسع المرء أن يستدرك من أمره ما استدبر، ولكن بوسع العقل الراشد أن يتعلم، بحيث يكون ذاك الأمر درساً..لقد مضى الجنوب، وليس بوسع أحدكم إعادته، وكذلك توزيعكم للأعلام في شوارع الخرطوم لايعيد ذاك العلم الذي تم تنزيله – بجوبا – إلى حيث كان.. وعليه، فالأفضل – لما تبقى من السودان – تشخيص (داء ذهاب الجنوب)،و معرفة أسبابه، وكيفية وقاية ما تبقى من السودان من داء كذاك..أي، كفى بكاء على لبن سكبته سوءات نهجكم يا ساسة قوى السودان، الحاكمة والمعارضة..وكفى خداعكم لأنفسكم و الناس بشعارات وأشعار وأعلام في محاولة يائسة لتجميل هذا الخطأ التاريخي أو في محاولة لإظهاره بمظهر (شيء طبيعي وبيحصل في أرقى الدول)..وليست من المسؤولية أن يطوي المسؤول صدمة حدث كهذا باللامبالاة، إذ يصبح حاله كحال تلك المرأة التي سمعت نبأ طلاقها فقالت : (نحححححمد الله، ما محتاجة ليهو، أولادي في الزريبة وغنمي في المدارس)، أو هكذا حالكم وأنتم توزعون الأعلام في شوارع الخرطوم ويتقدم ركبكم (جمال فرفور ومحمود عبد العزيز)..ما هكذا تعالج العقول الراشدة الأخطاء و ما هكذا تستقبل مثل هذه الأحداث..ارفعوا سرادق العزاء، وكذلك ازيحوا أقنعة الزيف، ثم قدموا للناس والبلد إجابات صريحة – بياناً بالعمل – على أسئلة (ما هي أسباب الانفصال ؟.. ومن المسؤول ؟..وما مصير ما تبقى من الوطن ؟..وهل الجمهورية الثانية ستدار بذات النهج الذي أدار الجمهورية الأولى ؟)..هكذا الأسئلة التي يجب أن يطرحها كل مسؤول – حاكماً كان أو معارضاً – على نفسه، بدلاً من توزيع الأعلام والتبريرات التي من شاكلة (هم اللى اختاروا الانفصال).. الاتكاءة على هذا التبرير لن ترفع البلاء عن ما تبقى من الوطن ..!!.

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]