رأي ومقالات

بين قانون الصحافة والحريات!!


[JUSTIFY]عجيب أمر هذه البلاد ففي حين تشتعل ثورات الربيع العربي منادية بالحرية نسير نحن هنا في السودان عكس تيار التاريخ وينسرب إلى البرلمان مشروع قانون للصحافة يُطبق على أنفاس الصحافة ويكسر أقلام الصحافيين ويكتم أنفاسهم والأعجب والأغرب أن مشروع القانون الذي نحن بصدده الآن لا أحد يعلم من أين جاء ومن الذي دفع به إلى البرلمان!!
ربما لأول مرة في التاريخ ليس في سودان العجائب إنما في العالم أجمع يُمرَّر مشروع قانون إلى السلطة التشريعية قبل أن تتم مناقشته في مجلس الوزراء (السلطة التنفيذية)!! في حالة كهذه كان ينبغي أن يرجع المشروع إلى مجلس الوزراء ولا ينبغي بأي حال أن يُناقَش قبل أن يُجاز من قِبَل السلطة التنفيذية بل إن الطبيعي أن يُعرض على البرلمان من قِبل الوزير المختص بطرح مشروعات القوانين على البرلمان لكن كل ذلك لم يحدث!!
لماذا يا ترى حدث هذا التخبُّط وهذه البلبلة؟! السبب لأنَّ الجميع يشعرون بالحرج من قانون يمثل ردة وتراجعًا في زمان أصبحت فيه الحريات الصحفية كالماء والهواء.

إنَّه الحرج المُعبَّر عنه بالعبارة الشعبيَّة الرشيقة والحكيمة (الشينة منكورة).. إنهم يتحرَّجون من قانون يكبت الحرِّيَّات في عصر الحرِّيَّات.. إنهم يتحرَّجون من التناقض بين من يقول كذباً إنَّ ثورة الربيع العربي حدثت في السودان مع مجيء الإنقاذ بالرغم من أنَّها جاءت بانقلاب عسكري كتم الأنفاس وصادر الحرِّيَّات وبين قانون شائه يرجع بالناس القهقرى إلى أيام الإنقاذ الأولى.
لست أدري والله من يخطِّط لهذه البلاد ومن يرسم لها سياساتها وإستراتيجياتها؟!
نُعيَّن نحن في لجنة سياسيَّة للدستور تضم عدداً من الأحزاب السياسيَّة ويُطلب إلى هذه اللجنة أن تسعى لاستقطاب الأحزاب التي لم تحضر الاجتماع الأول الذي انعقد في بيت الضيافة بدعوة من رئيس الجمهوريَّة حتى يشارك الجميع في صناعة الدستور… اللجنة السياسيَّة تشكِّل لجنة فرعيَّة للاتصال بالقوى السياسيَّة المقاطعة يرأسها المشير سوار الدهب.. قبل أن تُشكَّل لجنة الاتصال اتفق الجميع على أنه لا يمكن استقطاب المقاطعين بدون أن يهيّأ المناخ لصناعة الدستور ويُستجاب لبعض مطلوبات المقاطعين واتفق الجميع كذلك أن أهم تلك المطلوبات يتمثل في إطلاق الحرِّيَّات..
عندما قابلت لجنة الاتصال التي كنتُ ولا أزال جزءاً منها.. عندما قابلت بعض زعماء الأحزاب المقاطعة أكدوا على إطلاق الحرِّيَّات التي بدونها لا يمكن بأي حال أن يستجيبوا والغريب أن أعضاء اللجنة أنفسهم اتفقوا على موضوعيَّة ومعقوليَّة طلبات المقاطعين خاصة فيما يتعلق بالحرِّيَّات.
في هذا الوقت الذي تسعى فيه اللجنة السياسيَّة ولجنة الاتصال بالقوى السياسيَّة للاستجابة لمطلوباتهم يأتي هذا القانون اللقيط لكي يمارس المزيد من الكبت على الحرِّيَّات الصحفيَّة!!

كتبتُ قبل أيام عن كيف نُحرم من مخاطبة الجماهير في وقت يطلب فيه المؤتمر الوطني من الأحزاب السياسيَّة الاستعداد للانتخابات بأسلوب «ألقاه في اليمّ مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء»؟!
فنحن مطلوب منا أن نشارك في الانتخابات بينما نحن محرومون من مطلوبات المشاركة المتاحة للحزب الحاكم وحده فهو المستمتع بالحرِّيَّات بل هو من يمنح الإذن بممارستها وهو المستمتع بالسلطة والثروة والإعلام فهل ذلك من العدل وهل هناك شريعة يُنزع أهم مطلوباتها من القِيم وأعني قيمة العدل؟!

قلت، وأنا عند كلمتي، للأحزاب المقاطعة إنه إذا لم يُستجَب لطلب منح الحرِّيَّات فإننا سننسحب من لجنة صناعة الدستور فبدلاً من أن نُقنع الأحزاب المقاطعة سنضطر إلى مقاطعة لجنة الدستور فقد أكدنا لهم أننا محايدون بينهم وبين السلطة الحاكمة وسنسعى للتقريب بين الطرفين لكننا لن نجامل في مسألة الحرِّيَّات باعتبارها من المطلوبات غير المختلف حولها.
أخي أحمد إبراهيم الطاهر أرجو أن تقف هذه المرة موقفاً يشرفك فالتاريخ لا يرحم ووالله العظيم إذا سُئلت لأقيم الشهادة لله فسأقول إنك أخضعت البرلمان للسلطة التنفيذية وهو أمرٌ مشين لن يُرضي الله تعالى ولن يُرضي الشعب ولن يُرضي هذا الوطن الجريح ولن ينهض به أو يُكسبه الاحترام بين الأمم.

الطيب مصطفى
صحيفة الانتباهة [/JUSTIFY]