منى سلمان

التسوي كريت في القرض تلقى في جلدا (٢ـ٢)


[ALIGN=CENTER]التسوي كريت في القرض تلقى في جلدا (٢ـ٢)[/ALIGN] [ALIGN=JUSTIFY]حملت (نفيسة) وسط وجوم بناتها وخلعتهن الـ (بقج) والـ(صُرّر) التي كومت فيها ملابسها، وحملت معها حقيبتها (السامسونايت) القديمة التي تحتفظ فيها بشتى المستندات والاوراق القديمة كـ قسيمة زواجها .. شهادات ميلاد بناتها .. عوايد .. عتب .. فواتير شركة الموية والنور المخزنة في اضابير غرفتها من سنة (حفروا البحر)، جمعتها كلها وغادرت البيت غير آبهة بالذهول والصدمة التي كست وجوه البنات ولا الدموع التي بدأت في التساقط من أعين بعضهن بعد تيقنّهن بأن الحكاية بي جدّها وليس مجرد حركة من حركات الخرف، والذي بدأت بوادره تظهر على تصرفات امهن في الفترة السابقة .. وقفن واجمات أمام الباب يراقبن رحيل أمهن بعد أن ركبت مع صاحب عربة (الأمجاد) الذي كانت قد اتفقت معه على الحضور ومساعدتها في الانتقال لبيت أسرتها الكبير (الحوش)، لتعيش مع من تبقى فيه من اخوانها واخواتها وأسرهم.
لم تهتم (نفيسة) بقيام قيامة الدنيا على رأسها بعد أن عرف الجميع (القريب والغريب) بخبر بيعها للبيت فوق رؤوس بناتها، وتركها لهن ليواجهن الواقع المرير، بعد أن امهلهم المشتري الجديد فرصة شهر من ذوقو حتى يخلوا له المنزل ويسلموه المفاتيح.
استقر المقام بـ (نفيسة) في غرفة أمها القديمة المتهالكة بعد أن قامت بنظافتها وتنظيمتها، فالغرفة كانت مهجورة ولم تمتد لها يد اخوتها بالاصلاح منذ وفاة والدتهم واتخاذهم لها مخزنا للكراكيب ..
استقرت في الغرفة بعد أن خبأت المبلغ المالي الكبير الذي باعت به البيت في احد جحورها وصارت تسحب منه قليلا قليلا، بقدر حوجتها اليومية البسيطة للطعام والشراب، والذي كانت تعده لنفسها بنفسها بعد أن سادت قطيعة باردة بينها وبين اخوتها الغضبين من اتخاذها لقرار بهذه الخطورة دون الرجوع لمشورتهم، أما بناتها فلم يستطيعوا أن يغفروا لها تصرفها القاسي معهم وحرمانها لهم من حقهم في العيش في بيت ابيهم أو حتى تقسيم جزء من المبلغ عليهن للاستعانة به في دفع الايجارات التي اجبروا على اللجوء إليها.
مرت الشهور بطيئة كئيبة على قلب (نفيسة) المثقل بهموم الوحدة والوحشة التي لم تعتاد على العيش فيها .. كما تآمرت عليها صحتها الواهنة وتدهورت أكثر بعد مرور عام على قرارها المتهور .. مرّ العام دون ان تفكر واحدة من بناتها في زيارتها في منفاها الاختياري، وتعودت عينيها كثرة البكاء حتى استيقظت ذات صباح في حيرة من عدم تبدد ظلام الليل بعد انقضاء ساعاته الطويلة، لتكتشف ان مصدر الظلمة كانت عينيها التي خاصمت (الشوف).
لم تكتفي المصائب من القرع على رأس (نفيسة) .. وزادت عليها الهموم بمصيبة جديدة لا قبل لها بها .. فقد تسلل أحد (أولاد الحرام) لغرفتها مستقلا فرصة الظلمة التي صارت تعيش فيها، وسرق منها نقود بيع البيت التي كانت تعتاش منها، وتستعين بها في استخدام من تقوم على خدمتها بعد ان تقاصرت عنها العافية ولم تعد تستطيع أن تقوم على خدمة نفسها بنفسها .. بكت كما لم تبكي من قبل وجمعت اخوتها وجميع اهل (الحوش) وقذفت في وجوههم اتهامها، بأن واحدا فيهم قد استغل ضعفها وقلة حيلتها للتسلل وسرقة نقودها، ولكن تبرأ الجميع من تلك التهمة، بحجة أن الحركة داخل الحوش الكبير تظل ما بين داخل وخارج طوال اليوم عبر باب البيت الذي لا يغلق إلا في الليل، مما يجعل من المستحيل التعرّف على السارق، وهل هو أحد افراد البيت أم غريب جاء من خارجه.
لم تخرج (نفيسة) من ذلك الاجتماع إلا بالمزيد من الجفوة والشقاق مع اخوتها، ولم تلبث زوجات اخوانها ونساء البيت حينا من الدهر، إلا واعلنوا التمرد على القيام بخدمتها بعد أن صارت اسيرة المحبسين (العمى) و(الفلس) فزادت وهنا على وهن وغبنا على غبن.
اجتمعت نسوة البيت واصدرن قرارا بأن:
(نفيسة) دي بعد ده أولى بيها بناتها .. يجن يسوقن امهن وبراهن يتبالن بي خدمتا.
نشطت الاتصالات بعد ذلك الاجتماع مع بنات (نفيسة) لكي تتبرع واحدة فيهن بالحضور وأخذ امها لتعيش معها، فمهما كان ما صدر منها في حقهن، فهي في النهاية أمهن والرسول (ص) أوصى بالام مرار وتكرار عندما قال (أمك) ثلاث مرات قبل أن يقول (أبوك) ..
تشابهت ردود البنات جميعا وان اختلفت تبريراتهن في رفض استقبال امهن، فواحدة تعللت بكثرة العيال وضيق بيت الايجار، والاخرى تعللت بطول الساعات التي تقضيها في العمل والتي تحول دون امكانية رعايتها لأمها الضريرة .. وهكذا لم تبقى سوى صغراهن والتي رغم انها تعيش وزوجها في غرفة وحيدة مستأجرة، إلا انها الوحيدة بين أخواتها، التي لا تعاني من ضيق الوقت ولا كثرة المشغوليات، فهي لم ترزق بالاطفال بعد، ولكنها ماطلت وتهربت من الحضور لاستلام امها، ونقل عنها ناقلي الخبارات قولها:
(والله ما امشي اجيبا .. خليهم يجدعوها زي ما جدعتنا قبيل).
عندما طال الانتظار لحضور البت الصغرى لاصطحاب أمها، حملتها اثنتين من نسوة الدار بعد خروج الرجال للعمل على (رقشة)، وتوجهن بها صوب بيت ابنتها بعد أن اتصلوا بها تلفونيا ليخبروها بأنهن (جاين مع أمها في الطريق)، ولكن عند وصولهم وجدوها قد غادرت غرفتها على عجل بعد أن احكمت قفل بابها بالطبلة .. انزلوا (نفيسة) و(بقجة) ما تبقى من ثيابها أمام باب الغرفة وغادروها بعد أن قالوا لها:
أقعدي هنا في الواطة قدام الباب ده .. بتك هسي بتجيك !!
جلست مستندة بظهرها إلى حائط الغرفة طوال النهار حتى اقبل الليل، وهي صامتة صابرة وقد نحت القدر على جبينها حكمة اهلنا الكبار
(التسوي كريت في القرض .. بتلقى في جلدا) !!!

القصة أكثر من ٩٠ ٪ منها حقيقية .. ولا عزاء للامهات في آخر زماننا الاغبر [/ALIGN]

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com


تعليق واحد

  1. لا حول ولا قوة الا بالله يا استاذه منى .

    معقول ده يكون بحصل فى مجتمعنا السودانى .
    رغم انو السودانيين معروفين بالمحنة من دون الاجناس التانية حتى العرب ومعروفين بانهم بتعصرو على بعض وبتقاسمو الحلوة والمرة .

    والله اوجعتينى بهذه القصة والام مهما كانت ام وحدة طبعها او حروريته ليس بمبرر لرميها مثل الكلب . والله الخواجات مابعملو كده ؟ على الاقل الواحد لو زهج من ابوهو او امو بوديهو دار العجزة وبعتنو بيهو احسن عناية .

    اي نوع من البشر هؤولاء ؟؟

    ارجوووووووك قولى لى ان 90 % من القصة خيالية .:o

  2. القصة خيالية جدا ما افتكر كان في داعي تاكدي انو 90% منها حقيقي
    عموما ده راي متواضع ارجو ان يتسع صدرك لقبوله

  3. لا ياشيخة الله يستر علينا من الجفا والعقوق وبعدين الرجال عايزين يعيشو علي قفا الحريم والبيت المجان غايتو الله يكون في العون:mad:

  4. سلامي للجميع بدءا من الاخت الفاضلة مني ، وحجة نفيسة نفسها مريضة ( تكون ماحجت ذاتو بعمليتها الخسيسة مع بناتها ) وكما تدين تدان ، ومن زرع الشوك لا يجنى الا الشوك والكره والمعاملة الشينة تنشأ في الابناء اذا ما كان عندهم وزاع ديني قوي من معاملة الوالدين السيئة لهم ، والحمد الله ماعرست واحدة من بناتها ، كان ورثت الهم والغم .

  5. برضو لا يا شيخة، خافي الله فينا،،،
    معقولة تربطي معنى المثل بقصة زي ذي فيها عقوق الوالدين،،،
    كان ممكن تذكري اي قصة تانية إلا دي،،،
    حرام عليك،،
    انتي واحدة كتابة شديد بس في دي خذلتينا يا إنتي،،،

    وبرضو منتظرين ابداعاتك،،،

  6. الاستاذة الجليلة مني سلمان دائما تتحفينا بروائعك والقصة بالرغم من بعدها عن حياتنا اليومية ولكنها تحدث كثيرا داخل مجتمعنا وان لم تكن بتلك التفاصيل ولكم سمعنا بابناء يقسون اشد القسوة بلا ذنب علي ابويهم وتعليقي علي القصة ان الام خاطئة ولكن مهما حدث منها فكان الاحري ببناتها ان يعاملنها اكرم معاملة ووالله والله ان امهاتنا لهم الحق في ان يطأن رؤوسنا ولا نرد عليهم سوي بابتسامة. ان ما تتحمله الام وما تفعله من اجل ابنائها وهم صغار لا تكفيه مشقة الدنيا وان اجتهدنا اشد الجهد في ان نرد لها بعض الجميل وافنينا عمرنا في تذليل سبل الراحة لها فلن يعادل ذلك كما قال الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم آهة من آهات الولادة ولا يمكن ان اتخيل نفسي يوما اغضب من امي حتي ولو احرقت جسدي بالنار. حفظك الله استاذة مني وانت ترممين تشققات وانهيارات الصحافة السودانية وتصنعين لنفسك وقلمك مكانا لم يصله احد قبلك في قلوب السودانيين البسطاء المحبين للروعة وانت الروعة تمشي علي قدمين.