الطاهر ساتي

الطريق ..ليس إيصالاً مالياً فقط ..«1»


[ALIGN=JUSTIFY][ALIGN=CENTER]الطريق ..ليس إيصالاً مالياً فقط ..«1» [/ALIGN]** شرطي المرور دائما على خطأ ..أو هكذا يختزل البعض مشاكل المرور وغرامة المخالفة ، وهو بالتأكيد اختزال يخل بالموضوعية التي يجب أن تناقش بها القضية .. فالقضية أكبر من إيصال الشرطة وغضبة السائق .. وحركة المارة والسيارة في الطرقات لم تعد مجرد حركة يخالفها المواطن ويضبطها الشرطي ، ثم يغضب المواطن والصحف ليتجاهل الشرطي تنفيذ الضبط خوفا من غضب المواطن والصحف .. لا ما هكذا تسير حركة المارة والسيارة في طرقات المدائن الواعية ، بيد أن حركة المرور أصبحت جزءا من ثقافة تلك المدائن وأهلها .. وإذا أردت أن تعلم رقي قوم فأبحث عن شوارعهم ، ثم تأمل خط سير مرور المارة والسيارة عليها ..!!
** في لندن ، على سبيل المثال لا الحصر ، شرطي المرور ليس بحاجة لكي يحذر السائق بعدم إطلاق الصافرة قرب المشافي والمدارس ، بل هذا أدب يكون السائق قد تعلمه في مراحله الدراسية ثم ورثه عمليا من والده أو والدته .. ولكن في الخرطوم ، على سبيل المثال لا الحصر أيضا ، السائق لايتحفظ عن دخول مستشفى أو مدرسة ثم إطلاق صافرته في بهوها ليخرج له المعافى أو المرافق أو الطالب .. ولك أن تتخيل ما سيحدث لو نفذ شرطي المرور نص المادة التي تمنع استخدام الصافرة في بعض الأمكنة والأزمنة ، ورغم أن المادة معترف بها دوليا فان الشرطى هنا لايستخدمها خوفا من ..« ثقاقتنا السودانية » ..!!
** في جنيف ، على سبيل المثال أيضا ، قد ينسى السائق أويتناسى ربط حزام بنطاله حين يخرج من منزله قاصدا مكان عمله ، ولكن قبل أن يدير مفتاح سيارته تكون يده قد امتدت تلقائيا الي حيث حزام الأمان ولفته حول جسمه ، ومعيب جدا أن ينبهه شرطى المرور بربط الحزام ، مجرد التنبيه يراه معيبا فدع عنك تسجيل مخالفة ضده .. ولكن في الخرطوم ، ربط حزام الأمان بدعة ومضيعة لوقت السائق ، وكل رابط لهذا الحزام إما مغترب جاء لقضاء إجازته أو أجنبي لم يوغل في مجتمعنا بعد ، أو جبان لايؤمن بالقضاء والقدر ولا يعرف معنى التوكل ..أو هكذا تصفه ثقافتنا السودانية .. ولو نفذ شرطي المرور نص مادة حزام الأمان تنفيذا حرفيا ، لخرجت المظاهرات والمسيرات ، وربما لشكل البعض لجان مناهضة مادة ربط حزام الأمان ، لتنتصر لل..« ثقاتنا السودانية » ..!!
** دع عنك لندن وجنيف وغيرها من المدائن البعيدة .. بل البعيدة جدا .. في الخليج الذي يبعد عنا بعرض بحر فقط ، تجاوز توجيه إشارة المرور قد يكلف المتجاوز راتب شهر لو كان عاملا أجنبيا ، وقد يتجاوز العقاب حرمان السائق من راتبه إلي حرمانه من حريته في بعض المناطق ، أو يحرم من الاثنين ،سجن وغرامة، وليس هناك زمن يسمح فيه التجاوز ، ولو كان الشارع كفؤاد أم موسى ، تقف حتى تمنحك الإشارة ضوءها الأخضر ..ولكن في الخرطوم قطع الإشارة أيسر عند السواد الأعظم من قطع الرهط عند عريس في ليلة عرسه ، أما إيقاف العربة على جانب الطريق لم يعد من الأخطاء الشائعة ، ولا غرابة أن ترى عربة نصفها على الأسفلت والنصف الآخر على الأرض ، تظل هكذا لحين شراء السائق « كيس تمباك » أو « كيس عيش » .. والمناظر مألوفة وطبيعية ولا غرابة فيها ، ونأمل أن يتباهى بها البعض تضامنا مع ..« ثقافتنا السودانية » ..!!
** ثم أطرح سؤالا لأقرب سائق ليحدد لك كيف يجب أن يكون وضع طفله في سيارته ..؟..أساله عن المقعد المخصص له ، وكيفية تأمينه ضد مخاطر الطريق .. قد يجيب على أسئلتك نظريا بامتياز ، ولكن راقبه في الطريق ، ثم حدق في الطفل ، إن لم يكن يتلاعب معه في محركات القيادة فانه حتما يكون واقفا بجوار مقعده .. مناظر تمر عليك يوميا وتمر على شرطي المرور ، ولكن الاخير لن يسجل على الأب مخالفة تحفظ حياة طفله ، خوفا من سماع عبارة تستمد روحها من روح الثقافة سودانية ، قد تكون من شاكلة : « انت مالك .. ده ولدي وانا حر فيهو ..» ..!!
** سادتى ..إحترام الطريق يبدأ من الأسرة والمدرسة ، وينتهى عند شرطى المرور.. والمعرفة بالبدايات تخفف للكل ، سائقا كان أو شرطيا ، وطأة النهايات ..وضجيج الصحف من الغرامات يجب أن يخرج مصحوبا بضجيج يساهم في إحترام الطريق وحفظ أرواح الناس .. وهذا مدخل للتشريح – المصحوب بالأرقام – لمثلث المسؤولية ..« مشيد الطريق ، مستخدم الطريق ، مراقب الطريق » .. غدا باذن الله ..!!
إليكم – الصحافة -الاثنين 13/10/ 2008م،العدد5499
tahersati@hotmail.com [/ALIGN]