تحقيقات وتقارير

المباني بولاية الخرطوم.. مخالفات بالجملة


[JUSTIFY]كشفت بعض التقارير أخيراً أن بولاية الخرطوم مخالفات في «5700» موقع من أصل «13» ألف موقع خلال العام الماضي فقط. وأقر المجلس الهندسي أن «25%» منها ناتج عن خلل هندسي، ولعل تزايد كليات الهندسة بالجامعات السودانية، وعدم ضبط المعايير التي تمنح بها الرقم الهندسي للخريجين، إضافة لضعف المراقبة، وتزايد شركات البناء والتشييد الأجنبية مع الجهل التام للمواطنين بقوانين البناء وجهلهم بالحقوق التي تنص عليها العقودات، من الأسباب الرئيسة للتدهور المريع بالمجال حسبما يري بعض المختصين. مصادر مطلعة أفادت أن معظم هذه المخالفات بالمرافق العامة ودور حكومية، في غياب الضمير واستشراء الفساد.

أشهر الانهيارات بتاريخ 22/2/2005 انهار مبنى من أربعة طوابق بمستشفى الشرطة «كلية المختبرات الجنائية التابعة لجامعة الرباط» انهياراً كاملاً قبل إنهاء تشطيباته، وقد صرح اللواء طبيب عبد اللطيف عشميق حينها أن المبنى كلف «6» مليارات جنيه، وحوى معدات طبية حديثة بمبلغ «3» ملايين دولار، وسمى وزير الداخلية وقتها اللواء عبد الرحيم محمد حسين شركة هندسية مشهورة بأنها الشركة المنفذة. وأفادنا مصدر هندسي رفيع ــ فضل حجب اسمه ــ أن التقرير الفني الذي أعده البروفيسور أبو بكر عبد الوهاب «جامعة الخرطوم» بمساعدة كل من د. أحمد موسى صيام «جامعة أمدرمان الإسلامية» و د. عبد الله خوجلي «جامعة الخرطوم» بينّ أن هنالك قصوراً في حسابات الأحمال قد وضح بعد مقارنة تصاميم الأعمدة وبعض الأساسيات للتصميم الذي نفذ مع التصميم الذي أعدته اللجنة بناء على حسابات الأحمال الصحيحة، كما أن هنالك حسابات غير صحيحة للبلاطات الخرسانية المسطحة، وكان التقرير قد نشر بمجلة الجمعية الهندسية ــ «مجلد 54 – عدد 44 – أغسطس 2005»، وأرجع المصدر الأمر لاثنين: إما عدم كفاءة المهندسين المنفذين، أو الفساد في تحرير مواد البناء.
برج المعاشيين برج المعاشيين بمدينة الصحافة والمكون من عدة طوابق حدث به انهيار جزئي بعد أقل من شهر من افتتاحه الذي قامت بتنفيذه شركة بناء وتشييد مشهورة أنشأت العديد من المؤسسات الحكومية، وقد رصدت خسائر مالية جراء هذا الانهيار.

شقة لاعب المريخ شقة لاعب المريخ مصعب عمر بالرياض الخرطوم تعرضت لانهيار عندما قامت سلطات المحلية بعمليات إزالة لسوبر ماركت يقع أسفل المبني وأرجع سبب الانهيار إلى اتباع أفراد الإزالة لطريقة عنيفة أثناء التنفيذ.

مبنى حلفاية الملوك أفادت إدارة المباني أن شكوى واحدة فقط وردت خلال العام الماضي لمبنى مكون من ثلاثة طوابق بحلفاية الملوك انهار تماما أثناء عملية التنفيذ، وقال إن التحريات الأولية أوضحت أن هنالك مخالفة للمنفذ الذي لم يلتزم بالخرط المصدقة من قبلنا، حيث قام بتعديل في التصميم الإنشائي، وأضعف «الفتائل» الخاصة بشدات العقودات فتمركزت الخرصانة أثناء الصب وأدى هذا إلى الانهيار الكامل، وبالرغم من أن الترخيص ساري المفعول ومستخرج من متابعة فرعية بحري، إلا أن المالك لم يلتزم بتوفير المهندس المشرف، حيث قام المقاول بتنفيذ البناء بصورة عشوائية حسبما يرى فقط، أما عن الإجراءات التي تم اتخاذها أخبرنا أنهم قاموا برفع الأمر للمجلس الهندسي الذي قام بتكليف معهد بناء الطرق للقيام بالمزيد من الدراسة والتحليل، وخلص التقرير لإزالة المبنى تماماً لضعف العناصر الإنشائية، وبعد استلامهم لصورة من تقرير المجلس بادروا بمخاطبة المالك لإزالة المبنى المتهالك، إزالة تامة تمهيداً لاستخراج ترخيص جديد وفق إجراءات صحيحة.

انهيار مسجد أبو سعد انهارت مئذنة مسجد بمنطقة أبو سعد أم درمان انهياراً كاملاً مما أدى إلى وفاة شخص وإصابة آخرين، منزلهم مجاور للبناية، ويرجع السبب للارتفاع الزائد للمئذنة غير المطابق للمواصفات الشيء الذي لم تتحمله قاعدة المسجد.ومن أشهر المباني التي يهددها شبح الانهيار هي:

مستشفى أمبدة مستشفى أمبدة بأم درمان غرب الحارات الذي يتكون من طابقين بهما «أكثر من أربعة أجنحة تحوي حوالي ثمانية عنابر للوحدات المختلفة جراحة.. باطنية و.. ألخ» ويخدم أكثر من نصف مليون مواطن، كاد يسقط على رؤوس مئات المرضى، فبعد أيام قليلة من افتتاحه بدأت التصدعات والمياه تحت التربة تظهر على البناية إلى أن وصل الأمر مرحلة الخطر وأصبح الماء يتصبب عبر الشقوق ومن ثم تم إخلاء الموقع بواسطة الصحة حفاظاً على الأرواح.

محلية الأمير مبنى محلية الأمير بأمبدة يعاني تشققاً مريعاً يلحظها عابر الطريق، ولا تحتاج لشهادة مهندس مختص لوضوح الخلل من على بعد عشرات الأمتار، ومازالت الحياة تدب تحت المبنى القابل للانهيار، والموظفون يمارسون عملهم بدوام يومي.
مخالفات
أفاد مصدر مطلع للصحيفة أن هنالك مخالفة واضحة بمبنى مستشفى مكة للعيون بأم درمان، حيث أن المبنى احتل جزءاً كبيراً من الشارع، وشيد عليه مبان ثابتة، والآن المخالفة أمام النيابة.
فشل مقاييس المجلس الهندسي يرى الباشمهندس محمود محمد: إقرار المجلس الهندسي أن نسبة «25%» من المخالفات المذكورة هندسية، اعترافاً ضمنياً عن فشل مقاييسه في منح الرقم الهندسي لمنتسبيه ووضع الشروط والضوابط التي يزاول بها خريجو الهندسة المهنة، فالمجلس هو الجهة التي تقرر منح هذا الرقم للخريج بعد إثبات كفاءته وهو قد أنشيء لتنظيم وتطوير مهنة الهندسة بموجب مراسيم دستورية يتم تعديلها حسب الحاجة، ومن مهامه أيضاً مراقبة مزاولة المهنة على الوجه الأمثل وإرشاد الجهات المخالفة ومقاضاتها أيضاً، إلا أن المجلس الهندسي أوضح لنا أنه لا يمنح الرقم الهندسي إلا لخريجي كليات الهندسة بالجامعات والمعاهد العليا الذي يعترف ببرامجها.

المجلس يقرُّ ويترافع الأمين العام للمجلس الهندسي مهندس/ مستشار نادية محمود أوضحت في حديثها لـ«الإنتباهة» أن هذه المخالفات جاءت وفق إفادة إدارة المباني للمجلس الهندسي مبينة أن هذا لا يعني وجود خلل في القدرات المهنية للمهندسين، فالغالبية العظمى منهم ذوو كفاءة عالية. وأكدت أن «75%» من المخالفات المذكورة هي مخالفات إجرائية لا علاقة للمهندس بها والـ «25%» فقط هي مخالفات مهنية، وعللت حدوثها بضعف إدراك المواطن وبعض الجهات الأخرى عن كيفية اختيار المهندس المناسب لأداء المهام المطلوبة، مشيرة إلى أن بعض المهندسين غير مسجلين بالمجلس الهندسي، وبعضهم مسجل ولكن درجته العلمية لا تؤهله لتنفيذ العمل، وأوضحت أن السلم الهندسي أربع فئات «المهندسين، التقنين، الفنيين، والعمال المهرة» وأن هنالك تدرج مهني لكل فئة، ومسؤولية معينة لكل تدرج حسب المؤهل العلمي والخبرة مؤكدة أن عدم دراية المواطنين بكيفية الاختيار هو السبب الرئيس لوجود مثل هذه المخالفات.

من يحمي المواطن؟ باشمهندس: حسن عيسى حسن مدير الإدارة العامة للمباني بالإنابة بوزارة التخطيط العمراني أوضح أن شكاوى المواطنين الأفراد ومعظم الشكاوى المختصة بالجوانب الفنية تذهب للمجلس الهندسي. وأكد أن المقاول مسئول من «90%» من الأعمال الفنية، والمهندس الاستشاري أو المشرف مهمته مراقبة وتأكيد ما يقوم به المقاول، وحمل المالك مسؤولية معظم المخالفات، وأكد مساهمته بصورة مباشرة في ضعف المبني، أما بتقليل التكلفة عن المقرر، أو بعدم لجوئه لمكتب استشاري ليعينه في التصميم وضبط وزن جداول الكميات، وفي اختيار المقاول المختص لشكل المبنى المعين بتكلفة مالية «معقولة» على حد قوله، وذكر أن مثلث«التكلفة، الزمن، الجودة» هو الأهم في عملية البناء. واستنكر عدم اهتمام الملاك بالعقودات. وأوضح أن للتشييد عقودات متفق عليها عالمياً وأكد أن المواطن محمي بلائحة قوانين تنظيم البناء 2008 وقانون التخطيط العمراني والتصرف في الأراضي، وهي التي تحكم تشييد المباني بالولاية، حيث يقدم المواطن تصميمه ونقوم بمراجعته ونتأكد من أنه معمول وفق الاشتراطات، حيث ندرس الخرائط من حيث الارتفاع وعدد الطوابق وشكل البناء ونسلمه قطعته التي يريد تشييدها بواسطة مهندس مساحة، بعدها نتأكد من أن المقاول أو المهندس المنفذ مسجل في المجلس ومسجل لدينا وله توقيع معتمد، وبعد مراجعه جميع البيانات، يتم منح المالك ترخيص بناء، بعدها نقوم بعملية تفتيش دورية أثناء التشييد للتأكد من وجود الاستشاري ومتابعته للعمل، وللتأكد من تنفيذ الخرائط حسب المصدق بها أيضا، ثم لنتأكد من توفير الحماية للجيران وللمارة بالشارع وللعاملين أثناء عملية البناء مثل عمل السياجات للحماية من تساقط مواد البناء،وهكذا، وأخيراً لنتأكد من أن الترخيص سار المفعول. أما إذا أراد أحدهم شراء مبنى مكتمل البنيان فإنه يلجأ للإدارة التي تجلب له الخريطة من الأرشيف وتقارن بينها والمبنى مع مراجعة شهادة إكمال المباني ونعد له تقريراً يوضح إذا كان هنالك انحراف في أي جانب ونخبره بذلك.

أهمية العقودات شددت إدارة المباني بوزارة التخطيط العمراني على أهمية الاتفاق على العقودات بين المالك والمقاول لضمان حقوق الطرفين، وأوضحت أن معظم العقودات تنص على انه إذا نشب خلاف فإن هيئة التحكيم هي الفيصل، ومن المعروف أن قرارها نهائي، بعرف سائد عالمياً، وغالباً ما تلجأ المحاكم المدنية لقرار هذه اللجنة من أجل الفصل في مثل هذه القضايا.

أين المشكلة؟ في الوقت الذي يرجع فيه المهتمون بالشأن الأمر لموت ضمير العاملين في تجارة مواد البناء إضافة لعدم كفاءة المهندسين وقلة خبرتهم، تنفي أمين المجلس الهندسي/ نادية عدم كفاءة المهندس بشدة وتؤكد أن الطفرة العمرانية التي تمت بدول الخليج كان للمهندس السوداني الدور الأكبر فيها، إضافة لمساهمة مؤسسية العمل الهندسي ورقابة الدولة في تعزيز هذه الطفرة، ويبقى السؤال من يحمي حياة المواطن من الخطر الذي يحدق به؟ فالمؤشرات على أرض الواقع تدل على عدم وجود رقابة والمجلس الهندسي يؤكد أنه ليس جهة رقابية على المباني، وأن وزارة التخطيط العمراني «إدارة التفتيش والرقابة» هي المنوط بها المهمة، فالمجلس دوره وفق قانونه تنظيم وتطوير مهنة الهندسة ومراقبة مزاولتها على الوجه الأمثل وإرشاد الجهات المختصة بالأعمال الهندسية، إلا أن إدارة المباني تعزو المشكلة، لوجود ثغرات في الإدارة الهندسية «إدارة مشروعات التشييد» التي تهتم بالمعاييرالفنية والإدارية والمحاسبية، فإذا أصبحت الجهة الموكول لها العمل ذات مقدرات فائقة في الإدارة لاختفت المشكلات، هذا ما جاء على لسان باشمهندس/ حسن الذي أكد أهمية التدريب المهني المستمر، للمهندسين، إضافة لتفعيل دور المواصفات في الرقابة الدورية لمواد البناء والاهتمام بالكوادر، فقد لا تكون المشكلة في مواد البناء من حيث الصلاحية وإنما تكون في المهارات الفنية لتركيبة مواد البناء ومقاديرها حسب نوع المبني، ودعا للاهتمام بالتكلفة التي يظهر أثرها السالب في المؤسسات الحكومية، وأرجع أمر التصدعات والتشقق لضعف الأداء للجهة الاستشارية التي يجب أن يكون لها اسم عمل، وأن تكون شركة مسجلة في الجهات المختصة، حسبما يرى، أما المجلس فأكد أن كل الكيانات الهندسية «الاتحاد المهني العام للمهندسين السودانيين والجمعية الهندسية والجمعية المعمارية والاتحادات الولائية» تسعى لترقية وتنظيم المهنة والمساهمة في رفع قدرات المهندسين عبر التدريب.

مشكلة إعلام باشمهندس هشام صديق التجاني / مدير القيود والمعلومات بإدارة المباني بين أن الإعلام هو الرقم المذكور وتناول المصطلحات بصورة غير صحيحة الأمر الذي جعل المواطن يعتقد أن «5700» مبنى سينهار، وبين أن معظم هذه المخالفات فنية، كأن يتجاوز أحدهم المساحة المقررة له ويدخل في مساحة جاره، أو لا يجدد ترخيص البناء، أو أن لا توجد الخرط و إقرار الإشراف بموقع المبنى وجميعها لا تؤثر على حياة المواطن ولا تؤدي لانهيار المبنى.

مؤتمر للمقاولين عشرات الشركات هي للتشييد والبناء، تمتلئ الطرقات بـ «لافتاتهم»، منها شركات هندسية أجنبية وأخرى سودانية، وتساؤل يدور في أذهان المواطنين، من هي الشركة الأجود، وكيف يتم تصنيفها، وفي هذا الإطار أقام مجلس تنظيم مقاولي الأعمال الهندسية بمشاركة صندوق الإسكان والتعمير واتحاد المقاولين السودانيين «مقاولي الأعمال الهندسية» خلال الأسابيع الماضية، مؤتمراً تحت شعار«تصنيف المقاولين.. تجويداً للأداء ودعماً للاقتصاد الوطني» دعا فيه وزير البيئة والغابات والتنمية العمرانية هلال إلى تنظيم وضبط وتطوير وترقية ومراقبة مزاولة أعمال المقاولات الهندسية وتصنيف المقاولين وفق المعايير الموحدة مع تنظيم المهنة وأمر بمراجعة قائمة المقاولين الأجانب واخضاعهم للتنقيح، الذي يسمح بمشاركة شركات المقاولات الأجنبية المؤهلة فقط، وإعطاء الفرصة الكاملة للمهندس السوداني والشركات السودانية المقتدرة.

منع الازدواجية وعشرات من المباني الأخرى التي تجعل مؤسسات الدولة وبعض المرافق الحكومية الأخرى خطراً على حياة العاملين أو المستفيدين من الخدمات بها، هذا يبين أن مرافق الحكومة لا تسند للكفاءات أو أن تدخلاً فاسداً يحدث لطلبيات مواد البناء، وكان من أهم توصيات مؤتمر المقاولين بالأسابيع الماضية إرساء جميع مشروعات الدولة على المقاولين المسجلين فقط، واستعادة دور الدولة في قطاع البناء والتشييد وضبط وتطوير ومراقبة الأعمال الهندسية بجانب توفيرها التمويل المطلوب قبل البدء في طرح مشروعاتها، إضافة لتكوين كيانات لأعمال التشييد الكبرى مثل تجميع مقاولي الأعمال الهندسية في شركات مساهمة عامة كبرى، واعتبار أعمال المقاولات كصناعة وليست تجارة وأمرت بإلزام المقاول الأجنبي في الدخول في شراكات مع المقاول الوطني لنقل الخبرات، وإضافة لتخفيض تكلفة الضمانات التي تقدم للدخول في المنافسة على العطاءات والعمل على قيام المقاولين بما عليهم من واجبات من حيث تطوير الصناعة والإيفاء بالعقود وتجويد الأداء، بجانب تنسيق القوانين المنظمة لقطاع البناء والتشييد والاستثمار ومنع الإزدواجية بين العمل في مجال المقاولات والعمل الإستشاري، هذه التوصيات من شأنها حماية المباني والمشروعات الحكومية لو تم تنفيذها.
ويبقى السؤال: إلى متى سيظل المواطن على حافة الخطر يطأطئ رأسه تحسباً لسقوط المبنى الذي هو بداخله، أو الذي يجاوره قيد التشييد؟

صحيفة الإنتباهة
راحيل إبراهيم

[/JUSTIFY]

تعليق واحد

  1. [[SIZE=5]B]البلد كلها ماشة بالوسطات وهذا سبب المشكلة وأكثر شخص بيضرر المغترب تلقى أخوه في الخرطوم ما عايز يخدمه بإخلاص
    أخر الزمن والله المستعان
    ونسأل الله حسن الخاتمة فقط[/B][/SIZE]