حوارات ولقاءات

الفريق تاج الدين : ” العقيد عمر البشير” تساءل لماذا يمسك الجيش بالبقرة ليحلبها آخرون .!!


في مثل هذا اليوم ، السادس من أبريل، قبل ثمانية وعشرين عاماً ، انتفض الشعب السوداني بأكمله ضد النظام المايوي ، وجابت المسيرات كل أرجاء ولايات السودان المختلفة التي ضاقت ذرعاً بالحاكمين .. لما عاناه المواطن من ظروف سيئة وضيق في المعيشة، وانعدام لأبسط مقومات الحياة.

ونحن نستعيد ذكرى ذلك اليوم المهم، التقينا الفريق أول “تاج الدين عبد الله فضل” نائب القائد العام للقوات المسلحة آنذاك، في حوار عن اللحظات العصيبة من تاريخ الأمة خلال الأيام الثلاثة التي سبقت انحياز القوات المسلحة إلى الشعب السوداني في انتفاضته.. فما هي الأسباب والدوافع؟! وما موقف القائد العام للقوات المسلحة المشير “عبد الرحمن سوار الذهب” واللواء “عمر محمد الطيب” النائب الأول عندما قرر الجيش الوقوف في صف الشعب؟! ولماذا اختار المجلس العسكري “الجزولي دفع الله” رئيساً للوزراء بدلاً من مولانا “ميرغني النصري” نقيب المحامين؟! ولماذا طالب المدنيون بحل جهاز أمن الدولة؟! هذه وغيرها من الأسئلة نترككم مع إجاباتها على لسان ضيفنا الكريم:

{ ما الذي حدث في الأيام الأخيرة من حكم الرئيس “نميري” قبل أن تنحاز القوات المسلحة إلى الشعب؟ – في يوم (الخميس) الرابع من أبريل 1985م كان الشارع السوداني يغلي بالتظاهرات في كل الأرجاء، ونحن داخل القوات المسلحة تأكد لنا أن (مايو) قد انتهى أجلها، والقوات المسلحة لم تكن بمعزل عن الشعب السوداني، فهم جزء منه.. ورغم ذلك فالقوات المسلحة لم تتنازل عن واجبها الوطني بالمحافظة على أمن واستقرار الوطن.

{ ما هو إحساسكم.. وما الذي طمأنكم بأن النظام المايوي قد انتهى؟ – عندما اندلعت التظاهرات بالشوارع كانت الشرطة تتعامل مع المواطنين باللين، باعتبارهم جزءاً من هذا الشعب، ولا بد من التعامل معه برفق، وهذه المعاملة كانت أقل خشونة من الطريقة التي كانت تتعامل بها الشرطة – في وقت سابق – مع مثل هذه المواقف، و(أدتنا إحساس) بأن النظتم قد انتهى، رغم أن القوات المسلحة لم يكن بينها والشارع رابط كما الشرطة، خاصة وأن درجة غليان الشارع قد تصاعدت.. وتخيل الناس وقتها أن النائب الأول لرئيس الجمهورية “عمر محمد الطيب” سيتدخل لحسم الأمر عبر القوات المسلحة.

{ هل هذا ممكن؟ – بالتأكيد لا، لأن النائب الأول لو تصرف مثل هذا التصرف تكون قد وقعت الطامة الكبرى، ولكن القوات المسلحة ما كانت لتترك هذا يحدث، لأنها لن تتنازل عن واجبها الأساسي وتنزل إلى الشارع لتحارب الشعب.

{ بعد أن اشتعل الشارع ووصلت درجة الغليان مداها.. ماذا فعلتم؟ – تأكد لنا أن كل القوات المسلحة وبوحداتها المختلفة على قلب رجل واحد، وقررنا أن يكون لنا موقف واحد، ولا أخفي عليك سراً فقد كانت داخل القوات المسلحة مجموعة من الخلايا التي تعمل مع الأحزاب الأخرى كالشيوعيين والبعثيين والأنصار، وكل تلك الخلايا كانت على استعداد لإحداث تغيير لصالح آخرين.

{ وكيف كان وضع القوات المسلحة؟ – القوات المسلحة في الجنوب كان وضعها سيئاً لعدم توفر الإمكانيات.. الجنود كانوا يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة بالنسبة لهم، ولم تكن لهم ملبوسات ولا مأكولات ولا أسلحة ولا ذخيرة ولا عربات، عكس الموقف بالنسبة لـ”جون قرنق”، ورغم ضعف الإمكانيات القوات المسلحة كانت تقاتل بضراوة وتحافظ على الاستقرار داخلها.

{ والبلاد في حالة غليان.. هل كان لكم اتصال بأطراف خارج القوات المسلحة؟ – كانت هناك اتصالات في القوات المسلحة مع التجمع وبعض الأحزاب، وكان هناك حديث حول (إذا عاد “نميري” ما هي الخطة التي ستتخذ)؟ وواجبنا نحن داخل القوات المسلحة كان يهدف إلى تماسك القوات حتى لا يحدث قتال بين وحداتها بالشمال، والقوات المسلحة في الجنوب تقاتل وهي في حالة ضعف بسبب قلة الإمكانيات كما أسلفنا، لذلك أردنا أن نتأكد أن القوات المسلحة فعلاً على قلب رجل واحد.

{ وماذا فعلتم؟ – بدأنا طوافاً ليلياً.

{ من الذي قاد هذا الطواف؟ – على الرغم من أنني لا أريد أن أتحدث عن نفسي، ولكن أنا قدت هذا الطواف لكل الوحدات.

{ ما هو موقعك في القوات المسلحة آنذاك؟ – وقتها كنت أشغل منصب نائب القائد العام.

{ وما هو موقف القائد العام مما يجري؟ – المشير “عبد الرحمن سوار الذهب” رجل متدين وقال إن له قسماً مع الرئيس الأسبق “جعفر نميري”، وهو لا يريد أن يحنث بهذا القسم، لذلك توليت الأمر من بعده، فقمت بالطواف ليلاً على كل الوحدات العسكرية.

{ أين تم أول لقاء لك بالضباط؟ – أول لقاء تم بيني وبين الضباط بالعاصمة كان في (هنكر المظلات)، ولقاء مع وحدات في بحري والمدرعات بالشجرة، وكانت لنا اتصالات بالإخوان في القوات المسلحة بالكلية الحربية بأم درمان، ومن خلال هذا الطواف والالتقاء بوحدات القوات المسلحة تأكد لنا أن القوات المسلحة فعلاً على قلب رجل واحد، ووصل الجميع إلى أن النظام المايوي قد انتهى، وإذا عاد “نميري” ستحدث بلبلة وقتال بالخرطوم.. وأذكر أن أحد الطيارين المقاتلين قال إنه إذا دخلت طائرة الرئيس “نميري” الأجواء السودانية فسيتصدى لها بنفسه.

{ هل تذكر اسم الضابط؟ – كان عقيداً بسلاح الطيران يدعى “الركابي”.

{ خلال طوافك على الوحدات.. ألم يشذ ضابط عن الإجماع أو كان له رأي آخر؟ – أبداً.. لكن في أحد الاجتماعات كان هناك ضابط يقف في آخر الصف قال لي: (يا سعادتك إنت بتحاول تلعب بالزمن عشان “نميري” يصل السودان، لكن تأكد أن “نميري” لن يصل السودان).. وهنا وصلت إلى قناعة بأن القوات المسلحة من أصغر ضابط إلى أعلى رتبة كانوا متحدين، ولذلك قررنا الانحياز إلى الشعب.

{ ما الذي حدث يوم الخامس من أبريل 1985م؟ – أذكر أن الخامس من أبريل صادف يوم جمعة، وعقب صلاة الجمعة اعترض بعض الضباط وأكدوا أنهم أقسموا على الحفاظ على النظام المايوي، ولكن تأكد لنا أن تلك المجموعة قليلة وغير مؤثرة، وأذكر في (هنكر) بالخرطوم، وقف العقيد آنذاك “عمر البشير” قائلاً: (لقد ظللنا نحن في القوات المسلحة نمسك بالبقرة من قرونها بينما الآخرين يحلبون اللبن، فلماذا لا يتغير الوضع؟).. رددت عليه: (يجب علينا أن نمسك بالبقرة لأننا لو فكيناها بتهرب ولو برطعت البقرة بتكسر الدنيا).
في ذلك الاجتماع تحدث الضباط بمرارة عن واقع القوات المسلحة والظروف السيئة التي تعيشها وتعمل فيها، وقد ظل الجندي السوداني يقاتل ببسالة وشجاعة رغم الظروف السيئة، وهذا كان واحداً من دوافع تماسك القوات المسلحة وألا يحدث انشقاق في صفوفها أو تحدث لها أية هزة، فأية هزة في داخلها ستكون عواقبها وخيمة.

{ ماذا فعلت بعد التأكد من وحدة صفكم؟ – اجتمعت بكل الوحدات في الخرطوم بالقيادة العامة، وجهزنا البيان لانحيازنا إلى الشعب.

{ قبل الانحياز ما هو موقف النائب الأول “عمر محمد الطيب”؟ – بعد أن أكملنا كل شيء كان لا بد أن نضع النائب الأول في الصورة، وقد أخطرنا أولاً القائد العام “عبد الرحمن سوار الذهب” ونورناه بالذي جرى وإجماع القوات المسلحة على الانحياز للشعب، فجاء “عمر محمد الطيب” وقال لنا: (يا ضباط الجيش أنا بعرفكم كنتم لافين الليل كله على الوحدات.. أنا داير بيها شنو.. والأمريكان والمصريين طلبوا مني استلامها).
{ وماذا كان ردك عليه؟ – قلت له: تستلمها أو ما تستلمها اتفضل إلى مكتبك، والقوات المسلحة كلها، من القائد العام الذي يقف أمامك إلى أحدث عسكري، أكدوا انحيازهم التام لما يدور في الشارع، وهم يؤيدون الشعب السوداني في عملية تغيير النظام، ونحن لدينا بيان جهزناه لنعلن من خلاله انحيازنا لجماهير الشعب وسيقوم بإذاعة البيان القائد العام وزير الدفاع “سوار الذهب”.

{ ولكن يقال إن هناك رتباً صغيرة داخل القوات المسلحة ضغطت على “سوار الذهب” لاتخاذ موقف واحد مع القوات المسلحة؟ – ليس هناك ضباط صغار أو كبار ضغطوا على “سوار الذهب”، وحسب ما ذكرت أن “سوار الذهب” قال إنه أقسم لـ”نميري” ولن يحنث بقسمه، لذلك تركناه وقلنا له إنه الجماعة عندها رأي آخر، فإذا أزاحوك نكون عملنا انقلاب في الجيش، ونحن لا نريد أن يكون عندنا انقلاب، نريد أن يكون لدينا إجماع من القائد العام إلى أحدث عسكري بالقوات المسلحة.
{ ما موقف المدنيين منكم بعد الانحياز إلى الشعب؟ – التجمع عدّ انحيازنا مفاجأة، وكان من المفترض أن نسلمهم الحكم، وتسليم الحكم للتجمع وقتها كان سيحدث فوضى، والبلد مافي زول حيكون مشرف عليها، وبعد الفوضى الناس سترجع تاني للقوات المسلحة، لذلك اتخذت القوات المسلحة موقفها الرامي إلى أمن واستقرار البلاد، وقمنا بتكوين المجلس العسكري الانتقالي.

{ وممن تكون مجلسكم العسكري؟ – المجلس تكون من كل قادة الوحدات العسكرية، فقوات المدرعات كان على رأسها اللواء “حمادة عبد العظيم حمادة”، والمهندسين كانت تحت قيادة اللواء “عبد العزيز محمد الأمين”، وحامية بحري على رأسها اللواء “فضل الله برمة ناصر”، وكرري على رأسها اللواء “عثمان السيد”، والمظلات على رأسها “إبراهيم الجعلي”، وأضيف لهم قادة الفروع الرئيسية، القوات الجوية “محمد ميرغني”، والبحرية “يوسف حسين”، ومدير الاستخبارات العسكرية، ومدير فرع العمليات الحربية باعتبارهم المسؤولين عن إدارة شؤون الأمن، إضافة إلى اثنين من الإخوة الجنوبيين “فابير لونك” و”جيمس لوروا”.

{ وماذا عن التجمع؟ – لقد تم اتصال بيننا وبينهم، وقدموا لنا شخصين لاختيار أحدهما ليكون رئيساً للوزراء.

{ من هما؟ – الدكتور “الجزولي دفع الله” ومولانا “ميرغني النصري”.

{ وكيف تم الاختيار؟ – اختار المجلس الدكتور “الجزولي دفع الله”.

{ ولماذا لم يختر مولانا “ميرغني النصري”؟ – لأن الدكتور “الجزولي” كان على رأس نقابة الأطباء، وهي النقابة الأكثر نشاطاً مع الشعب وكان جزءاً من تحريك الشارع.

{ ولكن يقال إن الدكتور “الجزولي دفع الله” له علاقة بالجبهة القومية الإسلامية لذلك تم اختياره؟
– نحن لم ننظر إلى أي لون سياسي في الاختيار الذي تم، ولكن نظرنا إلى من كان له دور فاعل في تحريك الشارع، وكان “الجزولي” رئيس نقابة الأطباء.

{ وكيف كان تعاملكم مع مجلس الوزراء؟ – في بداية الأمر كانت هناك حساسيات، فقلنا لهم نحن شلنا الشيلة، وعندما تتوصلون إلى حلول ديمقراطية تمكنكم من حكم البلاد سنقوم بتسليمها لكم.

{ أول لقاء تم بينكم وبينهم؟ – أول اجتماع تم كان على رأسه “عبد الرحمن سوار الذهب” رئيس المجلس العسكري، و”الجزولي دفع الله” رئيس الوزراء، و”عمر عبد العاطي” النائب العام، و”عباس مدني” وزير الداخلية، وشخصي، واللواء “عثمان عبد الله” مدير الاستخبارات العسكرية، واللواء “فضل الله برمة ناصر” رئيس المنطقة.

{ وماذا دار في الاجتماع؟ – الحديث دار حول المطالبة بحل جهاز أمن الدولة.. قلت لهم حل الجهاز فيه خطورة لأن الجهاز به أفراد متخصصون، وهم الذين يسدون ثغرات الوطن الخارجية.
{ وماذا كانت إجابتهم؟ – قالوا هذا شعار الانتفاضة، وإذا لم يُحل الجهاز فالانتفاضة ستظل مستمرة.

{ هل واصلت الدفاع عن الجهاز؟ – ظللت أدافع عنه، وقلت لهم ضعوا كل العاملين في الجهاز في حوش كبير واطلبوا من الشعب السوداني إن كانت له مظلمة ضد أي أحد من أفراد الجهاز وسيقدم إلى المحاكمة، ولم يقتنعوا برأيي، فقلت للدكتور “الجزولي دفع الله” أنت رئيس الوزراء فكن المسؤول عن الجهاز، فرفض.

{ ألم يقف معك؟ – وقف معي اللواء “فارس عبد الله حسني”، ولكن ماذا نفعل نحن الاثنين، فتقرر حل الجهاز وكانت كارثة وأصبح السودان مفتوحاً، ورقص سفير إحدى الدول الأفريقية وسط الخرطوم فرحاً بحل الجهاز، لأن الجهاز لم يكن يجعله يتحرك، لأن العداء بين السودان وودولته وقتها كان على أشده.

صحيفة المجهر السياسي
حوار – صلاح حبيب


‫2 تعليقات

  1. كان تسألوه لماذا رفت من جهاز امن الدولة و كذلك ما هو سبب إحالته للتقاعد في زمن الديمقراطية …………. كفاية ولا نزيد كم أسئلة و لا أقول صاحب العقل يميز

  2. كان الفريق تاج الدين أحد كوادر جهاز أمن الدولة ويعلم تمام العلم أهمية الجهاز بالنسبة للوطن وعندما رجع للقوات المسلحة كان في مركز قوة فكيف يسمح للمدنيين من شيوعيين وبعثين وخلافهم المطالبة بحل جهاز الأمن ؟ ويفرح أعداء البلاد ويرتع ضباط مخابرات منقستو هايلا ماريام مثل ضابط المخابرات الخطير الأثيوبي إسماعيل حسن الذي تلقى دراسة المخابرات بجهاز الموساد الإسرائيلي ؟ أليس هذه جريمة وطنية يسأل عنها هذا الفريق الذي يختلق البطولات ويدعي إنحيازه للشعب