جعفر عباس

اهدأوا كي لا تنقرضوا


اهدأوا كي لا تنقرضوا
في جميع مدننا الكبيرة، يكون المسجد على بعد خمسين مترا من بيتك، ولكنك لا تعرف موعد الصلاة او افطار رمضان إلا من التلفزيون، والسبب في ذلك هو الضجيج الذي لا ينقطع في الشوارع والحواري، ولا أقصد بذلك فقط هدير محركات السيارات بل الصراخ المتواصل الصادر من بني البشر، فنحن من أكثر أهل الأرض صراخا، ولا تعرف في كثير من الاحيان ما اذا كان الشخصان اللذان يتحاوران على مقربة منك يتشاجران او يتغشمران أي يمارسان الهذر/ الهزار، وأعترف بأنني لا استطيع التحدث بصوت منخفض، وبالتالي فان معظم مكالماتي الهاتفية تكون مسموعة لمن حولي، ولكن بعد ظهور الهاتف النقال صار بمقدوري الابتعاد عن الناس لإكمال المحادثة الهاتفية، وأحيانا تكون زوجتك وقريباتها أو صديقاتها في جزء قصي من البيت ولكن أصواتهن تتناهى الى مسامعك فتحسب ان الإذاعة تقوم بنقل حي لمظاهرة سلمية، وحتى لو حملتك نفسك على التنصت لما يقلنه، فإنك لن تنجح في التقاط جملة واحدة لأنهن يتكلمن في نفس الوقت كما هو الحال في البورصات واسواق الاوراق المالية حيث يقف عدد من المعتوهين وسط آلاف الناس ويصيحون بمفردات عجيبة ويرفعون أصابعهم بإشارات تماثل لغة الصم والبكم، وإذا كنت تعيش في قلب المدينة فإنك لن تستطيع الاستماع جيدا لا الى المكالمات الهاتفية ولا الى البث الاذاعي او التلفزيوني لأن العويل الصادر عن آلاف البشر والسيارات يغطي على كل الأصوات،.. وفي الدول المتقدمة يكون قلب المدينة مركزا تجاريا اما في مدننا فان السكن فيها يكون «دليلا» على المركز الاجتماعي المرموق!
كان جيل آبائنا ينجب العيال بالدستة او الدرزن، ليس فقط لأنهم كانوا لا يأكلون البيرجر او اي نوع آخر من السندويتشات السكند هاند (وكل الوجبات السريعة سكند هاند لأنها تأتي في غالب الأحوال جاهزة ومجمدة من الشركة الأم، ويتم تسخينها أمام الزبون لإيهامه بأنه طعام فريش.. لا تستخدم كلمة «طازج» حتى لا يتهمك الآخرون بالتخلف)، ولكن لأنهم كانوا يلزمون بيوتهم مبكرا، وينامون قبل دجاجاتهم ويستيقظون قبل الديكة، ولم يكونوا يعانون من تلولاث الضوضاء، ومن ثم كانوا أهل مروءة… كان الكبار من الرجال والنساء ينهضون فجأة لأن صوتا ما صدر من بيت الجار السابع: الله يستر،.. فالحاج هاشم ظل يعاني من مرض مزمن… وربما داهم الطلق نفيسة التي انتفخت بطنها مؤخرا (ولم تكن النساء وقتها مهووسات بحساب مدة الحمل.. فالمولود سيأتي عندما يريد الله له ان يأتي.. وليس كما هو الحال الآن: بروح أسوي تلفزيون عشان أعرف ولد وللا بنت!! بالمناسبة ما قيمة او معنى ان تعرف الام او الأب ان المولود الآتي ولد او بنت؟ هل هناك طريقة لتحويل جنس المولود بحسب الطلب بعد ان يتشكل؟ أم لشراء المونوكير والأحمر والفيونكات والبودرة إذا كانت بنتا؟ والدراجة والزلاجات إذا كان ولدا؟).
المهم انه من الثابت علميا اليوم ان العيش في بيئة كلها ضجيج يسبب – ليس فقط التوتر العصبي والنفسي- بل يفقد الرجال خصوبتهم، فقد اتضح ان العاملين في مصانع ذات هدير مرتفع تتدنى خصوبتهم بوتيرة سريعة وينطبق نفس الشيء على سكان المدن المزدحمة التي يعتبر سكانها البوري اي بوق السيارة آلة موسيقية شعبية! وطالما اننا في طليعة الدول المنتجة للضوضاء فمعنى ذلك اننا معرضون للانقراض، وربما أدركت امريكا هذه الحقيقة فصارت تبدي حرصا على «سلامتنا» من منطلق المحافظة على «البيئة»

[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]

تعليق واحد

  1. ما أظن اننا ها نقرض ياجافرأباس !! لو تركنا القلق الزائد والتفكير في بكره ولو حال السودان اتصلح والعيشه بقت رخيصه.وجيل آبائنا كان بنجب العيال بالدسته عشان مراتو عندها قروش عند النسوان وعاوزه ترجع القروش بالولاده المناسبه يعني وكان زمان مافي تقدم في العلم ذي الان المرأة تظل تنجب البنات لغايه الولد مايجي اما الان ممكن تختار نوع المولود وتجيب الاولاد وتخلص .وكذلك زمان ما كان في موانع للحمل والمرأة ماكانت شغاله والراحه النفسيه للمرأة لانو الرجال زمان رجال السرور مساكين ومابعرفوا المشاكل لانو مافي تلفزيون او كمبيوتر.مااظن القري فيها هدوء صوت المواشي والدجاج في الصباح وصوت الضفادع في الليل. خلي الاشياء الممكن تكون سبب في الانقراض الحقيقي مثل العقارب والعناكب والثعابين وصحه البيئه عدم وجود الحمامات والاهم والاخطر الكجور واعمال السحر في القري وماتعرف مدفونه وين واحفظنا يارب !!!

  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
    ماذا لديكم في السودان
    لديكم البشير رئيس إمام حافظ للقرءان الكريم
    مع طيبة قلوب الشعب السودان