نادية عثمان مختار

أين نحن من نحن ؟!!


أين نحن من نحن ؟!!
تعقيبا على مقال الأمس تحت عنوان ( اغتصاب الأطفال في بلادنا ..سؤال يبحث عن إجابة) أستأذنك أستاذة نادية والقارئ الكريم في هذه المساحة أن أسجل ( وجعا) على كثير من القيم النبيلة التي كان يتسربل بها أهل السودان ولانقول إنها ضاعت الآن كليةًً، ولكنها اندثرت بشكل كبير فكم هو مؤلم أن يحسب الواحد منا أن الدنيا تؤخذ غلاباً فيسعى فى الأرض بطشاً ونهباً وخراباً (المهم يكبر كومو) وينسى كل نواميس الوجود التي فطر الخالق عز وجل الكون عليها يوم خلقه !!
شاء الله أن أشهد بأم عيني أحد هؤلاء القساة وهو يطرد عريسا فى شهر العسل ( جديد لنج ليهوأربعة يوم بس) من شقته المفروشة ظهراً، لأن اليوم انتهى ولم يدفع له أجرة اليوم الجديد!! والأخير يترجاه بكل ماخلق الله من رجاء وبصوت خافت ( ياأخوي الله يسترك الساعة هسع واحدة و قروشي بتصل المساء بدفع ليك) كل ذلك لم يجدي نفعاً (يازول مابينفع ولا ثانية أطلع هسع ولا أديني قروشي) !!
معقول نحن السودانيون !! ولا غيرنا ؟هل وصلت بنا المواصيل الى هذا الحد ؟ أين نحن من نحن ؟ و من نحن اليوم ؟ أتلك هي أخلاقنا التى عرفنا بها ؟ تساؤلات بلا إجابة!
هل تخيل الحردلو يوم قال ( كيف يكون الحال لو ماكنت سوداني وأهل الحارة ديل أهلي) و خليل فرح حين أنشد رائعته (عازة فى هواك) أن يؤول حالنا إلى هذا الحد المزري؟؟
نحن السودانيون اشتهرنا بين شعوب العالم ببعض الصفات التي نفخر بها كالكرم والشجاعة والشهامة، وهي صفات إنسانية قلما توجد لدى كل الشعوب، بجانب التوقير الشديد للكبار في العائلة والاهتمام بالأسرة . كل ذلك ساقني لأتذكر حديث والدي فى أواخر أيامه (رحمة الله عليه) وهو يحدثني عن زمانهم حيث كانوا في الغالب ذوي قربى ومصاهرة مع بعضهم البعض، وصلة القرابة بينهم تساعدهم في الحفاظ على الأعراض فلا ينظر الرجل بعين السوء إلى النساء، وكانت معاشاتهم بسيطة من التجارة وبعض الصناعات البسيطة البلدية (عصارة الزيوت) مثالا، كما تمنع صلة الرحم التجار من المغالاة في الأسعار،
وكانت الاحتياجات قليلة ومعظمهم كانوا أرباب معاشات، وموظفو الحكومة قلة. وكانوا كرماء وترابطهم الاجتماعي بمثابة الأمان للجميع من ويلات الفقر والعوز، ومتواصلين لا ينقطعون عن بعضهم، ويتفاكرون فى كل كبيرة وصغيرة، و كانوا يتبادلون الأطعمة فربات البيوت لا يطيب لهن طعام لا يتشاركه جيرانهن، والزيارات مفتوحة، وكل بيت لديه باب ( نفاج ) مع الجيران.. كما اعتمدت التربية وقتها على اخلاق الفروسية والشجاعة! فأين نحن من كل ذلك الجمال الآن ؟!
أصبحنا نتباكى على الماضي ونلعن الحاضر ونخشى المستقبل ولا نغير من شيء لتبديل واقع تملؤه السلبيات؛ وصار الزمان ( شماعتنا) وأصبح من عاديات الأمور أن نعيب زماننا.. وما لزماننا عيب سوانا !!
هكذا ستظل جدلية الماضي والحاضر ووضعية المقارنة بينهما تسيطر على عقولنا وسنظل نحلم بواقع جميل وغدا أفضل ولكن ..!!
((جمال جادو))

نادية عثمان مختار
مفاهيم – صحيفة الأخبار – 2011/9/27
[email]nadiaosman2000@hotmail.com[/email]