رأي ومقالات

أشراف في دولة فاسدة


لم تفلح الآيات البينات ولا التوجيهات والأوامر النبوية الشريفة ولا التحاور العقلي والمنطقي ولا مقتضيات العصر ولا حتي القانون في إثناء الحكام ، منذ الاستقلال وحتي الآن في الحد من ظاهرة الإستلاب المتمظهر بثوب الدين ، سواء أكان صادرا من البيتين الطائفيين أو من الطرق الصوفية بشكل عام أو من الحركات الاسلامية التي ظهرت مؤخرا ، بمسمياتها المختلفة ، أو حتي ممن ينتسبون الي الأشراف وبيت النبوة ، فقد أصبح ” الاستعراب” و التمظهر بالدين هما الورقتان الرابحتان لحسم النزاع الدنيوي وتحقيق الطموحات والمنافع الشخصية بالانحياز لأي من تلك البيوتات أو الطرق أو الحركات أو الفرق للوصول الي خير الدنيا دون الآخرة ، وبذلك تشتت الشعب وذهب كل الي ما “إستلب” اليه حتي اصبحنا فرقا وأحزابا متناحرة ، لايوجد ما يجمعنا ، بالرغم من أنه موجود!!. (أن الدين وحده فقط هو الرابح، إذا كان توجها خالصا لله تعالي ، وطاعة لرسوله ولا يأتي عبر وسطاء مزعمون أو أشراف يدعون السيادة علي الناس).
هذا ليس تجن علي أحد ، ولكنه تشخيص لظاهرة قصمت ظهر البلاد وأقعدته كالمشلول وكانت النتيجة دائما ، أن تستفيد فئة قليلة علي حساب الأغلبية من الشعب!.
إبان إحتلال المستعمر الانجليزي ، لاحظ إداريوه ، من خريجي جامعات أكسفورد العريقة أن غالبية الشعب يميل الي الدين وينحاز بتلقائية فريدة الي كل ما يتعلق به ، والذي كان يأتي من ” خشم البيوت” ولم يكن هناك في ذلك الوقت غير ذلكما البيتين العريقين ، المراغنة والأنصار، وأتباعهما من ” الدراويش” الممثلان الشرعيان للقوة السياسية والدينية آنذاك، ولقد أسبغت عليهما الادارة البريطانية الأراضي والإمتيازات كي تثبيت زعامتهما ظنا منها أن ذلك سيساعد في تثبيت أركان الدولة ، وتقليص حجم المواجهة ، وقد كان ذلك الي حين ، بل ظل اثره باقيا حتي الآن ولكن بشكل اكثر من بائس!. وليته ذهب ولم يعد.
في وقت لاحق ، من زمن البلاد المستقطع عبثا ، استولت شرذمة أخري علي الحكم والقت في البداية بزعيمي الحزبيين العريقين في السجن ، وإستباحت لنفسها ” تمكينا” غير المذكور في القرآن ، والكارثة أنها ، في عمرها المديد ، لم تأمر بمعروف أو تنهي عن من منكر ، كما ذكرت آية التمكين ، بل أنها شجعت علي الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف حتي جاءت نتائجه جلية فيما نعيشه ونراه وبذلك ، أقامت علي نفسها الحجة وهي بعد مكابرة ، بأنها علي الحق!!.
إذا قلبنا صفحات التاريخ ، فلن نتعجب ، إذا علمنا أن كل الإنجليز الذين كانوا يعملون تحت إمرة الادارة البريطانية كانوا أعضاءٌ فيما يعرف بـ ” الخدمة السياسية السودانية” ، أي أنهم كانوا عبارة عن جهازا سياسيا ، ينفذ السياسات المرسومة للتاج البريطاني مباشرة وذلك قبل أن يكون جهازا للخدمة المدنية *1 ، ولن نستغرب ايضا ، إذا أدركنا أن السياسة البريطانية قد ركزت علي جذب البيتين العريقين ، بل ودعمهما ، لكونهما يمثلان ثقلا شعبيا لا يستهان به.
ورغم المآخذ علي هذين البيتين لكونهما قد تقاعسا فيما بعد عن لعب أي دور وطني حقيقي يحقق شكل من اشكال التوازن السياسي نجد أنهما قد إنغمسا الآن ، ولإذنيهما في لعبة سياسية خاسرة وأصبحا شريكين متلازمين للنظام ، كل يلعب علي طريقته في ملعب تملؤه القذارة وتفوح من جنباته كل روائح الفساد ، رغم كل ذلك ، لا بد أن نسجل لأجدادهما الأول مواقفهما الوطنية في ظروف كالحات كانت تمر بها السياسة السودانية في بداياتها.
سجل التاريخ للشعب السوداني ، ولا فخر ، بكافة أطيافه وأعراقه وألوانه بأنه شعب جسور يحب دينه ويدافع عنه وعن أرضه ولا يرضي بالضيم والظلم أيا كان، وفي ذلك وثق الإعلامي الكبير الاستاذ عبد الله عبيد ما نصه ” منذ أن إحتل الاستعمار البريطاني السودان عام 1898م. وهزم النظام الاسلامي الذي أسسه الثائر الاسلامي محمد أحمد المهدي ، رحمه الله ، لم يستكن شعبنا ، بل ظل مرجلا يغلي … فجر ثورات وانتفاضات إستشهد فيها عشرات الألوف وسجن واعتقل وعذب ألوف كثيرة ، الا أن أبطالا ورموزا عديدين ظلوا في طي النسيان رغم أنهم كانوا حجر الأساس في تحقيق الاستقلال” *2.
علي صعيد آخر ، كان السيد علي الميرغني ، رحمه الله ، مفاوضا صلبا شديد المراس عندما ذهب يتفاوض مع الانجليز بشأن مستقبل السودان ، إذ رفض عروضا عديدة قدمتها له بريطانيا منها ، أن يكون ملكا علي السودان ، كما رفض عروضا مصرية متكررة بأن يكون رئيسا لاتحاد مصر والسودان وفضل أن يستقل السودان بذاته دون وصاية من الأجنبي وإنتهي سعيه بحصول السودان علي كامل إستقلاله ، وفي ذلك وصفه الزعيم الراحل الأزهري قائلا ” لولا الأسد المرابض بحلة خوجلي لما نال السودان استقلاله”*3
لم يكن البيتان الطائفيان وحدهما اللذان صانعا الاستقلال ، فقد كانت هناك قوي أخري تنافح وتقاوم المستعمر ، في مناطق عدة من البلاد فبعد هزيمة كرري مثلا ، ظهر السلطان علي دينار كقوة وطنية لا يستهان بها ، أجبر حكومة السودان علي الاعتراف به كسلطان مستقل ، ولم يكن علي دينار هو القوة المعارضة الوحيدة ، بل أن كثيرا من قبائل الجنوب وقبائل جبال النوية رفعت لواء التمرد وظلت تقاوم قوات الغزو من جانب الحكم الثنائي ، وكان العامل المشترك لكل تمرد وعصيان في جنوب السودان وجبال النوبة هو معارضة فرض الضرائب ومقاومة الدخيل*4.
لندلف مباشرة الي موضوعنا الأساس لأنه ، كما ذكرت آنفا ، أس البلاء ، بل أنه المعول الذي تهدم به أركان الدولة الأن ، ركنا ركنا ، ألا وهو العنصرية القبلية ، تلك التي صنفت أهل البلد الواحد علي أساس أن هناك عربا أشرافا وعبيدا أفارقة ، حتي ولو كانوا مسلمين !!. إن هذا لفهم قاصر بحق للمغزي الحقيقي للدين ، لا يمكن أن يصدر من ” أشراف” ” أصلاء” إطلاقا ، فاستغلال الأنساب للتسلط علي باقي العباد ليس من الدين في شئ ، فالله تبارك وتعالي لم يخلق الخلق لكي يٌستعبدوا وإنما ليتحرروا من إستعباد العباد كي يتفرغوا الي عبادة رب العباد . ذلك أنه ليس في الاسلام ” سيدي” و “سيدك” وليس هناك أحد أكرم من أحد إلا بالتقوي ، فردا كان أو قبيلة وهذا هو المعيار الذي شرع في الإسلام !!. وعليه ، إذا كان هناك بعضا من أهل السودان من الأشراف ، زعما كان أم حقا ، فعليهم مراجعة أصول الدين ومنهج المعصوم ، كي يتبينوا أنه ، صلي الله عليه وسلم جاء في بيئة جاهلية، شبيهة تماما بهذه ، مع ملاحظة أن أبي لهب ومسليمة الكذاب كانا أيضا من الأشراف. عندئذ ، سندرك أننا نكرر صورة الجاهلية الأولي بحذافيرها ونقتفي أثر أبي جهل بهذه ” النفخة” الكاذبة وليس جد ” الأشراف” الأكبر ، حبر الأمة وترجمان القرآن ، الصحابي الجليل عبد الله بن عباس ، رضي الله عنه.
بعدئذ ، تأتي الأسئلة الحرجة ، التي لابد أن تطرح في هذا الصدد ونلمتس الاجابة من كل السادة ” الأشراف ” و ” آل البيت” وهي :
1- ما رأيكم بالفساد المستشري في البلاد الآن ولماذا لم تتحركوا وتقاوموه ، كما أوصي دينكم ونبيكم وثبته جليا جدكم في الأحاديث والتفاسيرالتي أفني فيها عمره في جمعها وشرحها كي تكونوا اسوة حسنة لغيركم؟!!.
2- لماذا تقاعستم عن فريضة الدعوة الي الله التي جاء بها أجدادكم الي هذه البلاد ، ولماذا نفر اٌخوتنا الجنوبيون منكم وليس من الدين لما قدمتم صورة خاطئة ومشوهة عن الاسلام وهم المؤلفة قلوبهم وعاشوا بيننا دهرا؟!!.
3- لماذا لا تنصحوا هذا النظام بأنه يغرد حقا خارج السرب وأنه يفسد ولا يصلح والمؤمنون ، كما تعلمون ، يصلحون في الأرض ولا يفسدون؟
4- لماذا لم تأمروا بالمعروف وتنهون عن المنكر بينكم وبين الناس وتشيعوا العدل والمحبة والسلام ، كي تكونوا أهلا بشرف النسب هذا وتتخلقوا بخلق نبيكم؟!!.
5- لماذا لا تجهروا بأن الرسول الكريم ، نبي الرحمة ، ذو الخلق العظيم ، صلي الله عليه وسلم ، لا يجتمع باللصوص والقتلة والظلمة والمتآمرين ، وإنما يأتي في رؤية ، كفلق الصبح فيها كل الخير للمسلمين ؟.
6- وهل يأكل “أهل البيت ” من الصدقات ويجمعون الكسور والعشور من الفقراء من الناس كي يغنوا بها ؟!!… حاش لله أهل البيت الحق .

هذا ليس بنقد ولا تقريع ، وإنما هو فقط تذكرة ، لأن الأمر قد تجاوزالحدود وقد بتنا كلنا في المسئولية سواء ، وعلينا أن نتحملها معا ، بحكم إخوتنا في الدين وفي الوطن ، مما يلزمنا آن نتوحد تحت رؤية وراية واحدة وأهداف محددة ، لا تغول فيها لأحد علي حساب الآخر وننتشل هذا الوطن من عثرته ونقيمه كما كان وأحسن ، إن أحسنا كلنا النوايا وغيرنا ما بأنفسنا وصدقنا العهد مع الله .

الدمازين في :24/06/2013م.
محمد عبد المجيد امين ( عمر براق)
[email]Dmz152002@yahoo.com[/email] *1/ السودان من الحكم البريطاني المباشر الي فجر الاستقلال ص (8) : سير جيمس روبرتسون.
*2/ ذكريات وتجارب: عبد الله عبيد ص11
*3/ موسوعة ويكيبيديا الحرة : علي الميرغني
*4 الحركات الوطنية في السودان ص 98: بروفسور محمد عمر بشير


تعليق واحد

  1. الميرغني وحزبه الاتحادي كان ينادي بالوحدة مع مصر تحت التاج المصري وعبدالرحمن المهدي وحزبه حزب الأمة كان ينادي باستغال السودان تحت شعار السودان للسودانيين وربما اختلط عليك الأمر وهذا تاريخ مثبت ومدون ومسيلمة الكذاب ليس من الأشراف هو من بني حنيفة احدى قبائل بكر بن وائل من ربيعه
    وفي النهاية (كلكم لآدم وآدم خلق من تراب) (ولا فضل لعربي على أعجمى إلا بالتقوى)
    (وإن أكرمكم عند الله أتقاكم)

  2. – المسئولين بالدولة هم على درجة عالية من التدين تمنعهم من سرقة المال العام
    – العندو دليل على الفساد يبرزوا لينا
    – ولاية سنار سرقت نصف ميزانيتها وده يعتبر شئ ضئيل
    – يكفينا فخرا اننا الدولة الوحيده بالمنطقة التي عندها تقرير مراجع عام
    من اقوالهم حول الفساد