جعفر عباس

العقرب والحكيم السوداني


العقرب والحكيم السوداني
كتبت مقالا قبل بضع سنوات عن العروسين اللذين من بلدة بير السبع الواقعة تحت السيطرة اليهودية منذ عام 1948 وكيف انهما كانا يرقصان مع المدعوين فوق منصة زجاجية على سطح بحيرة عندما انهارت المنصة فوقع العريسان في الماء فأصيبا بجروح استوجبت احتجازهما في المستشفى، ويبدو ان لعنة العيش تحت سطوة اليهود تجهض الفرح في الفلسطينيين حتى في المناسبات السعيدة، ففي منطقة الجليل ذهب العريس الفلسطيني إلى الفندق بصحبة عروسه وبعد ان تركا حقائبهما في الغرفة نزل العريس إلى حوض السباحة فكاد ذلك يتسبب في وفاته: لا لم يتعرض الرجل للغرق فقد كان سباحا ماهرا بل نهش لحمه كائن مخيف!! لا ليس تمساحا، ولا سمكة قرش! أحس العريس بألم في كتفه الأيسر فصرخ بعد ان اكتشف عقربا اسود يعاود الهجوم عليه، فابتعد عنه إلى ان جاء رجال الإسعاف ونقلوه إلى المستشفى وتلقى العلاج اللازم، ثم رفع دعوى على الفندق فحكمت له المحكمة بتعويض يبلغ نحو أربعة الاف دولار امريكي… هيك شهر العسل وللا بلاش.
وتؤكد هذه الواقعة ان القضاء الإسرائيلي أصبح أكثر عدالة، إذ لم يعتبر القاضي العريس مذنبا لأنه هو الذي تحرش بالعقرب، وربما بنى القاضي حكمه على ان العقرب كان اسود، وبالتالي ليس عقربا اسرائيليا لان اليهودية بريئة من السواد، فحتى اليهود الإثيوبيون (الفلاشا) الذين قام الرئيس السوداني المفدى جعفر نميري بتوصيلهم إلى اسرائيل، مقابل الشيء الفلاني من ماما أمريكا يعاملون هناك ككائنات وسط بين البشر والدلافين، وممنوع على اليهود الأشكناز والسفرديم قبول تبرع دم من يهودي اسود من أصل اثيوبي منعا لتلويث نسل «شعب الله المكار»، ولكن حكاية العريس الفلسطيني مع العقرب تؤكد ايضا ان اليهود اصبحوا اقل عنصرية من ذي قبل، فقد ابلغ الطبيب العريس انه كان محظوظا لان العقرب الذي لدغه كان اسود، وأن اخطر أنواع العقارب في اسرائيل هي الصفراء.. أخيرا أنصف الطب الإسرائيلي السود بأن برّأهم أو العقارب منهم من شبهة تسبيب الموت.
وبما أنني لست من أنصار نظرية المؤامرة، وهي نظرية البحث عن مشجب او شماعة أجنبية نعلق عليها قصورنا وعجزنا، فإنني أميل إلى الظن بأن لدغة العقرب في حمام السباحة، كانت تذكرة للعريس بأن الزواج يجمع بين المتعة والعذاب، فالكثيرون يعتبرون الزواج فرفشة وبهرجة وهيصة وزغاريد، وينسون مقولة حكيم السودان الراحل الفقيه فرح ود تكتوك الذي قال في أواخر القرن التاسع عشر: الحريم فيهن رميم، وفيهن ذهب مخزون قديم، وفيهن عقارب ساكنات الهشيم (هذه العبارات كلها بالعامية السودانية فانظر فصاحتها وانظر حال اللهجات العربية العامية اليوم و…. تعجّب!!)، وذات مرة عادت إحدى بنات الشيخ فرح إلى بيت أبيها لتبلغه بأنها لم تعد تطيق العيش مع زوجها، فرحب بها، وحينما أزف وقت الصلاة طلب منها ان تزوده بإبريق ليذهب إلى الخلاء فأتته بإبريق جديد نظيف مليء بالماء فقال لها: أعطيني إبريقي القديم فإنني لا أقبل إلا به، فأتته بالإبريق القديم وجمعت حاجياتها وعادت إلى بيت زوجها.. فلأنها بنت شيخ حكيم أدركت ان أباها أراد ان يقول لها: إنني لا أُحبذ ان يرى إبريق جديد عورتي!!

جعفر عباس
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]

تعليق واحد

  1. يا مسكين خليك نايم في العسل ،من بنات هذا الجيل من لا يتورعن عن النظر إلي عشرات الأباريق و كمان قبل الزواج

  2. العامة السودانية من افصح العاميات من حيث المفردات والكلمات ياابو الجئافر وكما قال الاديب العالمى الراحل عبد الله الطيب الا اننا كسودانيين نلحن فى نطق بعض حروف الهجاء كما الحال مع غيرنا ولكنهم رغم شناعة تلحينهم يعيرونا