رأي ومقالات

الطيب مصطفى : اقتلعوا الحركة الشعبيَّة قبل فوات الأوان (2 ــ 3)


[JUSTIFY]في مقال الأمس وثقنا شهادة مجموعة أصدقاء جنوب السُّودان بقيادة الأمريكي روجر ونتر مستشار سلفا كير وعدو السُّودان اللدود والتي قالت ناصحة لسلفا كير (لقد رافقناكم في معركتكم ضد تجاوزات نظام الخرطوم ولكننا لا نستطيع أن نغضَّ الطرف عن حقيقة أنَّ ضحايا الأمس تحوَّلوا إلى مرتكبي الجرائم اليوم)!! وأوردنا ما قالته المجموعة حول الأوضاع المزرية في دولة جنوب السُّودان والتي تجعلها على شفا الانهيار وأوردنا شهادة رئيسة بعثة الأمم المتحدة هيلدا جونسون التي أبدت تشاؤمها من إمكانية الإصلاح.
اليوم نتحدَّث عن جانب آخر من حالة الانهيار التي تعاني منها الدولة الوليدة بعد أن بلغ الصراع بين مفاصل الدولة درجة خطيرة نكشف جانبًا منها باختصار شديد.

إذا كان حلفاء الحركة الشعبية الذين خاضوا معها غمار الحرب ودعموها ولا يزالون قد ضاقوا ذرعاً بفشلها الذريع في إدارة البلاد بل بممارساتها في قهر شعبها وإذلاله وتقتيله فإنَّ التنازع بين قيادات الحركة ناهيك عن أعدائها وخصومها من القبائل والأحزاب الأخرى وصل إلى درجة خطيرة وهل من دليل أكبر من حالة الشد والجذب والتناحر بين الرجلين الأول والثاني في دولة الجنوب وأعني بهما الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار الذي أُقصي خلال الفترة الماضية من صلاحياته التنفيذيَّة؟!
مشار شنَّ هجومًا ضارياً على سلفا كير ودعاه إلى التنحِّي من المنافسة على رئاسة الجنوب خلال الانتخابات القادمة التي ستُجرى عام «2015م» بل إنَّ مشار أبدى استعداده في حواره مع صحيفة القارديان البريطانية ذات المصداقيَّة العالية.. أبدى استعداده للعودة إلى الحرب مجدداً مذكِّراً بالحرب التي خاضها ضد قرنق عندما انشقَّ منه وكوَّن فصيل الناصر ثم عندما وقَّع اتفاقية الخرطوم للسلام عام «1997م» بصحبة لام أكول وكاربينو وتعبان دينق ولم ينسَ مشار أن يتباهى بشهادة الدكتوراه التي حصل عليها من جامعة برادفورد البريطانيَّة وبعلمه بالسوابق البريطانية التي أقصت تاتشر وبلير من رئاسة وزراء بريطانيا لإفساح المجال لأجيال جديدة سيَّما وأنَّ سلفا كير سيكون قد أمضى عشر سنوات عندما يحين موعد الانتخابات القادمة، وبالإضافة إلى التعريض بضعف حصيلة سلفا كير الأكاديميَّة حيث لم يتجاوز تعليمه المرحلة الابتدائيَّة تحدَّث مشار عن إخفاقات سلفا كير في قيادة الجنوب خاصة فشله في تحويل الجيش الشعبي من مرحلة حرب العصابات وفي تحقيق تطلعات شعب الجنوب في دولتهم الجديدة.

مشار كرَّر هجومَه على سلفا كير في حديثه لإذاعة لندن الـ (بي. بي. سي) وكرَّر ما أعلنه في السابق عن نيته خوض الانتخابات القادمة ومعلوم أنَّ مشار كان نداً قوياً لسلفا كير خلال انعقاد مؤتمر الحركة الشعبية قبل نحو عامين ولولا تدخل الأمريكان وروجر ونتر تحديداً واحتواء التوترات التي صاحبت ذلك المؤتمر لربما أُطيح بسلفا كير.
رجل مشروع السُّودان الجديد وكبير أولاد قرنق باقان أموم كذلك له رأي في سلفا كير خرج به إلى العلن مؤخراً لكن دعونا قبل ذلك نعرض للخلاف الكبير الذي احتدم مؤخراً بين سلفا كير وصديقه وحليفه الشرس والمشاكس وصعب المراس تعبان دينق فقد قام سلفا كير بإقصاء تعبان من ولاية الوحدة وهو أمرٌ لو تعلمون عظيم وما كان لسلفا كير أن يتخذ هذا القرار لولا الشديد القوي لأن تعبان مقاتل شرس ولطالما ساند سلفا كير في معاركه ضد خصومه وكذلك فعل سلفا كير دعماً لحليفه العنيد الذي ليس من طبعه أن يستسلم بسهولة فقد ناهض قرار إقصائه وقال إنه غير دستوري وأهم ما يميِّز تعبان علاوة على شخصيَّته الصعبة والمقاتلة أنه اكتنز ثروة هائلة من عائدات البترول الذي تنتجه ولايته وكان له أيام تحالفه مع سلفا كير مطلق التصرُّف في بترول ولايته بالتنسيق مع سلفا كير الذي لطالما وظَّف أموال البترول في حروبه ضد خصومه وفي كسب الدعم من المناوئين وهو ما يفتقده اليوم بعد توقف تصديره وزهد الغرب في إهدار أمواله في مستنقع الفساد.

ربما تكون العلاقة مع الشمال إحدى أسباب الخلاف الذي أدى إلى إقصاء تعبان المعروف بعدائه الشديد للشمال أو قُل للسُّودان خاصَّة أنَّ الرجل كان وزيراً في حكومة الإنقاذ عقب مشاركته مشار في توقيع اتفاقية الخرطوم للسلام ثم خرج الرجل ورجع إلى قرنق مع مشار ولام أكول ومنذ ذلك الوقت ظل يناصب الإنقاذ عداءً سافرًا لم يخفّ أو يضعف في أيِّ يومٍ من الأيام.
تعبان دينق يعزو قرار إقالته إلى شكوك تنتاب سلفا كير أنَّ تعبان انحاز مؤخراً إلى مشار وأنَّه عمل خلال زيارته إلى أمريكا على إقناعها بمساندة مشار وإذا كانت القبيلة تلعب دوراً كبيراً في تحديد الولاءات السياسية فإن انتماء تعبان إلى قبيلة النوير التي ينتمي إليها مشار ربما يكون هو الباعث للتغيير بالرغم من أنَّ تعبان كان قد خاض في وقت سابق معارك دامية مع مشار وزوجته إنجلينا التي نافست تعبان في الانتخابات لكنه كسب بدعم من سلفا كير!!
ذلك يعكس طبيعة التحالفات في جنوب السُّودان فحليف اليوم يمكن أن يصبح عدو الغد ثم يمكن أن يعود مرة أخرى إلى التحالف فلا مبادئ تحكم الجنوب وإنما مصالح متقلِّبة كتقلُّب الليل والنهار ولا يتورَّع قادة الجنوب عن استخدام كل الأسلحة في معاركهم السياسيَّة وذلك ما ييسر التعامل مع هذه القيادات لو كان قومي يعلمون!!

لا أُريد أن أتوقف كثيراً عند إقصاء دينق ألور وكوستا مانيبي وزير المالية لكني أُريد أن أشير إلى التطوُّر الأخطر المتمثل في الخلاف الذي نشب مؤخراً بين سلفا كير وكبير أولاد قرنق باقان أموم زعيم الحركة الشعبية قطاع الشمال وراعي مشروع السُّودان الجديد بعد مصرع قرنق فقبل أن يُحال باقان إلى التحقيق في قضية فساد كان الرجل قد انتقد قرار إعفاء دينق ألور وكوستا مانيبي.
على أنَّ أخطر ما صرَّح به باقان في ندوة أُقيمت في جوبا بمناسبة مرور عامين على انفصال جنوب السُّودان أنَّه اعترف بفشل الحركة الشعبية تماماً في إدارة شؤون البلاد وتحقيق تطلعات الشعب!!
إذن فإن كل الرؤوس الكبيرة في جنوب السُّودان اتفقت على فشل سلفا كير في إدارة الحكم وإذا كان ذلك هو رأي قيادات الحزب الحاكم فكيف بأحزاب المعارضة بدءاً من حزب لام أكول (التغيير الديمقراطي) وجبهة الإنقاذ الديمقراطية المتحدة اللذين طالبا الحركة الشعبيَّة بتسليم السُّلطة للشعب وإجراء انتخابات تصحِّح الأوضاع المتردِّية!!
بربِّكم هل يصدِّق عاقل أنَّ الجنوب بحاله الحالي يمكن أن يشكِّل خطراً أمنياً على السُّودان لولا الهوانُ الذي نرزحُ في نيرانِهِ ونتغلَّبُ في رمضائِهِ؟؟
نواصل…[/JUSTIFY]

الطيب مصطفى
صحيفة الإنتباهة