الطاهر ساتي

إجازة مع وقف التنفيذ ..!!


[JUSTIFY]
إجازة مع وقف التنفيذ ..!!

** منذ الجمعة الفائتة والى حين إشعار آخر، أنا في إجازة مع وقف التنفيذ..قد أشرح لاحقا شكل هذه الإجازة وطعمها ولونها ورائحتها، وقد لا أشرح .. المهم، فكرت وقررت قضاء شهر – بلا كتابة – بأي ريف من أرياف البلد النائية..فالحياة في الريف النائي أحلى رغم أنف شح الخدمات، بحيث لا ترى فيه سياسيا يعكر صفو عقلك ويذكرك بالحرب والفقر والنزوح، ولا تقرأ فيه صحيفة تصيبك بالاكتئاب، وهذا وذاك من نعم الله على أهل الأرياف النائية.. ولكن رئيس تحريرنا أفسد تفكيري وصادر قراري بعد نقاش من شاكلة: (إجازة شنو ياخ؟، مافي كاتب محترم في الدنيا دي بيأخد إجازة شهر، امشي ارتاح ليك أسبوع برة الخرطوم وتعال واصل)، أو هكذا حسم النقاش، فوافقت مرغما بعد المفاضلة بين الإجازة وكاتب محترم، وبعد أن عرفت -لأول مرة -بأن الإجازة مسبة وعدم احترام.. وعليه، توكلت على الله واتصلت بالأهل والأصدقاء بكل ولايات السودان مستطلعا عن المكان المناسب لقضاء (أسبوع رئيس التحرير)، فجاءت البحر الأحمر في رأس القائمة.. !!!
** وليطمئن قلبي، اتصلت ببعض أصدقائي رواد منتدى البرش سائلا عن الحال العام بولايتهم، ورواد هذا المنتدى كما عرفتهم وخبرتهم يتميزون بالنقد المبرح لأداء أية حكومة تحكم البحر الأحمر..أحدهم صديقي علي منيب، كان قياديا بمؤتمر البجا ثم صار قياديا بالحركة الشعبية قطاع الشمال ثم التحق بركب الحركة الشعبية جناح لام أكول نائبا للرئيس وأخيرا أصبح مواطنا كارها للأحزاب والحركات، سألته عن الحال العام بالبحر الأحمر، فرد بطريقته المعهودة (والله يا ساتي البلد تمام وفيها سياحة سمحة لكن نحن عايزين تغيير حقيقي وحريات)، فنهرته بمنتهى الاستياء (لا ياحبيب، انت بس العايز تغيير وحريات، لكن أنا عايز فقط الهدوء والبحر والراحة لمدة أسبوع، ممكن ولا أمشي دنقلا؟)، وقبل أن يكمل ضحكته واصلت محذرا إياه (لو سمحت يا منيب تعال لي في الكورنيش زول سياحة، وأنا ما زولك لو عايز تلاقيني زول حريات وتغيير)، ولرحمة الله بي وللطفه بحالي، جاء بعلي منيب الى الخرطوم في ذات يوم توجهي الى بورتسودان..!!
** من المطار إلى الكورنيش، ثم الى إستاد بورتسودان مباشرة برفقة صديقي – وقريبي – خالد علي..وخالد هذا يستحق أن يكون مزارا للنوبيين، وهو ليس بشيخ في خلوة ولا فكي ذي قبة وليس بتمثال في كرمة، ولكنه يصدر المواشي، وتلك تجارة لم يحترفها أي نوبي منذ تهراقا وبعانخي والى يومنا هذا غير صديقي خالد، ولذلك حين يحدثني عن متاعب المحاجر ومشاكل التصدير أحدق فيه مليا بلسان حال قائل (غايتو سبحان الله، وفعلا حكمتو بالغة)، إذ هموم أهلي لا تتجاوز ضرائب النخيل وحرائقها ثم أسعار مواد البناء وكذلك جمارك الإسبيرات ومتاعب الكفيل، ولا أدري كيف غزا خالد ديار العرب وشاركهم مهنة تصدير المواشي ؟.. المهم، باستاد بورتسودان تساءلت (هل المناسبة مباراة قمة أم حفل لمحمد النصري؟)، فالمدرجات – الوسطى منها والشعبية – تضج بالناس والحياة، وكذلك أرض الملعب، فالسواد الأعظم فقط يسمع غناء المطرب وإنشاد الشعراء ولا يرونهم رغم أن المسرح في دائرة منتصف الملعب، إذ هي كثافة لا يعهدها مثل هذا المكان إلا في حال (هلال/ مريخ) أو ( هلال/ حي العرب)، ولكن هكذا دائما الرائع ود النصري والعمالقة الفاتح ابراهيم بشير وحاتم الدابي ومحمد السفلة، أينما ذهبوا جاءتهم الأسر تجرجر أشواقها قبل أفرادها..!!
** وهكذا كان المشهد أسريا ورائعا بإستاد بورسودان، فالأب يجلس بجوار الأم ويحلق حولهما الأبناء والبنات كما النحل حول الأزاهير، ونصف الجماهير يتماوج طربا ويلهب المكان تصفيقا والنصف الآخر يوثق السعادة بعدسات الهواتف السيارة ..وينفض الحفل بعد منتصف الليل بساعة، وينتشر الجمع الغفير الى سوح المدينة الرائعة والنظيفة، ليستنشقوا هواء البحر ويوثقوا مشاهد أمواجه حين يعكسها ضياء الأرصفة، وهم على مقاعد المقاهي والكافتريات يتناولون كل ما هو طيب وحلال بنشوة وسرور..يا لروعة الأهل هنا، بعد منتصف الليل بساعة، تبدأ حياتهم الأخرى في عاصمة البحر الأحمر، بحيث لا تميز الوزير عن الخفير ولا المدير عن الطالب ولا الثري عن الفقير، فالبحر للجميع وكذلك الأناقة الموازية للشواطئ .. وأنا أوثق تلاطم الأمواج ومدها وجذرها، تذكرت حديث أحد أصدقائي بالخرطوم عندما اقترحت له ذات مساء شارع النيل مكانا مناسبا للتلاقي ، قالها هكذا: ( شارع النيل ده هو المكان الوحيد في الدنيا البيجبرك تقعد وانت مدي ضهرك للنيل، وتقعد تعاين في جدران الوزارات والمؤسسات وأسوار الفلل الرئاسية ..لو أصلا كدة ما نقعد في بيوتنا؟)..لقد صدق، إنه سوء التخطيط وأزمة الخيال ..عفوا، مالي أنا والخرطوم ونيلها المحجوب، أمامي البحر الأحمر وجماله كورنيشه على مد البصر.. شكرا نبيلا وعميقا لكل من حولوا عاصمة البحر الأحمر الى جوهرة مدائن بلادي، وشكرا كثيفا لأخي ضياء الدين بلال..صدقا إنها كانت إجازة ، والكتابة فيها وعنها – بعيدا عن تصريحات الساسة وتقارير مراجعهم العام وعرضحالات رعيتهم- مريحة جدا، وهذا ما يعرف بـ(إجازة مع وقف التنفيذ).!![/JUSTIFY]

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]