منوعات

السودان:سوق أبو جهل في رمضان.. عبق التاريخ ووجدان الأمة


عندما يفاخر المصريون باسواق الازبكية الشهيرة وسيدى الحسين والازهر، وتفخر دولة قطر بسوق «واقف» الشعبى الشهير المتوسد الخليج العربى كتاريخ مجيد، وتعتز السعودية باسواق باب شريف، وباريس ببرج ايفل، ولندن بساعة بق بن، وامريكا بتمثال الحرية باعتباره عنواناً لحضارتهم وعراقتها، فإن عروس الرمال وكردفان تفاخر من ضمن ما تفاخر به من تاريخ وتعتزبه، هو سوق ابو جهل الشعبى الشهير الذى فاقت وطبقت شهرته جميع انحاء العالم، فهو يجمع بين جانبيه عراقة الماضى وعبق التاريخ، فالسوق الذى تأسس فى القرن الثامن عشر كان يمثل اقتصاداً للمنتجات الريفية التى يزخر بها اقليم كردفان، وهى منتجات صادر وعملة حرة كالصمغ العربى وحب البطيخ والفول السودانى والسنمكة والسمسم بشقيه الابيض والاحمر، اضافة الى القضيم والنبق الذى اصبح مهماً لصناعة افخر انواع البسكويتات العالمية، ويشتهر السوق ايضا باجود انواع الويكة «الضرابة» واللالوب وابو ليلى ومنتجات زراعية وغابية تفوق الثلاثين نوعاً، اضافة لأجود انواع الجبنة المصنعة فى كازقيل من البيضاء والمضفورة والرومية. وتسمية السوق يقول عنها الكابتن محمد عبد الفضيل الشهير «بدونا» لاعب الاهلى الابيض سابقا وصاحب احدى المحلات العريقة التى اسسها والده، انها تعود إلى هناك عدة روايات، منها ان شخصاً من الظرفاء كان يترسل للنسوان اللائي أسسن السوق، وكان غير متعلم فبدأوا ينادونه بأبو جهل وايضا كانت تطلق كلمة الجهل «ويقولون هذا الشخص قام بجهله» اى قام بطفولته ويتصرف كتصرف الجهال، بينما هناك رواية اخرى تقول ان السوق به كمية كبيرة من النساء غير المتعلمات اى الجاهلات فى ذلك الزمان البعيد الذى لم ينتشر فيه التعليم بعد، لذا سارت التسمية. ويرى رأي آخر أن التسمية على سائق قطار يدعى أبو جهل ولديه شجرة يجلس تحتها جوار السوق، والسوق يجاور محطة السكة حديد، لذا سمي باسم هذا السائق، وإن كان بعض الباحثين امثال خالد الشيخ حاج محمود وموسى شيخ الربع الذى كان جده شيخ السوق، يرون ان هذا الاسناد ضعيف نسبة لأن السوق تأسس فى القرن الثامن عشر بينما دخلت السكة حديد للابيض فى عام 2012م، وايضا يطلق على السوق سوق النسوان او سوق العوين من قبل أهل الابيض القديمة، نسبة لارتياد النسوان له والتسوق فيه فى زمن كان يمثل دخول المرأة في السوق الكبير وصمة عار، اضافة لغالبية المالكات للرواكيب من النساء، كما ان مدينة الابيض كانت تنظم السوق الكبير وهو السوق الافرنجى، وبه متاجر الجاليات من الهنود والشوام والاغريق والارمن واليهود والفرنسيين والانجليز واليمانية اضافة لطائفة الاقباط السودانيين المشهورة بالتجارة. وكانت الأبيض جميلة ونظيفة ومرتبة فى كل شىء حتى اطلق عليها عروس الرمال ومدينة الجمال عكس حالها اليوم تماماً.
وابو جهل يحتدم نشاطه قبل رمضان اى منذ شهر شعبان ورجب الشهير عند الحبوبات «بشهر قصير» حيث يتسوق منه اهل المدينة لحاجيات رمضان وارسال كرتونة رمضان للاهل والاحباب بدول المهجر او مدن السودان المختلفة أو هدايا للاصدقاء. والسوق به جميع مستلزمات الشهر الفضيل مثل الاوانى المنزلية وغيرها، فضلاً عن اسعاره الزهيدة وجودة بضاعته، ويسعى دوماً تجار السوق للمحافظة على سمعة السوق وتفوقه.. اما فى شهر رمضان فالسوق كخلية النحل نهاراً بقدوم اهالى الريف من القرى القريبة لتسويق منتجاتهم، وليلاً يكون عامراً خاصة فى محلات الاوانى والاقمشة والعطور، وبه شيخ العطارين العم محمد اول وعبد الباقى عيسى وقدورة الطاهر واولاد المليح واولاد حسن الجمل وغيرهم. وتنتشر جلسات الانس حول الشاى والقهوة من تجار السوق والاصدقاء او الرواد الذين يستمتعون بقضاء الامسيات بسوق ابو جهل على اصوات ماكينات خياطة جلاليب صلاة العيد او فساتين فرحة العيد، اضافة لزوار المدينة للشراء والتزود بخيرات الريف الكردفانى، وهى محافظة لارث الجدود واحياء لذكريات الماضى والزمن الجميل، لذا يظل سوق ابو جهل هو مفخرة وثروة قومية وتراثية واقتصادية لاهل كردفان عامة والابيض خاصة، ومن زار الابيض ولم يتسوق من سوق ابوجهل كمن قاعد فى الابيض وما عارف ود ابو صفية وين. لذا رمضان فى ابو جهل والتراويح بجامع كرشهلى المجاور للسوق والشاى باللبن والقهوة وام جنقر والحلومر واقاشى دوشكا اشياء لها جمال وراحة بال فى نفوس الصائمين، كما ان الافطار فى سوق ابو جهل فى شهر رمضان له رواده من اهل المدينة والمسافرين والعاملين فى الاسواق، حيث توجد جميع انواع الاطعمة البلدية خاصة العصائد: عصيدة الدخن والدامرقا والجير بملاح النعيمية والتقلية والكول والمرس والروب الأبيض اللوبيا بالبامية، اضافة لقراصة الجداد واللحمة وقراصة الشايقية والبحر، اضافة للمشروبات الشعبية من الحلومر والآبرى الابيض وام جنقر الشهيرة وعصائر التبلدى والكركدي والقضيم والدوم اضافة للمانجو والبرتقال والليمون وغيرها.. وهكذا يمثل شهر رمضان موسماً تراثياً وروحانياً فريداً في سوق ابو جهل الشهير بمدينة عروس الرمال ينتظره الناس عاماً إثر عام.. ورمضان كريم وكل عام وانتم بخير وزوار لسوق أبو جهل .. وتصوموا وتفطروا على خير .
الأبيض: الرشيد يوسف بشير:الصحافة


تعليق واحد

  1. [SIZE=5]واليوم تتمدّد العمارات التي قامت مكان بيوت الجكومة التي باعتها بالمزاد، وتتمدّد ببعض الساحات التي كان يتنفس بها السوق.[/SIZE]

  2. لك الف شكر علي تلك المعلومه النيره ولكن بكل اسف ان تلك الصور هي تخص مدينه الفاشر وليست الابيض