هنادي محمد عبد المجيد

بعض شيء عن الإسلام السياسي


بعض شيء عن الإسلام السياسي
المجتمع الإستهلاكي وقابليته للإختراق :
يظل العدل من أسمى القيم التي يؤمن بها المجتمع السَّويْ ، ويرتكز عليها في كل تشريعاته وتطبيقاته فلا دين بلا عدل ، ولا عدل من دون مؤسسات مدنية بعيدة عن الكهنوت ، وهذا ما لمسناه وعشناه مع المجتمعات المُنتجة ، والتي سبقت إلى الحداثة والتحديث ، إذ نجح كافة أفراد المجتمع في العمل والإنتاج ، ما أعلى مكانة العدل ومنحه صفة البروز والتجلي بمثالية في الدول المُنتجة ، مقابل تراجعه في الدول المستهلكة ونحن منها بالطبع بل كل دول العالم الثالث دول مستهلكة ، وبما أنهم جميعا مستهلكون فلا غرابة أن يتسموا ببناء فكري فسيفسائي وقابل للإختراق ، من خلال استغلال العاطفة الدينية ،ولربما لو ظهر تيار الصحوة في تركيا أو ماليزيا لاحتاج إلى عقود طويلة لكي يتغلغل في أوساط الناس ،وربما تبناه بعضهم لا حقا كخيار حياتي أو رفضه حين يكتشف سر اللعبة ،ومن يقف وراءها ،بينما نجح المنظرون هنا والمخططون يبننا في تحقيق غاية نكوص المجتمع وارتداده للخلف في قلب المفاهيم وتحوير مشاعر الناس في أقل من عشرة أعوام ، وانشطر الناس إلى فسطاطين ، ملتزمون ، ومارقين من الدين لتبنيهم مناهج الكفار والمنافقين ، ما أسهم في علو صوت الولاء والبراء الذي لم يُعرف سوى في أدبيات الصحويين ،ولعلهم سبقوا بوش الإبن في شعاره ” إن لم تكن معنا فأنت ضدنا” علما بأن النصوص الدينية في الكتاب والسنة تحرم أذية المخالف مهما بلغت درجة الخلاف معه .
بدء ظهور الإسلام السياسي :
بالرغم من وجود دول في التاريخ كانت تستند في إدارتها الداخلية والخارجية وتوجهاتها السياسية إلى الشريعة الإسلامية ، فإن حركة الإسلام السياسي بمفهومه الحديث ظهرت بعد انهيار الدولة العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى وقيام مصطفى كمال أتاتورك بتأسيس جمهورية تركيا على النمط الأوروبي وإلغائه لمفهوم الخلافة الإسلامية في تاريخ ٣ آذار مارس ١٩٢٤ ، ورفضه العمل بالشريعة الإسلامية وتصفية كثير من رموز الدين والمحافظين ، لتنتشر في العالم الإسلامي مؤشرات تراجع تطبيق الدين الإسلامي في ظل وجود انتداب للدول الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى على عدد من الدول العربية والإسلامية ،إضافة إلى نشوء حركة القومية العربية على يد القوميين العرب في عدد من الأقطار العربية ،وفيما بعد بروز شخصيات قيادية منها جمال عبد الناصر القائد الكارزمي الذي استحوذ على ألباب العرب ، وغدا معظمهم يتغنى به بصرف النظر عن مدى تدينه ، ومستوى تمسكه بأخلاق الإسلام ، إضافة إلى ظهور حزب البعث العربي الإشتراكي المنتمي لفكرة القومية العربية بعيدا عن مبادئ ( دين الإسلام) ما أثار التنافس باسم الدين بين بعض الدول لتنشأ تدريجيا دول عربية وإسلامية مستقلة يظهر فيها تفاوت في مدى تطبيق الشريعة الإسلامية ،وتباين لدورها في رسم سياسة الدولة ، وكان التوجه العام في تلك الفترة نحو العلمنة ببعدها التطبيقي لا بمفهومها النظري ، ولم يكن هذا المنحى مقبولا لدى العديد من المواطنين المسلمين في الدول العربية ،مع الأخذ في الإعتبار أن نشر الأفكار القومية العربية والعلمانية في بعض الدول مثل مصر في عهد جمال عبد الناصر والعراق في عهد حكم حزب البعث ،رسخت أفكارها بالقوة ومن لم ينتم لتلك الأحزاب يصنف في خانة الخونة والمارقين ،ليظهر فيما بعد أن معظم مجتمعاتنا العربية تساق أو تدفع بإتجاه مطامع الساسة والمنظرين دون اختيار منها أو قناعة .
ضحالة الجانب المعرفي في الإسلام السياسي :
لم يبن تيار الصحوة مشروعه الدعوي التحريضي على المعرفة ، بل اعتمدوا تفعيل العاطفة من خلال افتعال الخطر الداهم على العقيدة من قبل التيارات الأخرى ،وبرغم أن القرآن رفع مرتبة ومكانة العلم الذي يعني إعمال العقل ،وفهم الخطاب بأدوات معرفية ومنهجية حيادية وغير منحازة مُسبقاً ، فإن خطاب تيار الصحوة نجح في استلاب القارئ واستدرار عاطفته ، ما أنتج تقديساً لهذا الخطاب الرجعي ، وتشويها للخطابات الأخرى الموازية أو حتى المتقاطعة مع خطاب التيار في الفكرة كالخطاب الصوفي ، أو التبليغي ، أو العقلاني ، ولم ينج الأدب من التشويه ،ووصمه ومنتجيه بأشنع وأقبح الألفاظ السائغة الترويج من الكفر والفسق والفجور والخبث ، والردة والزندقة ومرد ذلك إلى كون بعض المجتمعات العربية مجتمعات منغلقة ، إبان بروز تيار الصحوة وجاهلاً بمصطلح التعددية ،وعدم توفر بديل ملائم لطموحات جيل نهم وقابل للثورية وهدم ما اصطلح على “ثبوتيته وقطعيته “،بينما هو لا يخرج من دائرة الظني ، خصوصا من منتصف ثمانينيات القرن الميلادي الماضي ،ما منح الصحويين فرصة انتهاز الوضع وتمرير الخطاب الصحوي الإسفنجي لإحتواء حماسة مجتمع بأكمله ،وتعبئته مجددا وتوظيفه للتبشير بخطاب الصحوة وعودة دولة الخلافة ،ما أحبط الجهود التنويرية في خضم تقاطع مصالح السلطة الحاكمة والسلطة الدينية كون السلطة تخشى ظهور تيارات سياسية ليبرالية تناقش القضايا العامة ، وأكثر ما يُؤرق السياسي هنا مناقشته في المشاركة الشعبية في صنع القرار والمال العام وفصل السلطات ،ولا ريب أن أصوات تنويرية وإبداعية اختفت أو خفتت خشية الوقوع في فخ الصحويين المُسَيَّج بفتاوى سياسية ودينينة تبيح قتل من خالفهم بدعوى الهرطقة والخروج على دين الجماعة وشق عصا الطاعة واستحضار الشياطين والتعاون معها من أجل إضلال عباد الله الصالحين ،وبالأخص في تلك الحقبة التي علا فيها صوت الديني وتراجعت همة السياسي .
كانت تلك الكلمات للمفكر السعودي الدكتور عبد الله محمد الرباعي في كتابه ( الصحوة في ميزان الإسلام ، وعاظ يحكمون عقول السعوديين) الذي وصف فيه ما أطلق عليه الصحوة الإسلامية وانتقدها كمحاولة فاعلة لتصحيح الذات وتعديل المسار بالكشف عن بعض نقاط الضعف التي اعترت الأمة الإسلامية ، وهو كاتب مُعتدل في أفكاره بعيد عن التطرف ميال للمناقشة الموضوعية البعيدة عن أي مؤثرات خارجية أو داخلية ، وهي دعوة مني لكل قارئ حاذب أن يطلع على هذا الكتاب ففيه الجديد المفيد ، ولنا لقاء

هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]


تعليق واحد

  1. عفوا عزيزي القارئ : مؤلف الكتاب هو : الدكتور ( علي محمد الرباعي) وهو خلاصة أطروحته لرسالة الدكتوراه .