تحقيقات وتقارير

مصر.. الديمقراطية تُنحر في ميادينها.


[JUSTIFY]ما حدث بالأمس بميداني “رابعة العدوية” والنهضة في مصر من إراقة دماء وفض لاعتصامات سلمية بالقوة، يعيد للأذهان سيناريوهات قديمة كانت قد نفذتها السلطات السياسية في مصر آنذاك في مواجهة الأخوان رغم تركيزهم على النواحي الدعوية. وتعارف الناس عليها من خلال وثائق تاريخية روت قصة ما دار من مواجهات، ويؤكد بالمقابل أن الأنظمة العسكرية في مصر ما زالت تتعامل مع الإخوان المسلمين وفقاً لخلفيات الأنظمة السابقة، رغم التحولات السياسية التي شهدتها مصر مؤخراً، وإذا عدنا بالذاكرة السياسية نجد أن مؤسس جماعة الإخوان المسلمين “حسن البنا” اغتيل من خلال مؤامرة مجهولة شاركت فيها أطراف كثيرة في عهد الملك “فاروق”، نسبتها بعض المصادر إلى الإنجليز، وحينها كان الإنجليز موجودين في مصر، فيما تحدث آخرون عن أن تدابير اغتياله تمت بواسطة أحد الوزراء، وبعد إصابته تماطلت السلطات في إسعافه، هذا الاغتيال يشير بوضوح إلى كيفية العلاقة بين جماعة الإخوان والسلطات العسكرية الحاكمة في مصر ونهايات مآلاتها التي غالباً ما تنتهي بإراقة دماء، كذلك استهداف إمامها يؤكد خوف الأنظمة من خطر قياداتها.
وحتى بعد زوال الحكم الملكي في مصر لم يسلم الإخوان المسلمون من بطش الحكام حيث دخل رئيس مصر الأسبق “جمال عبد الناصر” في مواجهات دامية مع جماعة الإخوان المسلمين قتل فيها أئمة ودعاة ومفكرين كان أبرزهم الشهيد “سيد قطب” وأبرز الدعاة “عبد القادر عودة”، والبعض الآخر كان إما تم قتله أو تعذيبه، وهذه السياسة أثبتت كذلك فكرة الخوف من تمدد الجماعة، وواصل الرئيس “السادات” الذي جاء خلفاً لعبد الناصر سياسة محاصرة جماعة الإخوان، والحال كان كذلك بالنسبة للرئيس المعزول “محمد حسني مبارك” الذي ما زال مناصروه يحظون بتأييد من مراكز القوى؛ مما جعل الناس يتحدثون عن عودة نظامه من نفس البوابة التي خرج منها، فمن كانوا بالأمس يطالبون بخروجهم من السلطة أصبحوا اليوم يدعمون سياساتهم.
إبادة جماعية
استيقظ المصريون أمس على دوي الرصاص المنطلق تجاه ميداني “رابعة العدوية” و”النهضة”، ويبدو أنه بعد تردد دام عدة أيام حول ما يمكن فعله لهذه الميادين خاصة بعد التحذيرات التي صدرت من جهات دولية وحقوقية انتصر رأي المناصرين للمواجهة والاقتحام، ورغم إدراك سلطة “السيسي” لردود الأفعال التي يمكن أن يفرزها هذا الفض، إلا أن خوفها من خطر المعتصمين الذين أصبحت أعدادهم في تزايد ربما دعاه الى التعجيل بهذه الخطوة التي كان مقرراً لها صباح (الاثنين) الماضي، لكن يبدو أن التسريبات الإعلامية دفعت المخططين إلى تأجيلها إلى يوم أمس. ووفقاً لما ورد من أخبار عبر الوسائط الإعلامية فإن عدد القتلى بلغ مئات الأشخاص، بينما سقط آلاف الجرحى ومن بين القتلى أسماء ابنة القيادي بجماعة الإخوان المسلمين دكتور “محمد البلتاجي” الذي دعا المصريين للنزول إلى الشوارع لما سمَّاه وقف الدم. ومن ناحيتها دعت الجماعة لمواصلة الاعتصامات السلمية، وبعد عملية الفض ارتكزت السلطات حول الميدانين وهناك حديث عن وجود جماعات محاصرة برابعة العدوية وحديث آخر عن فتح ممرات لبعض الراغبين في الخروج الآمن، فيما انتقلت الجماعة إلى ميدان “مصطفى محمود” وسط تضييق من قبل الشرطة والأجهزة المختصة، وسادت الشوارع فوضى عارمة نتيجة لعملية الكر والفر التي تتم بين السلطة ومنسوبي الجماعة؛ الأمر الذي دعا الرئاسة الى إعلان حالة الطوارئ لمدة شهر وجعل صلاحيات حفظ الأمن من اختصاصات الجيش والشرطة.
تفاصيل يوم دامٍ
أكدت روايات عديدة أن قوات الأمن بمساندة من الجيش المصري اقتحمت اعتصام” رابعة العدوية” مرتكبة مذابح بشعة بحق مؤيدي الرئيس المعزول “محمد مرسي”، بعد أن أحكمت السيطرة على ميدان النهضة وسط اشتباكات دامية وقعت بين الطرفين، وعمد بعض المعتصمين إلى رشق القوى الأمنية بالحجارة وإطلاق النار.
وعملت جرافات تابعة للأمن على إزالة الحواجز في محيط الاعتصامين. وأظهرت لقطات تلفزيونية قيام قوات الأمن المصرية بإطلاق الرصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المعتصمين في “رابعة العدوية” والنهضة.
جدل حول شرعية فض الاعتصام
المصريون من جانبهم اختلفوا حول شرعية عملية الفض، حيث تمسك بعضهم بصحة ما أقدمت عليه السلطات؛ بحجة عدم شرعية الاعتصام، فيما اعتبر آخرون ما حدث بمثابة جريمة يحاسب عليها القانون الدولي. وتطابقت هذه الرؤية مع ما أكده لـ(المجهر) المحامي المعروف “أبوبكر عبد الرازق” حيث قال: (ما حدث بميداني “رابعة العدوية” والنهضة يقع تحت طائلة نظام روما الأساس للمحكمة الجنائية الدولية تحت مسمى جرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في استخدام القوى ضد مدنيين عزل فضلاً عن أن نظام روما يجرم هذه الأفعال ضد أسرى الحرب ويعاقب عليها، والجرائم ضد المدنين هى أنكى وأدهى وأمر)، وأعتقد “أبوبكر” أن هناك جهات محلية ودولية تواطأت لتنفيذ هذه المجزرة، وجزم بأن ثبات جماعة الإخوان المسلمين في الميادين مطلوب، وسيكون بمثابة الظلمة التي تسبق انبلاج الفجر لأنه سيفضي إلى انهيار الحكومة- أو كما رأى.
وفي السياق، أكد المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين “أحمد عراف” التزام مؤيدي الرئيس المصري المعزول “محمد مرسي” بالسلمية وعدم الانجرار إلى العنف، في حين تواصلت ردود الفعل المنددة بسقوط قتلى وجرحى بعد بدء قوات الأمن هجوماً مفاجئاً صباح أمس على المعتصمين في ميدان “رابعة العدوية”.
وقال “عارف” في اتصال مع الجزيرة من ميدان “رابعة العدوية”: (سنبقى ملتزمين بسلميتنا، ولن ترهبنا آلة الرصاص والقتل التي يتوخاها الجيش) مضيفاً: (لدينا قضية عادلة، لن تسقط لا بالدماء، ولا بمرور الوقت.. نحن في عصر جديد ذاقت فيه الشعوب طعم الحرية.. صيغة البقاء للأقوى تجاوزها الزمن، ولن تثنينا عن التمسك بحقنا)، فيما اعتبر حزب مصر القوية الذي يتزعمه “عبد المنعم أبو الفتوح” الهجوم على اعتصامي “رابعة” والنهضة جريمة تتحملها السلطة الحالية، وشدد المؤرخ والباحث السياسي “محمد الجوادي” على أن وقف نزيف الدماء في مصر لن يتم إلا بالضغط الدبلوماسي الدولي، مستبعداً أن تنجح المبادرات والحوار الداخلي في وضع حد للأزمة. كما أكد أن “الصمود هو السبيل الوحيد لإيقاف الجبروت والغطرسة”.
مصر ما بعد 30 يونيو
التطورات التي شهدتها مصر وانتهت باندلاع أحداث دموية تجعل مستقبل مصر مفتوحاً أمام الخيارات كافة، خاصة على ضوء عدم اعتراف دول عديدة بالأوضاع السياسية الجديدة، وحتى التي اعترفت ما زالت مترددة في توصيف ما حدث هل هو انقلاب على الشرعية، أم أوضاع جديدة يمكن أن تخرج بمصر إلى بر الأمان، وقد برز ذلك من خلال تصريحات متقاطعة لمسؤولين أمريكيين وأوربيين قلبهم مع سلطة “السيسي” وعقلهم مع ما يطلقونه من شعارات تمجد الأنظمة الديمقراطية.
وعلى مستوى السودان سيرت جماعة الإخوان المسلمين وجبهة الدستور ومجموعة “سائحون” مسيرة إلى السفارة المصرية في السودان أكدوا خلالها دعمهم للجماعة ورفضهم لأسلوب العنف، إلا أن الدول العربية الأخرى يبدو أنها متحفظة على ما تم بالميدانين؛ “رابعة العدوية” والنهضة.
وعلى المستوى الداخلي المحلي فقد تترتب كثير من المخاطر جراء اتخاذ قرار فض الميدانين ابتدرها في الحال دكتور “محمد البرادعي” متقدماً باستقالته احتجاجاً على ما حدث، ويذكر أن “البرادعي” كان قد تعرض لهجوم في الفترة الماضية من قبل جبهة الإنقاذ كذلك ربما تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة التوترات على الحدود خاصة في سيناء التي ظلت تشهد توترات طيلة الفترات السابقة.

تقرير : فاطمة مبارك:صحيفة المجهر السياسي[/JUSTIFY]


تعليق واحد

  1. عمر البشير لم يفعل ‘ سيسي’ واحد من مافعله السيسي المصري
    وبالرغم من كده ادانته المحكمه الجنائيه !!!
    مالكم كيف تحكمون؟