الفاتح جبرا

يحدثونك عن الفقر


[JUSTIFY]
يحدثونك عن الفقر

عزيزي القارئ .. بعض المقالات (مسبَِّكة) و(مكربَِّة) تجد في قراءتها لذة ومتعة وموضوعية .. هذا المقال لصديقي سعادة السفير عوض محمد الحسن أستأذنه في إعادة نشره (من صحيفة سودانايل الاليكترونية) فهو مقال (رائع) بكل ما تحمل الكلمة من معان .. يقول فيه :
عشت قسطاً وافراً من حياتى فى السودان ومصر وإثيوبيا مُحاطاً ، بل مُحاصراُ، بالفقر. ليس الفقر العادى ود الناس الذى نشأنا فيه نحن السودانيون، أو مُعظمنا، بل الفقر الذى تحدّث عنه سيدنا على، وهدد بقتله إن كان رجلاُ ؛ الفقر المُدقع الذى يذلّ الرجال ويمتهن النساء ويئد أحلام الأطفال ومستقبلهم؛ الفقر الذى يُورث الجهل والمرض، وربما يقود الى السرقة والتسول ودعارة الجسد والنفس والجريمة ، وإلى الذلة والمسكنة والمهانة لا شكّ؛ الفقر الذى يجعلك تبيت القوى دون أن تدرى من أين ومتى ستأتى الوجبة التالية؛ الفقر الذى يجعل عملك، إن وجدت عملا، قاصما للظهر لا يكاد يسد رمقك ويستر عِريك ويحمى قدميك ويريح جسدك المنهوك ويغسل أدرانك ويجعل لك سقفاً يحميك من المطر والزمهرير؛ الفقر الذى يفقدك العشم فى الغد ويسد أمامك كل المنافذ.
والفقر في السودان ليس بالأمر الطارئ، فمعظم أهل سودان الزمن الطيب كانوا فقراء فقرا ماديا ينعكس في بساطة مأكلهم وملبسهم ومسكنهم ومطالبهم، وفي بساطة تديّنهم وصدقه، وفي شهامتهم وصفاء ودّهم. كان فقرا محصناً بالتعفف وعزة النفس مما يمنعهم عن مدِّ يدهم للغير، ومدِّ يدهم لمال الغير،خاصّا كلن أم عامّا، وعن الحسد واستراق النظر لما في يد الغير، وفي قناعتهم التي تجعل نومهم لا تؤرقه هموم المعيشة وأعباء رعاية اسرهم. ثمّ عصف بأهل السودان هذا العهد الأغبر، وبرز لنا أثرياء الحرب والسلام، وفرسان المال العام، وغُزاة الجهاز المصرفي، وآكلي السحت وأموال اليتامى، يتطاولون في البنيان ويتفاخرون بكسبهم الحرام، بينما ازداد عدد الفقراء واختلفت نوعية الفقر وحدته وأثره على النفوس والسلوك والقيم؛ فالفقر المُدقع الممزوج باليأس، في وسط الغنى الفاحش الذي يعرف الناس مصدره، يأكل القيم كما تأكل النار الحطب. وانظر حولك وتفكّر في إحدى مُسلّماتنا التي تقول أن الحُرّة تجوع ولا تأكل بثديها!
حين تبلغ نسبة الفقر نحو نصف سكان السودان (وفق إحصاءات ديوان الزكاة)، لا يُحارب الفقر بالصدقات والهبات، ولا بالدواوين والمؤسسات والجمعيات الخيرية التي تذهب جُلّ ميزانياتها لمقارّها وسياراتها وللعاملين عليها، بل يُحارب بتحمل الدولة لمسؤولياتها في تمكين الفقراء بتوفير التعليم الجيّد المفيد، والرعاية الصحيّة الجيّدة، وفي ارساء قواعد العدالة وحُكم القانون، وفي اجتثاث أُسس الفساد والإفساد (الذي يأكل، هوالآخر، موارد البلاد كما تأكل النار الحطب)، وفي بناء اقتصاد مُنتج مُزدهر يفتح الفرص المتساوية وأبواب الرزق الحلال أمام الجميع.
رحم الله سيدنا على .كان ثاقب البصيرة. قال: لو كان الفقر رجلا، ولعلّه كان يعلم أن الفقر- فى خاتمة المطاف-رجل أو رجال بعينهم، يتصدون لإدارة شئون الرعية، مدعوّين أو غاصبين، فيعلفون الناس كلاماً ووعوداً بالإنقاذ والخلاص والتنمية والرفاهية، ثم لا يلبثوا أن تفتنهم مباهج السُلطة وحلاوتها (أمانِي ما هِي حِلوِي)، فينسون ما وعدوا، ويعميهم النعيم الذي يعيشون فيه عن رؤية معاناة مواطنيهم وفقرهم ويأسهم الذي يدفعهم إلى إراقة ماء وجوههم بسؤال الناس، اقارب وغرباء، أعطوهم أم منعوهم. ثم يدعكون الملح في الجرح، فيذكّرون مواطنيهم الذين أعيتهم الفاقة والذلة أن يحمدوا الله لأنهم يعيشون رغد العيش ويأكلون من الطعام أفضله ويمشون في الأسواق المتخمة ببضائع الصين والهند والسند.
إذا حدثوك عن الفقر، وعن استراتيجيات الحد من الفقر، وخطط خفض الفقر، وجهود إزالة الفقر، وبرامج محو الفقر، وعن نسبة الفقر وأصنافه وأشكاله ومقاييسه وأوزانه، إقرأ هذا المقال مرة أخرى، واعطه لمن حدّثك عن الفقر، وانصحه بقراءته عسى أن يصمت ويكف عن دَعْك الملح فى الجروح النازفة، وذكّرْهُ ان الجروح قصاص!

كسرة (من عندي):
الما بفقرنا شنو يا سعادتك مع الضرب البدون رحمة ده .. 300 مليون دولار و50 مليون دولار وكم كده ما عارف .. وده حالتو الإنكشف بالصدفة خليك من (المغطى) !

كسرة(ثابتة) : أخبار الخط شنو يا لجنة التحقيق؟[/JUSTIFY]

الفاتح جبرا
ساخر سبيل
[email]gabra-media@hotmail.com[/email]


تعليق واحد

  1. One of the best article you ever qoute ,i would like to share an idea with all of you:
    دعنا من الاستراتيجيات والاليات لمحاربة الفقر ودعونا نتشارك فيما نملك سواء ان كان جهدا (نعمل علي تعليم الفقراء او مساعدتهم في اعبائهم) او مالا حسب المستطاع وحسب ما نقدر(ملابس قديمة ونتشارك الطعام) هذه ليست مثالية ولكنها واقع نتعايشه حقيقة نحن السودانيين فقط نحتاج ان نستحضره مره اخري من غياهب النسيان

  2. [SIZE=5]في هذا العهد ظهرت مجموعة كبيرة من حديثي النعمة ..ينكشف بتصرفاته[/SIZE]