الطاهر ساتي

تعلم : كيف تعمل صامتاً ..!!


[ALIGN=JUSTIFY][ALIGN=RIGHT]تعلم : كيف تعمل صامتاً ..!! [/ALIGN] ** الأثنين قبل الفائت ، مالم تسقط من ذاكرتك ، كتبت لك صديقي القارئ نصا غامضا تحت عنوان العدو غير المرئي ، وأعذرني على إعادة ذاك النص ثم الغوص فيه .. هكذا كان النص ..( ليس غريبا عن الديار ذاك الذي يعقد مؤتمرا صحافيا كل عام ليتحف الناس والصحف برقم فلكي تحت مظان أن ذاك الرقم هو عدد المحتضرين في بلادي جراء ذاك الداء اللعين ..وقبل أن يفيق الجمع الحاضر لمؤتمره من هول الرقم ، يلطمهم برقم آخر ، أكبر من ذاك ، بمظان انه عدد الحاملين لفيروس ذاك الداء في طول البلاد وعرضها ..هكذا يلطم الناس بالأرقام ، ونحتفي بها في صحفنا ، وفيما بعد نكتشف بأن الرجل ضرب الأرقام الحقيقية في تسعة أوعشرة لكي تخاف وزارة المالية وتفتح له خزائنها ، ليرتوي منها بغير حساب ..لا نسأل ذاك ولا أنفسنا : كيف ومتى وأين تمت تلك الاحصائيات الدقيقة في بلد ثلث شعبها لايمكن الوصول إليه حاليا ..وهكذا يطل ذاك المؤتمر كل عام ، حاملا تلك الأرقام الفلكية التي في غمرة الاحتفاء بها ننسى أو نتناسى مايمكن أن تحدثه آثار الاحتفاء فى المحيطين الاقليمي والعالمي تجاه البلد والناس ..أرقام تظهر الشعب وكأنه يقطن في مأخور وليس في وطن أقيم ما فيه قيم شعبه ومكارم أخلاقه ..والسبب أن البعض يأبى إلا أن يكون عدوا لنفسه ووطنه وشعبه بتقديم ( بند الخم ) على ( بند الهم ) .. ولكي لاتنسى، تابع المؤتمر الصحافي المرتقب للاعلان عن أرقام فلكية أخرى في ..أسبوع توزيع الميزانية … ) …!!
** تلك فقرة من زاوية الأثنين قبل الفائت ..ومعا ، نواصل الغوص ، ولم يخيب البرنامج القومي لمكافحة الإيدز الظن أبدا ، حيث أتحفنا يوم أمس بأرقامه الفلكية ، وكما تعلمون بدأت مؤسسات الدولة وأجهزتها تهرول نحو الكيكة المسماة بالميزانية العامة ، وبرنامج مكافحة الإيدز لم يخيب الظن عندما يعلن هرولته بإطلاق تلك الأرقام الفلكية عبر صحف الأمس .. لسنا أنبياء ولا منجمين ، ولكن بحكم الرصد والمتابعة نعرف طرائق تفكير بعض العقول الحكومية ، ولذا كتبنا مقال العدو غير المرئي ، وها هو يتجلى للجميع بما يلي : ..رفع مدير البرنامج نسبة المساجين المصابين بالإيدز من 2% في العام الفائت إلي 6.8 في هذا العام .. ورفع نسبة المصابين عبر مراكز الفحص الطوعي من 1.47% فى العام الفائت إلي 11.47% في هذا العام .. هكذا رفع مدير المكافحة الأرقام إلي قمة لن تكون هي الأعلى ، فللعام القادم أيضا قمة أعلى من تلك ، ولك أن تتخيل ، صديقي القارئ ، نسبة الزيادة في تلك الفئتين – السجناء والمتطوعين – خلال عام واحد فقط لاغير، أو كما تقول أرقام مدير المكافحة .. وكما قلت في تلك الفقرة بأن أرقامه الفلكية دائما ما تأتي بصحبة الميزانية المطلوبة للمكافحة ، لم يخيب مدير البرنامج ظني أبدا ، حيث يطالب بمبلغ قدره سبعة ملايين دولار هذا العام فقط للمسح الشامل ، لقد ارتفعت الميزانية أيضا كما الأرقام ..وهذا متوقع في موسم …( توزيع الميزانية ) ..!!
** لن أشك في أرقام مدير المكافحة ، رغم أن للكل حق الشك حتى تستبين الحقيقة وطرائق الإحصاء ومدى دقتها ، فتلك ليست أرقام منزلة من السماء ، ومع ذلك لن نشك ..ولكن نسأل المدير بكل براءة : إن كانت تلك الأرقام الفلكية تتصاعد بتلك السرعة الصاروخية كل عام ، ماذا يعمل سيادتك والعاملون معك أثناء ساعات العمل الرسمية ..؟.. بمعنى ، أين المكافحة ، فعلا وواقعا في حياة الناس وليس اسما وشعارا لاستلام الميزانية ..؟..أم تظن بأن إرهاب وزارة المالية بتلك الأرقام الموسمية هو المكافحة ..؟.. لا يا سيدي ، فالمكافحة في برنامجكم ما لم تكن شعارا وترهيبا فقط لاغير هي أن تخفض سيادتك تلك الأرقام سنويا أو تجمدها بلا زيادة .. وليس من العدل ولا العقل أن تتناسب أرقام الداء مع أرقام الميزانية تناسبا طرديا كل عام ..وإن كان الأمر كذلك ، فلماذا يهدر الشعب أمواله كل عام في برنامج فاشل يعجز عن محاصرة الداء وتخفيض نسبته .؟.. تلك هي أسئلة العقل السوي ما لم تكن أرقامك وهمية ، أو هي أرقام عالية فقط مراد بها ميزانية عالية ، وإن كانت تلك هي الغاية فأعلم بأن الوسيلة غير كريمة في حق الشعب السوداني وسمعة بلده ، خاصة حين تحتفي بها صحف الدنيا والعالمين ..!!
** وبغض النظر عن كل هذا ، ألا يعلم البرنامج القومي لمكافحة الإيدز أن هناك أشياء في حياة الشعوب معالجتها تقتضي الحكمة والتروي في تناولها بلا ضجيج أو تهويل ..؟.. أليس من مكارم الدين أن يقضي المسؤول بعض حوائج شعبه ووطنه بالكتمان ..؟.. إن كان عقل برنامجكم يعجز عن فعل ذلك فليتعلم .. فلا يسعدنا إطلاقا أن تضع دولة عربية فحص الإيدز شرطا أساسيا لتجديد إقامة السودانيين ، كما الحال في دولة عربية شرعت في ذلك بحياء منذ أسابيع ..ولم تشترط ذلك إلا في السوداني والبنغالي ..تأمل هذا البؤس النابع من سوء إدارتكم لقضية هى ليست بكارثة حين تقارنها بذات القضية فى كل الدول الأفروعربية ، ولكن بثرثرتكم غير الواعية والمشكوك فيها، وضعتم اي سوداني بتلك الدولة فى موضع : ( مدان حتى يثبت براءته ) …هكذا الحال .. وما أسوأ أن يشكل الحال ..( الجهل بفن الإدارة ) ..!!
إليكم – الصحافة الاربعاء 12/11/2008 .العدد 5528
tahersati@hotmail.com [/ALIGN]