جعفر عباس

عن الوساخة والنظافة الدولية


[JUSTIFY]
عن الوساخة والنظافة الدولية

في عددها للأسبوع الأخير من إبريل المنصرم، جعلت مجلة نيوزويك الأمريكية من الفساد في أوروبا موضوعا للغلاف، وحوى الموضوع قائمة بالدول التي ينخر فيها الفساد بمعنى تفشي الرشوة والاختلاس ونهب المال العام، تحت تصنيفات أربعة هي: دول «كاملة النظافة» وتشمل فنلندا والدنمارك وسنغافورة والسويد، ودول «نظيفة»، وتشمل النرويج وسويسرا وبريطانيا والولايات المتحدة، ودول نُص نص وهي المانيا واسبانيا وفرنسا وبلجيكا وبتسوانا ودول «وسخة» أو «ديرتي» كما جاء في المجلة وهي ايطاليا وناميبيا وتونس واليونان ودول قذرة او «فِلثي» كما قالت نيوزويك وتشمل روسيا وتنزانيا واوكرانيا ونيجيريا وفي ذيل القائمة تأتي بنجلاديش، ووجود دولة عربية واحدة ضمن قائمة الدول التي يتفشى فيها الفساد المالي والإداري لا يعني أن بقية الدول براء من تلك التهمة بل قد يعني انه من فرط ان الفساد فيها مؤسسي ويشكل عماد وأساس التعامل فان مواطنيها لا يرون فيه ما يستوجب الشكوى او الململة! وعموما فإن من يكون محاطا بالزبالة تكون مقاييس النظافة عنده مختلة.
في مطار عربي كنا في حالة عبور «ترانزيت»، ولكن موظف الجمرك كاد ان يمنعنا من مجرد الانتظار في المطار، لأن ولدي كان يحمل 12 إصبع بطارية جافة خاصة بجهاز ووكمان الصغير (هل تذكرون ذلك المسجل الصغير ابو سماعات الذي صرعه الآيبود؟) وظل الواقفون خلفنا يتململون بينما كان صاحبنا يوجه إلينا عشرات الأسئلة عن مبرر حمل الولد لذلك العدد «الهائل» من البطاريات التي لم يكن سعرها يزيد على دولارين وانتهى الفيلم الهندي بأن قام بمصادرة بطاريتين، فقدمت إليه ثلاث بطاريات أخريات قائلا: معك حق فكثرة البطاريات تفسد الأخلاق فخذ هذه أيضا، فتناولها شاكرا وتحول المحقق البوليسي إلى كائن مهذب يبتسم ويقهقه في بلاهة بل استدعى أحد العمال ليحمل عني حقيبة يدي.
وفي مطار عربي آخر فوجئت بأن الطائرة المتجهة إلى الخرطوم لا تسمح للراكب بأكثر من حقيبة كبيرة واحدة، وكانت معي ثلاث حقائب اثنتان منها تخصان صديقا جاء معي إلى المطار لسداد كلفة تحميلهما، فقرر صاحبي العودة بحقيبتيه وفجأة جاءنا شاب يلبس شارة المطار وقال لنا: لا بأس ضعوا الأمتعة في الميزان فجاء وزنها نحو 150 كيلوجراما، وشرع صاحبي في فتح محفظة نقوده لسداد قيمة نحو 125 كيلوجراما، ولكن الشاب ابن الناس قال لنا اننا لن ندفع شيئا على الحقائب الثلاثة لأننا ازوال، والأزوال طيبون فشكرته شعرا ونثرا وزجلا، ولكن صديقي قال إن الشاب المطاري لم يقم بكل ذلك حبا في بني السودان وقرر ان يمنحه بعض المال فغضبت من سوء ظنه بالرجل وتوجهت نحو حاجز الجوازات و.. «عينك ما تشوف إلا النور».. فلفلوا حقيبة يدي وجيوبي الأنفية وقالوا انهم يشكون في ان جوازي مزور، ولمحت الشاب الشهم يراقب ما يحدث لي وكان لدهشتي مبتسما، فاستنجدت به، فأدرك عندئذ أنني غبي وقال لي صراحة: خلي عندك دم وأظهر تقديرك للخدمات التي قدمت لك وإعفائك من كلفة الأمتعة الزائدة!! أنا جعفر عباس الذي لا يبوس ولا ينباس ولا يرتشي ولا يرتاش ادفع رشوة؟ قلت له بصوت واضح جهوري: أعد أمتعتي إلى الميزان يا جبان او أعد إلي جوازي لأنني لن ادفع رشوة!! وسمع صياحي حتى قباطنة الطائرات التي كانت تحلق حول المطار، هنا حدثت المعجزة وأعيد الجواز إلي مع الاعتذار!
هذا فقط عن فساد الصغار أما فساد الكبار فمسألة لا تحتمل «الهزار».
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]


تعليق واحد

  1. أخونا الأستاذ جعفر عباس الذي لا يبوس ولا ينباس على الإطلاق ، أرجو أن تحدثنا عن زيارتك الأخيرة في مقالك القادم وخصوصاً أننا سمعنا بأنك عازم على العودة النهائية إلى السودان .

  2. يا ابو الجعافر حتى لو جوازك مزور انت شكلك يكفى لا نتمائك لبنو عبس السوادنه ولا تحتاج لجواز فبشرتك ولهجتك جوازك للمرور اكثر من الورق واما التصنيف الامريكى او الاوروبى للفساد والمفسدون فهم لهم معايير وتونس كانت فى عهد الزين الهارب كانت من انظف الدول والان تغيرت النظرة

  3. الفساد الإداري والمالي التي تمارسه الديكتاتوريات العربية قديما” وحديثا” هاهي تقطف بعض منها ثمراتها عبر (الربيع العربي) !!! وهو إنذار شديد اللهجة لمن لم تعصف رياح الربيع لديها بأن تكف عن العبث بأموال الشعوب والتلاعب بالعدالة الإجتماعية والعدالة القانونية !!؟؟ ولا أدل من مقولة الشيخ محمد عبده حينما قال جملته التي تكتب بماء الذهب (ذهبت إلى الغرب فوجدت إسلاما” بلا مسلمين , وذهبت إلى الشرق فوجدت مسلمين بلا إسلام) تحياتي الشديدة لك أستاذي القدير أبي الجعافر وللقراء الأعزاء .