جعفر عباس

المتعة فـي مناكفة الأطفال (٢)


المتعة فـي مناكفة الأطفال (٢)
[JUSTIFY] من الأسئلة القليلة التي لا أعرف لها إجابة: ما هي هوايتك؟ فالمتعارف عليه هو ان الهواية تعني ممارسة شيء غير العمل الرسمي بغرض الحصول على قدر من المتعة، وهناك من يهوى الرسم وغيره قد يهوى تنسيق الحدائق أو استخدام آلة موسيقية أو جمع الطوابع.. إلخ (الهواية التي لو سمعت بها تسبب لي التهاب القولون والجيوب الأنفية هي صيد السمك، ولا أعرف كيف يطيق إنسان الجلوس على الشاطئ مدة غير محددة في انتظار ان تسوق الأقدار سمكة إلى السنارة التي يمسك بالعود الذي تتدلى منه، وقد يعود هذا الهاوي إلى البيت خاوي الوفاض مرات ومرات ولكنه يعود إلى الشاطئ ويكرر المحاولة.. ما هو الممتع في الجلوس ساعات مع التحديق في الفضاء في انتظار سمكة قد تأتي وقد لا تأتي، والغاية من الجلوس ليست تجارية، والسمك متوفر في الأسواق بمختلف الأشكال والأحجام!!).. المهم ان المتعة الحقيقية عندي هي القراءة، بل انني أضحي أحيانا بساعات النوم الضرورية من أجل إكمال قراءة كتاب أو مقال.. ولكنني لا استطيع ان اسمي القراءة هواية، لأنني أصلا لم أخرج بشيء من النظام التعليمي سوى القدرة على القراءة والكتابة، شأني في ذلك شأن بلايين الناس، ومصدر المتعة الثاني عندي هو مناكفة الأطفال، فالأطفال يحبون المناكفة لأنها ضرب من «العبث البريء»، ولي تفانين في استفزاز الأطفال واستدراجهم لطق الحنك أو اللعب، وعدد أصدقائي من الأطفال ما بين سن الثانية والثامنة أكبر من عدد أصدقائي من الكبار الذين يفترض أنهم راشدون.

المهم أنني أعتبر نفسي «فنانا» في التعامل مع الصغار، وكيف أنني أشعر بالاستياء عندما أكون ضيفا لدى صديق أو قريب فيأتي أحد صغاره فينتفض الضيف ويهش الصغير كما الذباب: يللا يا شاطر روح عند ماما.. اما إذا لمس الطفل الضيف بيد متسخة أو مد يده لينزع ساعة الضيف أو نظارته فان المضيف ينفجر صائحا: عيب يا قليل الأدب.. امشي من هنا يا كلب.. ينسى صاحبي انه هو الذي ينبح وليس الطفل، وتحس في وجوه بعض من تزورهم الضيق والألم لأن أحد صغارهم دخل على الضيف بملابس متسخة، أو وجه ملطخ بالريالة، وقد تمتد أيديهم إلى صغارهم بالضرب، مع أنهم، أي الكبار، هم الأجدر بتلقي الضربات، لأن اتساخ جسم أو ملابس الصغير يلام عليه الكبير، ولأن البعض يعامل عياله كالمزهريات التي يتم نفض الغبار عنها في المناسبات التي تستوجب استقبال الضيوف، وعندما يحل عليهم ضيف قبل موسم استحمام الأطفال يصابون بالتوتر، وهناك الصنف الذي لا يلتفت لنظافة أجسام وملابس العيال إلا إذا كان من المرتقب أن يداهم البيت بعض الضيوف.

كسب ود الأطفال امر ممتع وسهل إذا تفاديت التعالي والتجهم..افترض ان طفلا اسمه سامر يرفض ان تداعبه لأنه عنيد بطبعه أو دلوع.. بادره بالتحية: أهلا سامي، سيحتج على الفور ويذكرك بأن اسمه سامر، فتستدرك وتقول له: آسف يا سامح، سامر يا عمو سامر.. ولكن عليك أن تواصل استفزازه: سامية؟ هذا اسم بنات، هنا سيقترب منك ليحتج على قرب منك: أنت أطرش؟ اسمي سامر، وتتصنع الأعذار: يا سلام.. فعلا اسمك جميل.. سامط.. بياع السميط.. في هذه المرحلة تنهار دفاعاته بالكامل، بعد أن يدرك تماما انك مستهبل فينفجر ضاحكا ويقبل عليك منفرج الأسارير، سيحدث ذلك في حالة واحدة فقط: إذا لم يتدخل ذوو سامر لطرده بمجرد تساؤله عن كفاءة أنظمتك السمعية، مع أن الطرش ليس تهمة، بل ان سامر استخدم الكلمة على الوجه الصحيح مقاما ومقالا.

ولكن حذار من الاستخفاف بذكاء الطفل، وكان مدير الإذاعة السودانية في السبعينيات رجلا صارما ومنضبطا، ودخل عليه مذيع سجله الانضباطي غير مشرف، وفرح المذيع عندما وجد ابن المدير البالغ من العمر نحو خمس سنوات مع والده في المكتب، فقرر أن يغزو قلب الصغير تمهيدا لغزو قلب والده: فشرع يخرج لسانه ويشد خدوده المكتنزة ويصدر أصواتا عجيبة للفت انتباه الصغير، الذي سرعان ما صاح في أبيه: بابا.. العبيط ده شغال هنا؟
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]


تعليق واحد

  1. براءة ربانية
    قد عرفت الآن سببا آخر يحببني في أبي الجعافر : هوايتان مشتركتان حب القراءة والصغار ، فكل من يعرفني يعرف في هذا الجانب ،ولي تجارب كثيرة مثيرة مع أطفال أسرتي الصغيرة والكبيرة ومعارفي بل حتى الغرباءمن السودانيين وجنسيات أخرى ، ولا أحتاج لشئ معهم غير تعبير الحب الذي يعكسه وجهي فينجذبون إلي ،لأنني أجد فيهم الفطرة الربانية التي لم تغيرها الحياة بعد وتحيلها مسخا، خاصة في سنوات الطفولة المبكرة، كما أني استمتع بتطبيق بعض النظريات التربوية وغيرها- مما أعرفه-فيهم ، وتداعبني أختي في ذلك قائلة 🙁 قرود ثورنديك)عالم النفس وتجاربه على القرود.
    ولنا في رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) أسوة ، فلقد ذكر أنه داعب صغيرا حينما مات عصفوره فكان يقول له : أبا عمير ما فعل النغير ؟

  2. يا أبو الجعافر ، من لا يستطيع الصبر على صيد سمكة ، لا يستطيع ترويض طفل ، فكلا المهمتين تعتمدان في الأساس على حكمة نطلق عليها
    اسم ( الصبر ) الصبر وطول البال والإسترخاء هذه أدوات صيد السمك وتربية الطفل الحقيقية ، واسأل مجرب ولا تسأل أبو الجعافر ، هاهاها

  3. (ولكن حذار من الاستخفاف بذكاء الطفل، وكان مدير الإذاعة السودانية في السبعينيات رجلا صارما ومنضبطا، ودخل عليه مذيع سجله الانضباطي غير مشرف، وفرح المذيع عندما وجد ابن المدير البالغ من العمر نحو خمس سنوات مع والده في المكتب، فقرر أن يغزو قلب الصغير تمهيدا لغزو قلب والده: فشرع يخرج لسانه ويشد خدوده المكتنزة ويصدر أصواتا عجيبة للفت انتباه الصغير، الذي سرعان ما صاح في أبيه: بابا.. العبيط ده شغال هنا؟)

    هاهاها فعلا” إنسان عبيط !! مقال جميل كالعادة أستاذي العزيز .2726