تحقيقات وتقارير

عبد الرحيم محمد سليمان : ما بين دولة المؤسسات ودولة الوساطات


[JUSTIFY]إنه بعُد المشرقين والمغربين ما بين دولة المؤسسات القائمة على منهجية التكامل الفكري والوظيفي الذي يصب في معين الارتقاء بقضية الوطن والمعتقد، ودولة «الوساطات» التي في أحسن الأحوال تمثل ما ينضوي عليه شكل التصدع الوشيك للقاعدة التي تستند إليها ركيزة العدالة والوحدة والتنمية التي تخدم جوهر الضرورة من وظيفة الدولة، ففي دولة المؤسسات تكمن عبقرية الجماعة المستوفية لشروط الاستمرارية، لأنها في تضاد مع قيم إعلاء الواسطة على حساب الكفاءة حتى ولو بحجة الإطار التنظيمي الذي بجهده الخارق صنع ميلاد الدولة، أما في دولة الوساطات فضيق أفق الفكرة يولد لدى الانتهازيين الذين تسلقوا المناصب على حين غفلة من أهل السلطة نزعت الخوف من عتمة المصير المجهول الذي يحدق بما يرونه بالحق المكتسب الواجب الدفاع عنه ولو يؤدي ذلك للمجازفة بحياتهم، لذلك لكي يرسخوا مندوحة الطمأنينة فهم يلجأون إلى تعويض نقص الثقة بإشاعة ثقافة «خيركم خيركم لأهله» دون مراعاة لقصد الطرح من فكرة حديث الرسول، فالمؤسسات تهدي الدولة إلى جادة الطريق والوساطات تحيدها عن بلوغ مرمى الهدف، كما دولة المؤسسات ذات صلة بروابط الدولة الثيوقراطية في الوقت الذي فيه دولة الوساطات ذات روابط متجذرة بأسس الدولة الفاشلة.. وأمريكا وكل دول الغرب مثال مطبوع يسمو بقيمة جدوى دولة المؤسسات، فهناك حق الوطن حق مقدس يعلو ولا يعلى عليه، بمعنى من حق الوطن على المواطن احترام رغبة الوطن في حاجته لاستيعاب الكفاءت التي تخدمه وترعاه بإخلاص وتفان يجعله في مصاف الأوطان المتحضرة، باعتبار في دولة المؤسسات الأوطان كائناً افتراضياً حياً تتطابق تطلعاته وتطلعات الكثير من البشر الذين تتحكم فيهم أذواق الحضارة، عكس دولة الوساطات فهي تعتقد في الوطن مجرد بقرة حلوب من لم يظفر بحليبها فهو لا محال سيظل أبد الدهر بين الحفر، وعلى ما تقرر في أمريكا ودول الغرب لا يستطيع رئيس الدولة أوأياً كان من المسؤولين أن يستغل النفوذ الرسمي ويتوسط لتوظيف قريب أو صديق حتى ولو عامل نظافة بالمجلس البلدي ليس لأن التشريعات القانونية تمنع ذلك، لكن صحة حياة الوطن أغلى من سلطات الرئيس الذي لو كانت تدوم لأحد لما آلت إليه. فالكل إلى زوال ويبقى الوطن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وفي هذا تجسيد لامتياز حق المواطنة ومدلول يجرد دولة الوساطات شرف مصلحة الوطن الذي تدعيه، لأن من يهتم لأمر الوطن لا يؤذيه بتوظيف قريب أو صديق على حساب آخرين أشد كفاءة وأجسر منه تجربة. فهؤلاء المنتحلون لصفة الكفاءة تحت ساتر الوساطة هم أكبر حجر عثرة يتسبب في سقوط الدولة ويجعلها تلقى حتفها مثلها مثل الدولة الليبية السابقة بزعامة العقيد معمر القذافي الذي اعتمد في أركان الحكم على أنصاف الكفاءت فلم يجدهم، وفي آخر المطاف كان ابن عمه قذاف الدم أول من غدر به وطلب من السلطات المصرية حق اللجوء السياسي… إذاً الأمر أمر مسؤولية تضامنية يحملها الكل دون تمييز أوعصبية تقلل من قيمة أشخاص على حساب آخرين… فدولة المؤسسات دولة العدالة حتى ولو في بلاد غير المسلمين، ودولة الوساطات دولة الظلم ولو في دار المسلمين… لأن الواسطة تعبر عن واقع مؤلم وعن قناعة حقيرة كونها فساداً من نوع يبطل الحق ويحق الباطل ويعتدى على الحقوق العامة.

وبالتالي، فإن آثار هذا الفساد لا بد وأن ينعكس على المواطن، فيفقده الثقة بالمؤسسات الحكومية وبأجهزة الدولة المختلفة، كما يضعف القيم الأخلاقية ويؤخر التنمية داخل المجتمع. وينشر الجريمة نتيجة لشعور المواطن بالحقد والكراهية لغياب أسس العدالة، وهذا ما طفح بوضوح في الآونة الأخيرة من كثرة الثورات في كل أرجاء الوطن العربي نتيجة الاختيارات غير المناسبة لقياديين غير مؤهلين شاءت الأقدار أن يتم تنصيبهم لخدمة الناس وهم لا يملكون القدرة حتى على حل مشكلاتهم الشخصية.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]