تحقيقات وتقارير

محاكمة على الهواء … وزراء في قفص الاتهام !


[JUSTIFY]من البديهيات المسلم بها أن الشخص الذي يتسم بدرجة عالية من الصدق لا يجد نفسه بحاجة لـ «الحلف» ولا يجهدها بتغليظ اليمين، فتراه يتحدث دون أن يُقسم لسامعه بأن ما يقوله أو يفعله حق، بعكس الكاذب الذي يعلم أنه كاذب وهو دائمًا بحاجة إلى أن يصدقه الناس فالأخير موقن بأنه يتحدث كذبًا ولا بد أن يعزز قوله باليمين الغليظة، فهو يخفي على الناس الكذب ويظهر لهم «عكسه» وهو الصدق هذا على مستوى الأشخاص أما على مستوى الحكومات وميادين العمل السياسي فإن أهل السياسة بما يتمتعون به من قدرات على الكلام المعسول والخطب السياسية الرنانة والقدرة على الإقناع يكتفون بتنميق الخطاب الإعلامي وتدبيج الخطب السياسية ولا يحرصون على صدقية ما جاء فيها ولا يأبهون بالوعود والتعهدات التي ترد في خطبهم وبرامجهم السياسية ولا يلقون لها بالاً ولا يزعجهم أنهم لم يفوا بما وعدوا لأنهم ببساطة يملكون أيضًا القدرة على تبرير «الكذب» و«الغش»، والأخطاء والفشل ويظنون أن الشعب بلا ذاكرة أو أنه مصاب بمرض «الزهايمر»، وإذا كانت الصحافة الحرة التي تعمل بمهنية عالية هي مرآة المجتمع ونبضه الحي، فبالضرورة أيضًا أنها ذاكرة الشعوب والمعبِّرة عن آلامها وآمالها وقضاياها، ومن هذا المنطلق نريد أن نذكِّر الحكومة العريضة، بعد إكمال أكثر من «عامين» أمضتها في السلطة، نريد أن نذكِّرها ببرنامجها الذي أعلنته في أول جلسة بمجلس الوزراء، وماذا حققت منه، وما ذا أنجزت من ذلك البرنامج والخطط والتدابير التي أعلنتها لتخفيف أعباء المعيشة على الشعب السوداني، وتدابير محاربة الفساد، وحظر سفر الوزراء للخارج عبر الطيران الخاص، ومنع الوزراء من الذهاب لوزارة المالية للتصاديق المالية والتوقيع على الشيكات منعًا لشبهات الفساد، والتدابير المعلنة للحد من إنفاق الوزراء.
سفر الوزراء قبل الخوض في تفاصيل هذه «المحاكمة» لبرنامج الحكومة العريضة على الهواء، لا بد من الإشارة إلى خبر ورد أمس «مينشيتا» بصحيفة الرأي العام على النحو التالي: «منع سفر الوزراء إلى الخارج»، وهو السفر عبر شركات الطيران الخاصة ودون علم رئيس الجمهورية وهو أمر ظل يشكل أعباء مالية ثقيلة على الموازنة ويضاعف من الإنفاق الحكومي ولا بد أيضًا من الإشارة إلى أن نفس الخبر وذات القرار حفلت به صحف الخرطوم الصادرة في يوم «26» نوفمبر «2011»، بعد تكوين الحكومة «العريضة» مما يعني أن القرار الأول قبل عامين هو عمر الحكومة الحالية لم ينفذ، لذلك اضطرت الرئاسة إلى إعادة إصداره مجددًا بعد عامين وفي وقت انتهت فيه فترة الحكومة العريضة التي يراد استبدالها الآن بأخرى لا ندري إن كانت «رشيقة» أو عريضة كسابقتها، وكأنما هذه التدابير والخطط يتم الإعلان عنها مع بداية تكوين أي حكومة وليس مهمًا أن يتم تنفيذها أو لا يتم، أو هكذا تبدو الصورة تمامًا.

«بزنس مان» الحكومة وفي أول جلسة لمجلس الوزراء بعد تكوينه في العام «2011» اتخذت قرارًا بمنع سفر الوزراء إلى خارج السودان عبر شركات الطيران الخاصة إلا بإذن من رئيس الجمهورية وذلك في إطار السياسات والمعالجات التي تم اتخاذها لتقليل الإنفاق الحكومي، وتشير معلومات هنا إلى أن بعض المسؤولين قد أرهقوا ميزانية الدولة بكثرة الرحلات الخارجية عبر شركات الطيران الخاصة وشكل هذا الأمر عبئًا ثقيلاً على الدولة، ولا يدري أحد على وجه الدقة إن كانت بعض الرحلات هي «بزنس» مرتبط بأعمال تجارية واستثمارية خاصة أو حزبية أم أنها رحلات رسمية تمت موافقة الحكومة عليها.. بعض الوزراء يسافرون في رحلات خارجية بدون إذن رئاسة الجمهورية، وبدون علم الخارجية، في حين أن المهمة يمكن لأي مدير إدارة أن يقوم بها ولا يتطلب الأمر سفر وزير بالطيران الخاص «المرهق» لميزانية الدولة المنهكة أصلاً، وهذا ما كان محور شكوى وزير الخارجية أمام البرلمان في إحدى المرات..

توقف شركات الطيران لكن النتيجة الحتمية لكثرة سفر الوزراء والمسؤولين بالدرجة التي استدعت الحكومة أن تصدر قرارات حاسمة تمنع سفر وزرائها ومسؤوليها من السفر عبر الطيران الخاص بتكلفته العالية تلك هو توقف أكثر من «30» شركة خاصة من شركات الطيران لتراكم مديونيتها على الحكومة باعتبار أن عدم تسديد الحكومة لمديونيتها أحد الأسباب التي ساهمت في توقف تلك الشركات، ولا شك أن سفر الوزراء المتواتر لأسباب معلومة وأخرى غير معلومة ذو صلة بهذا الخلل الكبير الذي دفع الحكومة لإصدار قرارات تقضي بعدم سفر الوزراء إلى خارج البلاد إلا بإذن من رئيس الجمهورية.

عقب انفصال جنوب السودان رسميًا في «9» يوليو «2011» وبعد تشكيل الحكومة «العريضة» هنا في السودان والتي شارك فيها لأول مرة الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني أعلنت الحكومة برنامجها الجديد وفرضت من خلاله تدابير للحد من إنفاق الوزراء.

شبهات الفساد وفي 16 / 12/ 2011 أعلن مجلس الوزراء في أولى جلساته أنه وضع شروطاً جديدة أمام سفر الوزراء والمسؤولين الحكوميين إلى الخارج ووجه المجلس بمنع سفر أي وزير أو مسؤول حكومي عبر شركة خاصة إلا بإذن من رئاسة الجمهورية أو مجلس الوزراء لدرء شبهات الفساد.

ومنعتهم في أول جلسة لمجلس الوزراء بعد تشكيل الحكومة الجديدة من التنقل عبر شركات الطيران الخاص، كما أقرت توجيهات قالت إنها ستكون حاسمة في مواجهة الفساد ومحاصرته.

وقتها قال وزير الإعلام عبد الله مسار في تصريحات صحفية إن الوزراء تراضوا على كتابة بيان صحفي عقب أنشطة المجلس الذي كلف وزارة مجلس الوزارء بوضع المزيد من الأحكام والرقابة ومن ضمن ما ذكر مسار من التدابير هو منع الوزراء من الذهاب إلى وزارة المالية للتصديقات المالية، منوهًا ابأن الوزير غير مطلوب منه الدخول في المعاملات المالية والإمضاء على الشيكات التي تترك للمسؤول المالي الذي يتولى المحاسبة والمراجعة الداخلية.

وأكد مسار تركيز المجلس على محاربة الفساد، وأضاف: هناك حديث كثير عن الفساد والمجلس ركز على محاربته بالتشديد على الالتزام بالقوانين المالية لمحاربة الشبهات.

في تلك الجلسة التي كان طابعها «الحماس» والدفع بالتطمينات للشعب السوداني وتأكيد محاربة الفساد قدم وزير مجلس الوزراء أحمد سعد عمر تقريرًا أكد فيه حرص الحزب الاتحادى على إرساء أدب جديد لحكومة ائتلافية راشدة تراعي «الصدق والشفافية» غايتها النهوض بالوطن وتحسين «الأوضاع المعيشية» للمواطنين.

المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء عمر محمد صالح قال يومها للصحفيين إن أعضاء المجلس الجديد أكدوا سعيهم الحثيث لتحقيق جملة من المبادئ والغايات أهمها التزام «جانب الشعب وتحقيق رغبة المواطنين في العيش الكريم» والالتزام بالمسؤولية التضامنية لخدمة برنامج الحكومة العريضة والالتزام بمنهج التنسيق الفعال لزيادة الكفاءة والإنتاج.

حيثيات المحاكمة الناظر إلى البرنامج الذي أعلنته الحكومة في أول جلسة لها يجد أن البون لا يزال شاسعًا بين ما أعلنته الحكومة العريضة من أول يوم والواقع اليوم، حيث إن سفر الوزراء للخارج لا يزال مستمرًا بشكل أو بآخر، ولعل الدليل هو صدور القرار الأخير، وكذلك شكوى وزير الخارجية أمام البرلمان.

أما محاربة الفساد فليس هناك ما يقنع بأن برنامج الحكومة نجح في محاربة الفساد وليست هناك أرقام للمحاكمات رغم إقرار الناطق الرسمي باسم الحكومة بكثرة الحديث عن الفساد.. أما بشأن التزام جانب الشعب وتخفيف أعباء المعيشة فكان العكس وهو رفع الدعم عن المحروقات، والمعالجات التي طالت الشعب ولم تطُل الحكومة كما في اعترافات الدكتور صابر محمد الحسن.
وأما بشأن تخفيض الإنفاق الحكومي فما حدث هو العكس تمامًا حيث ارتفع الإنفاق الحكومي إلى «9» أضعاف كما في اعترافات الدكتور حسن أحمد طه.

صحيفة الإنتباهة
أحمد يوسف التاي
ع.ش[/JUSTIFY]