هنادي محمد عبد المجيد

فاروق الباز وممر التنمية‏


فاروق الباز وممر التنمية‏
ممر النتمية ، هو فكرة مُبدَعة أرسى دعائمها العالم المصري الجليل الدكتور فاروق الباز ، وحين اطلعت على محتوياتها وجدت أنها فكرة رائعة يمكن تطبيقها على أرض واقع أي دولة تطل على نهر النيل العظيم ، لاسيّما السودان ، إليكم ما جاء في هذا المشروع : « يحتاج التفكير في مستقبل مصر إلى بُعد نظر ، فلا يمكن أن يتغيّر الوضع الحالي بين عشّية وضُحاها ، المهم أن يكون هناك مُخطط يعمل على تحريك الشعور بالمواطنة في عقل وقلب كل مصري ومصرية ، ينمو ذلك عندما يُؤمن السواد الأعظم من الناس بأن قادتهم يعملون للصالح العام أولاً وأخيراً ، ويُؤهل هذا الشعور أن يؤدي كل فرد دوراً فعالاً في مخطط الإنماء ، هكذا يجري إنماء الدول الغنية والفقيرة على حد سواء.
إذن يلزمنا إعداد مشروع يفهم مقصده كل الناس ، له مُخطط زمني مُحدد نعلم بدايته ونهايته ويستطيع كل فرد أن يرى فيه مكانا ًأو خيراً إما له شخصياً أو لأبنائه أو للآخرين ، يجب أن يُتيح هذا المخطط الإستخدام الأمثل لعقول الناس وسواعدهم وقدراتهم لكي يؤمن الجميع به ويشعر كل فرد بأن له دوراً مُهما في إنجاحه .
لقد أثبت تاريخ الأمم أنه منذ خلق الله الإنسان إذا توافرت في مجتمعهم ثلاث مقومات أساسية هي : * إنتاج فائض من الغذاء مما يجعل الناس تنموا أجسامهم قوية ومُخيّلاتهم خصبة ، والغذاء الجيد يمنح الصحة والعافية التي تؤهل إلى العمل المُجدي .
* تقسيم العمل بين أفراد المجتمع تقسيماً مناسباً ، ويستدعي ذلك ترقية أهل الخبرة والمعرفة وحُسن الإدارة – وليس أهل الثقة – على جميع المستويات .
* تأهيل الحياة الكريمة في المدن بحيث لا ينشغل الناس فقط بالبحث عن قوتهم ويعيشون في بيئة صالحة لكي يتمكن البعض منهم من الإبداع والإبتكار في عملهم ، والإبداع في العمل هو أهم مقوّمات الحضارة والرقي .
* إذن لن نُحدّث مصر ونُؤمّن مستقبل أهلها إلا إذا تحسنت أوضاعنا بالنسبة إلى المقوّمات الثلاثة السابقة ، لذلك فالحل الأمثل هو البدء في مشروع ممر التنمية في شريط من صحراء مصر الغربية يمتد من ساحل البحر المتوسط شمالاً حتى بحيرة ناصر في الجنوب ، وعلى مسافة تتراوح بين ١٠ و٨٠ كيلو مترا غرب وادي النيل ، يفتح هذا الممر آفاقاً جديدة للإمتداد العمراني والزراعي والصناعي والتجاري والسياحي حول مسافة شاسعة.
وبالنسبة لنا في مصر لا يصح إنشاء شبكة طرق جديدة في وادي النيل والدلتا لأن في ذلك إعتداء على الأرض الزراعية المُعتدى عليها أصلاً ، نتيجة النمو الكبير للكتل السكانية العشوائية وغير المرخص لها في أغلب الأحيان ، هذه الأراضي الخصبة رسّبها نهر النيل العظيم على مدى ملايين السنين ، ولقد تكدس سكان مصر في مساحة محدودة منها نتيجة الزيادة المستمرة في عدد السكان ، ولا يعقل أن نستمر في العيش على ٥٪ من مساحة أرضنا ، مع الإستمرار في البناء فوق التربة الزراعية
لذلك فلا بد من فتح آفاق جديدة للتوسع العمراني والزراعي والصناعي والتجاري والسياحي خارج نطاق وادي النيل الضيّق .
** الممر الرئيسي : يُمثّل الطريق العالمي من الشمال إلى الجنوب العنصر الأساسي لممر التعمير ، يبدأ الطريق على ساحل البحر الأبيض المتوسط في موقع بين الإسكندرية والعلمين ، ويؤهل لإنشاء ميناء عالمي جديد يُضاهي الموانئ العالمية الكبرى في المستقبل ، وتؤخذ في الإعتبار الحاجة إلى توفير استخدام تكنولوجيا المعلومات الحديثة في التعامل السهل السريع مع الصادرات والواردات والبضائع المؤقتة ،، يتكون الطريق الرئيسي من ثمانية ممرات على الأقل ، اثنان لسيارات النقل واثنان للسيارات الخاصة ذهاباً وإياباً ، كما يلزم تمهيد الطريق وفق المواصفات العالمية التي تسمح بالسير ( الآمن السريع ) دون توقف إلاّ في حالات الطوارئ ومحطات الإستراحة والوقود ومراكز تحصيل رسوم السير .
** المحاور العرضية : يشتمل المُقترح على ١٢ محوراً عرضياً يربط كل منها الطريق الرئيسي بموقع من مواقع التكدس السكاني في الدلتا وبموازاة وادي النيل ، تسمح هذه الطرق بالإمتداد العمراني غرباً في هذه المواقع رويداً رويداً وتضيف بُعداً جغرافياً لعدد من المحافظات التي تعاني من الإختناق في الوقت الحالي ، ويجب أن يسبق التخطيط والتنظيم والخدمات النمو الحضري لها .
** مزايا المشروع : ـ الحد من التعدي على الأراضي الزراعية داخل وادي النيل من قبل القطاع الخاص والحكومي معا .
ـ فتح مجالات جديدة للعمران بالقرب من أماكن التكدس السكاني .
ـ إعداد عدة مناطق لإستصلاح الأراضي غرب الدلتا ووادي النيل .
ـ توفير مئات الآلاف من فرص العمل في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة والإعمار .
ـ تنمية مواقع جديدة للسياحة في الصحراء الغربية بالشريط المتاخم للنيل .
ـ الإقلال من الزحام في وسائل النقل وتوسيع شبكة الطرق الحالية .
ـ تأهيل حياة هادئة ومريحة في بيئة نظيفة تسمح للبعض بالإبداع في العمل .
ـ ربط منطقة توشكى وشرق العوينات وواحات الوادي الجديد بباقي مناطق الدولة .
ـ خلق فرص جديدة لصغار المستثمرين للكسب من مشاريع في حقول مختلفة .
ـ مشاركة شريحة واسعة من الشعب في مشاريع التنمية ، مما ينمي الشعور بالولاء والإنتماء .
ـ فتح آفاق جديدة للعمل والتمتع بثمار الإنجاز في مشروع وطني من الطراز الأول .
ـ خلق الأمل لدى شباب مصر ، وذلك بتأمين مستقبل أفضل .
* مع أن تنفيذ المقترح الحالي قد نوقش في محاضرات عديدة بالجامعات والمؤسسات ومع الحكومة المصرية ، لكنه يُعرض كمشروع للقطاع الخاص وذلك لأسباب كثيرة .. لقد قدّر المختصون تكلفة المشروع بحوالي ٢٤ مليار دولار ، وهذه القيمة ليست بالكثير في الوقت الحالي ، لاسيما أنها تؤمّن مستقبل شعب بأكمله وتنقذ مصر من الوضع الإقتصادي المتردي في هذا الوقت بالذات ، وربما تمكن المستثمرون من تأمين المبلغ المطلوب لتنفيذ المشروع من تأمين المبلغ المطلوب لتنفيذ المشروع عبر بيع الأراضي الصالحة للإعمار على جانبي المحاور العرضية في بداية المشروع ، ونحن نعلم أن أسعار أراضي البناء تزداد بسرعة خيالية حالياً .. ويمكن لكل محافظة البدء في إعداد قائمة بمشاريع التنمية وأولوياتها بناء على احتياجاتها الحقيقية وفي ضوء مواردها من العمالة الفنية اللازمة وقدراتها الأخرى ، وفي نفس الوقت يجب عدم السماح بإستقطاب عمالة أجنبية للعمل في المشروع مهما كانت الأسباب ، لأن المصري أو المصرية يمكن تدريبهما للقيام بأي عمل كان وبأعلى مستويات الأداء العالمية .. وكذلك يمكن تشجيع شباب الجامعات من خلال مسابقات لإختيار مشاريع تنمية تقام في محافظاتهم ، حتى طلبة المدارس يمكنهم المشاركة بمسابقات لإختيار أسماء الطرق العرضية والمدن والقرى التي سوف تُنشأ على جوانبها .»
هنا إنتهى مقال العالم الدكتور فاروق الباز ،، ويمكن أن يكون إنطباع بعض قراء هذا المقال أن مُجرد سرد هذه الخطة التنموية يُعتبر ترفاً في حد ذاته ، ولكني أقول لهم
أن مجرد التفكير والتخطيط يعتبر في حد ذاته إنجاز لا يُستهان به ، فالفكرة تبدأ بحُلم ثم نخطط لتحقيق هذا الحلم بعزيمة الشباب وأمل الشابات ورعاية الشيوخ وتشجيع نشوة تحقيق الحلم وحصد النجاح والنتائج ،، لذلك لا يجب علينا أن نيأس فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون .
هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email][/SIZE]