رأي ومقالات

أي الجسرين نعبر يا سيادة الرئيس؟


[JUSTIFY]قال الفيلسوف ديفيد رسل:

The hardest thing to learn in Life is which Bridge to Cross and which to Burn

(أصعب شيء يمكن أن تتعلمه من الحياة هو أي جسر تعبر وأي جسر تحرق)

قلت هذه المقولة كثيرًا لأننا ما زلنا نواجه بجسرين لعبور أحدهما ودائماً كنا نعبر الجسر الخطأ ونحرق الصحيح. الآن ونحن مواجهون في طريق شائك بعبور جسر واحد وحرق الآخر وهذا هو الخيار الوحيد المتاح اذ لايمكن عبور الجسرين في وقت واحد.

الجسر الأول

هو الجسر التقليدي الذي سارت فيه الإنقاذ منذ يناير 2005 بعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل وهو جسر التشدد والتمترس في المواقف والمغالاة في الخصومة وعدم التسامح والإقصاء حتى صارت دنيا السوادان (فايرة مصادمة) كما قال الشاعر الراحل حميد الذي قرأ المستقبل من المعطيات التي كانت أمامه، حين كتب قصيدته هذه قبل سنوات هذا الجسر قادنا مباشرة الى الآتي:

1-انفصال الجنوب وتكوين دولته في 7/11/2011 والجنوبيون مجبرون عليه وكارهون له بعد أن عاشوا ست سنوات وهم قانعون بالحكم الفدرالي المثالي الذي عاشوا فيه في أمن وأمان والسودان أيضا في أمن وأمان منذ يناير 2005 وحتى يوليو 2011 تحت راية السودان الواحد العظيم.

2-عابروا هذا الجسر إستمروا في معاداة الدولة الوليدة ومعاداة قادتها، بالرغم من حديث الرئيس البشير الطيب في جوبا يوم رُفِّع علم دولة الجنوب وإصرار الرئيس سلفا كير على الاحتفاظ بعلم السودان في دولة الجنوب وعدم تسليمه للرئيس البشير كما جرى العرف، وهي اشارة ورسالة بالغة المعاني والمضمون والرسالة هي: (نحتفظ بالعلم السوداني معززًا مكرماً إذ قد نعود ايله يوماً ما) استجاب قادة دولة جنوب السودان لتلك المعاداة المفتعلة باعلانهم عدم التنكر أو خذلان من حارب معهم طوال عشرين عاماً بعد أن اصبحوا في دولة أخرى وهم إخوانهم في قيادات قطاع الشمال السياسية وأفراد قوات الفرقتين 9 و10 في جنوب كردفان والنيل الأزرق وهي في تقديري مسألة طبيعية وكلمات مجاملة واجبة في ذلك الوقت المبكر من الانفصال. أما الموقف العملي الحقيقي لهم من الفرقتين 9 و10 كان في توقيعهم على الاتفاقية الاطارية التي حقيقة تركتهم أو (باعتهم) لدولة السودان وتركتهم لقمة سائغة للسودان لم يعرف عابرو هذا الجسر كيف يلتهمونها دون عسر هضم- الاتفاقية الإطارية كانت مخرجاً ذكيا للحركة الشعبية للتخلص من أعباء والتزامات الحركة الشعبية المادية والأخلاقية تجاه قطاع الشمال- هذه الاتفاقية تنادي بحل وتسريح الفرقتين 9 و10 واستيعاب جزء منهم بعدتهم وعتادهم في القوات المسلحة السودانية والقوات النظامية الأخرى علماً بأن قوات الفرقتين تشكلان أقل من 10% من القوات المسلحة السودانية كل ذلك مقابل السماح لقطاع الشمال بتكوين حزب سياسي ملتزم بكل المتطلبات القانونية لتكوين الأحزاب بالسودان .

أما كان أجدى لعابري هذا الجسر القبول بتجريد قطاع الشمال من كل قوته العسكرية والسماح له بالمشاركة في حكومة وحدة وطنية بكل قوته السياسية مع حزب المؤتمر الوطني بكل قوته الجماهيرية والتنظيمية والمادية كان يمكن أن تقوم حكومة وحدة وطنية حقيقية من المؤتمر الوطني وحزب قطاع الشمال الجديد مثل هذه الحكومة قطعاً وبكل المقاييس أنفع وأجدى مليون مرة من تكوين حكومة وحدة وطنية غير حقيقية وباهتة من أحزاب وفصائل أحزاب لم ولن يكون لها وزن أو قيمة أو أثر في استقرار السودان فهي أحزاب ليست لها جماهير بل هم أفراد يحملون لافتات وأسماء أحزاب أكبر من حجمهم الحقيقي حتى الحزب الوحيد الجماهيري الذي شارك مؤخرًا وهو الاتحادي الديمقراطي الأصل تمت مشاركته برغبة وتكتيك أفراد ضد رغبة القاعدة العريضة للحزب وقياداته الأخرى التي فشلت بكل الوسائل في إقناع رئيس الحزب وهو صاحب القرار الوحيد بعدم المشاركة حتى أضحى الحزب الآن في صراع غير مسبوق خاصة من الشباب.

3-عابرو هذا الجسر حولوا السودان الى صفيح ساخن وبارود مشتعل وآخر كامن لا يعلم متى ومدى انفجاره إلا الله.

4-عابرو هذا الجسر رفعوا معاناة المواطن بغلاء الأسعار وانخفاض قيمة العملة وزيادة العطالة وتنكب الاقتصاد الجادة وأصبح سائرًا نحو الانهيار حتى خرج المواطنون في سبتمبر 2013 في مظاهرات واحتجاجات عارمة غير مسبوقة طوال فترة الإنقاذ ومات وجرح المئات وعابرو هذا الجسر يبشرون بمزيد من الإجراءات القاسية لمنع الانهيار الاقتصادي الوشيك.

الجسر الثاني:

هو جسر العقلانية والمرونة والتسامح والتصالح جسر رجال الدولة وأهم ملامح هذا الجسر الآتي:

1-المصالحة الوطنية الشاملة ووضع دستور مقبول للغالبية العظمى من المواطنين خلال فترة لا تتعدى عاماً.

2-اعادة هيكل الدولة وأعمال الحكم الفدرالي الكامل في ثمانية أقاليم هي: دارفور- كردفان- جنوب كردفان- الشمالي- الأوسط- الشرق- النيل الأزرق والخرطوم وإعادة كل الولايات الحالية داخل الأقاليم الى محافظات ادارية غيرسيادية.

3-تنفيذ الاتفاقية الاطارية ووقف الحرب فورًا في جنوب كردفان والنيل الأزرق حسب ما جاء في الاتفاقية الاطارية وبالطبع الحرب سوف تتوقف إلى الأبد إذا تم تسريح قوات الفرقتين 9 و10 ودمج جزءًا منها في القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى.

4-تكوين حكومة وحدة وطنية ثنائية بين المؤتمر الوطني والحزب الجديد الذي يمثله قطاع الشمال وفي ذلك استقرار ما بعده استقرار اذا خلصت النوايا وارتفعت الهمة والروح الوطنية الحقة- بقية أحزاب الحكومة الحالية والأحزاب الأخرى تترك خارج الحكم لترتب أوضاعها الداخلية والتنظيمية استعدادًا لانتخابات 2015.

5-اعادة النظر في السياسة الخارجية بصورة جذرية دون تردد مراعاة لمصلحة السودان وظروفه الاقتصادية الحرجة يجب وبكل الوسائل العمل على إعادة علاقاتنا التاريخية الأخوية مع المملكة العربية السعودية ودولة الأمارات ودولة الكويت- تاريخ هذه الدول معنا وحبهم لنا الذي تؤكده إعداد السودانيين في هذه الدول الثلاث ويؤكده تاريخ الوقوف معنا في كل المحن السابقة منذ أكثر من أربعين عاماً هذه الدول الثلاث يميزها شيئان- الأول أن قادتها يتمتعون بكل القيم الفاضلة العربية الإسلامية في الوقوف القوي الجاد عند المحن والعرفان بالجميل والشيء الثاني- إنها لا تعمل وفق أجندة ظاهرة أو باطنة أو مصالح شخصية وهي قادرة على دعمنا الفوري دون من أو أذى، وانتشال السودان من انهيار اقتصادي حتمي وفي وقت وجيز وخير مثال ما قامت به هذه الدول في دعم مصر بـ12 مليار دولار في أقل من شهر وقديماً دعمت هذه الدول السودان في كل المحن التي مر بها، وفي كل العهود والأنظمة- في فيضان 1988م والأمطار والسيول قدمت السعودية جسرًا جوياً فورياً به مائة عربة سوزوكي وأطناناً من المواد والمعدات، وبعدها قدمت لنا طائرات رش الباعوض والذباب بعد السيول والأمطار، وكان لها أثر بالغ في تجاوز المحنة- الأمارات قدمت دعومات مادية كبيرة لنظام مايو والكويت ساهمت في استثمارات السودان الكبيرة وكانت أول من استثمر في حظائر الدواجن إضافة إلى العمارات الكويتية الشهيرة حتى الآن في قلب الخرطوم ومصانع السكر خاصة كنانة، حتى في الجنوب ساهمت الكويت في مشاريع في الجنوب دعماً لوحدة البلاد حتى صار سفيرها الراحل عبد الله السريع يسمى عبد الله جوبا.. وهذه أمثلة من الدعومات بخلاف الدعومات الأخرى العسكرية التي لا يمكن سردها. هذان هما الجسران اللذان أمامنا لعبور أحدهما فأي الجسرين نعبر يا سيادة الرئيس..؟ والله الموفق.

صحيفة آخر لحظة
رأي : عمر البكري أبو حراز
ت.إ[/JUSTIFY]