رأي ومقالات

حسن ادروب : تغيير الولاة (إنما تأسف على الحب النساء) !


[JUSTIFY]اكتسبت التغييرات التي جرت مؤخراً على مستوى الرئاسة وفي الحكومة الاتحادية الكثير من الاهتمام لدي مراقبي الشأن السياسي لأنها أتت هذه المرة بمجموعة من القيادات الشبابية وهي بلا شك سوف تضيف حيوية ظلت الحكومة السابقة تفتقدها في الكثير من حقائبها الوزارية، كما أن التغيير لم يقتصر على الجانب التنفيذي فقط بل طالت رياح التغيير الأجهزة التشريعية على مستوى المجلس الوطني ومجلس الولايات ويبدو أن (المؤتمر الوطني) أراد عبر هذه الهزة المفاجئة من التغييرات إحداث نقلة إيجابية على المستويين التشريعي والتنفيذي بما يمكِّنه من إجراء إصلاحات اقتصادية فقد ذهبت الحكومة السابقة لأنها كانت مكبلة بقيود صعبة نتيجة لاعوجاج مسار الاقتصاد الوطني حتى صارت قضية إصلاحه ضرباً من ضروب الخيال، ولكنها ــ أي الحكومة ــ تداركت أخيراً أن رياح التغيير يمكن أن تقود للإصلاح المنشود لذلك اتخذت تلك الجملة من التغييرات الكبيرة وقد أعلنت الحكومة ومن خلال بعض التصريحات المنسوبة لوزير المالية أن هناك رؤية ونهجًا جديدًا لإجراء الاصلاحات الاقتصادية بعيداً عن كاهل المواطن الذي تحمل في الفترة السابقة أكثر مما تتحمل قواه العقلية والجسدية وهذه والله فاتحة خير فإن كانت الحكومة تريد إصلاحاً اقتصادياً فعليها بتوجيه ما تبقى من رياح التغيير باتجاه الولاة لأن الإصلاح الاقتصادي الذي يتحدث عنه وزير المالية أمرٌ صعب المنال في وجود الحرس القديم من الولاة وبعضهم (تفرعن) في ولايته حتى ظن أنه من المخلدين في المنصب مدى الحياة كما أن الإصلاح المنشود للقطاع الاقتصادي لن يتحقق إلا بزيادة الإنتاج والإنتاجية في القطاعات الحقيقية ومعظم هذه القطاعات تقع في الولايات كالمشروعات الزراعية والمطرية والمعادن والثروات السمكية والبحرية بجانب الفرص الهائلة التي تتمتع بها معظم ولايات السودان في مجال الاستثمار في السياحة والزراعة والتعدين والصناعات مثل تعليب الفاكهة وتصديرها للخارج، فلو صوب وزير المالية نظره نحو هذه الولايات لمزيد من الإنتاج والإنتاجية في المجالات التي ذكرناها، آنفاً، لو أنه فعل ذلك سوف يحدث حراك هائل لتنشيط اقتصاديات سوق العمل وهذا من شأنه جذب مستثمرين جدد برؤوس أموال كبيرة، وهناك أمر آخر وهو مسألة تقليل الإنفاق الحكومي فقد سمعت الوزير وهو يقول إن رؤيتهم لمعالجة الاقتصاد ترتكز بصورة أساسية على تقليل الإنفاق الحكومي، وهذا أمر يستحيل تحقيقه بالنظر إلى العقلية التي يدير بها بعض الولاة المال العام في ولاياتهم ومعظمهم فشل في تحقيق تنمية ملموسة بل ظلوا في صراع دائم مع وزارة المالية حول الأموال المرصودة للتنمية والأرباح الناتجة عن ضريبة القيمة المضافة.

إذن ليتسق التغيير بما يمكن الحكومة الاتحادية من مهامها على الوجه المطلوب وجب ذهاب كل الولاة بلا استثناء وإسناد مناصب الولاة لشباب في إطار الروح الشبابية التي عمت الحكومة الاتحادية لأن الميدان الحقيقي لزيادة الإنتاج والإنتاجية وزيادة المساحات الصالحة للزراعة والتوسع في حركة التعدين والتنقيب عن الذهب والمعادن الأخرى لا يتم إلا بإزاحة كل الولاة والإتيان بولاة جدد تتسق مفاهيمهم ورؤاهم مع رياح التغيير حتى تغدو ولايات السودان هي الداعم الحقيقي للخزينة العامة.
نريد بذلك ولاة جددًا بروح جديدة وثابة لاستنهاض همم الناس بولايات السودان المختلفة وإشاعة الحيوية والأمل بما يدفع إنسان كل ولاية للعمل بجد واجتهاد فقد أهملنا الولايات حين تركنا أمرها لولاة لا يعلم أحد ماذا يفعلون بتلك الولايات فوالله لو كان الذي يفعلونه فيه خير أو تقدم لما امتلأت العاصمة بكل هذا الكم الهائل من البشر حتى ضاقت على سعتها وتمددت بالاتجاهات الأربعة وأضحت بعض أحيائها الطرفية على مرمى حجر من حدود الولايات المتاخمة للخرطوم، ولو أن الولاة نجحوا (وكل بمقدار) في إدارة الشأن الولائي في مجال التنمية والقطاع الخدمي لحدثت هجرة عكسية من الخرطوم للولايات وليس العكس ولكن الحال المائل في معظم الولايات هو الذي دفع الناس دفعاً فأتوا رعاة ومزارعين زرافات ووحداناً نحو الخرطوم.

أعلم أن هذه المناشدة بتغيير الولاة سوف تُغضب بعض الولاة بسبب (الكنكشة) في المنصب والتوجس من أي إشارة تكتبها الصحف عن ولايته حتى لو كان نقداً بناء وهادفًا، وأذكر بهذه المناسبة أني كتبت قبل أعوام في واحدة من صحف الخرطوم أقول إن السيول والأمطار تحاصر لمدة ثلاثة أيام مدينة ولائية عريقة وأن لا أحد من حكومة الولاية قد تفقد مواطنيها الذين تحاصرهم المياه من كل جانب وهم على حافة المجاعة بسبب انقطاعهم عن التواصل مع عاصمة الولاية، نشرنا الخبر فثارت ثائرة الوالي الذي اتصل بمدير التحرير عبر الهاتف وهو يقول أن لا أمطار ولا سيول في ولايته ثم ختم محادثته لمدير التحرير وهو يضحك:
(قول لحسن أدروب المطرة دي صبت وين)؟!

اعتذر له مدير التحرير بلطف ووعده بتصحيح الخبر بعد إجراء بعض الاتصالات بمصادر محايدة، وفي صبيحة اليوم الثاني وقبل أن يتمكن مدير التحرير من إجراء تلك الاتصالات وقف أحد نواب الولاية بالمجلس الوطني وقدم مسألة مستعجلة وهو يقول أهلي الآن تحاصرهم المياه وهم مهددون بالموت جوعاً وأن لا أحد من مسؤولي الولاية قد قام بتفقدهم وأن المعتمد والذي تقع هذه المدينة في نطاق مسؤوليته الإدارية لم يتمكن من الذهاب إليهم لأن السيارة التي يستقلها قد تعطلت في الوحل والآن المعتمد (ذاتو داير نجدة).

دخلت على مدير التحرير لأبلغه بهذا التطور الجديد عن خبر تلك المدينة وقبل أن أتحدث إليه بادرني بالقول:-
مندوب وكالة السودان للأنباء كتب تقريرًا إخباريًا عن مأساة تلك المدينة وقد استمعت عبر الإذاعة السودانية لذلك التقرير فوجدت أن الخبر الذي نشرناه بالأمس صحيح مئة في المئة وهذا سبق صحفي ممتاز.
قلت له شكراً وأنا أهم بمغادرة مكتبه ولكنه استبقاني قليلاً ليقول لي بشيء من الحسرة والندم:-
(شوف يا حسن أدروب أنا كنت واثق إنو خبرك صحيح وكمان مصادرك موثوق بها) سكت لبرهة ثم قال:-
(بس الوالي قال ما قاعد يحب كتاباتك)!
قلت له: لا بأس سيدي المدير، إنما تأسف على الحب النساء!!

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]