هنادي محمد عبد المجيد

الحُجب العشرة بين العبد وربه‏


الحُجب العشرة بين العبد وربه‏
هناك عشرة أشياء تجعل العبد محجوباً عن ربه ،، والحَجْبْ يعني البُعد وعدم القُرب وعدم الإصطفائية – والعياذ بالله – ، هذه الأشياء العشرة هي :
١/ الجهل بالله : أي أن لا تكون عارفاً به ، فمن عَرفَه أحبّه ، وما عرفه من لم يُحبه ، لذلك كان أهل السُنّة فعلاً طلبة العلم حقاً هُمْ أولياء الله الذين يحبهم ويحبونه ، لأنك كلما عرفت الله أكثر أحببته أكثر .. قال نبي الله شُعيْب لقومه : [ واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود] هود ٩٠ ، وقال ربك جلّ جلاله : [ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّا ] مريم ٩٦ ،، والجهل بالله من أغلظ الحُجُبْ ، فالمرء عدو ما يجهل – أعاذنا الله وإياكم – .
٢/ البدعة : البدعة من الحُجُبْ العشرة التي تحجُب العبد عن ربه ، فمن ابتدع حُجِبَ عن الله ببدعته ، فتكون بدعته حجاباً بينه وبين الله حتى يتخلص منها ، روت السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : { من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} صحيح مسلم .. فالعمل الصالح له شرطان ، الشرط الأول هو: الإخلاص أي يكون لوجه الله وحده لا شريك له ،، والشرط الثاني هو : المتابعة أي أن يكون على سُنّة النبي ، وبدون هذين الشرطين لا يكون العمل صالحا ً ، ولا يصعد إلى الله ، لأنه لا يصعد إلى الله سوى العمل الصالح ، فتكون البدعة حجابا تمنع وصول العمل إلي الله وبالتالي تمنع وصول العبد ، فالمبتدع يتبع هواه ولا يسير على مُراد مولاه .
٣/ الكبائر الباطنة : وهي كثيرة ، مثل : التفاخر ، الخُيَلاء ، الكِبْر ، الغرور ، وتعتبر أكبر من الكبائر الظاهرة ، وأعظم من شرب الخمر والزنا والسرقة ، وهذه الكبائر الباطنة إذا وقعت في القلب كانت حجاباً بين قلب العبد وبين الرب ، فالطريق إلى الله إنّما تُقطع بالقلوب ، ولا تُقطع بالأقدام ، يقول ابن القيّّم : ” وقد تستولي النفس على العمل الصالح فتصيره جنداً لها ، فتصول به وتطغى ، فترى العبد أطوع مايكون ، أزهد ما يكون ، وهو عن الله أبعد ما يكون ” .
٤/ الكبائر الظاهرة : مثل : السرقة ، شرب الخمر ، الزنا ، عقوق الوالدين ، وسائر الكبائر المتعارف عليها ، و ويجب أن نعلم أنه لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الإستغفار ، والإصرار هو الثبات على المخالفة ، وقد تكون هناك معصية صغيرة فتكبر ، بعدة أشياء وهي : الإصرار والمواظبة ، استصغار الذنب ، السرور بالذنب ، التهاون بستر الله له ، المُجاهرة ، أن يكون رأساً يُقتدى به ، في هذه الحالات الستة تصبح الصغيرة كبيرة .
٥/ حجاب أهل الصغائر : إن الصغائر تعظُم ، وكم من صغيرة أدّت بصاحبها إلى سوء الخاتمة ، والعياذ بالله ، فالمؤمن يُعظّم صغائره ويرى ذنبه مهما صغُر كبيراً لأنه يُراقب الله ولا يُحقرنّ معروفاً لأنه يرى فيه مَنّه وفَضلَه ، فيظل بين هاتين المنزلتين حتى ينخلع من قلبه استصغار الذنب واحتقار الطاعة فيُقبل على ربه الغفور الرحيم التواب المنان المنعم فيتوب إليه فينقشع عنه هذا الحجاب .
٦/ حجاب الشرك : وهذا من أعظم الحُجب وأغلظها إثماً ، والمعنى الحقيقي للشرك هو تعلُّق القلب بغير الله تعالي ، سواء في العبادة ، أو في المحبة ،سواء في المعاني القلبية ، أو في الأعمال الظاهرة ، وليس ثمة شيء أبغض إلى الله من الشرك والمشركين ،، والشرك أنواع ومن أخطر أنواع الشرك هو الشرك الخفي [ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُم جَمِيعاً ثُمّ نَقولُ لِلْذينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُم ْالذيَن كنُتُمْ تَزْعُمونْ * ثُمّ لَمْ تَكُنْ فِتنْتَُهُمْ إِلاّ أَنْ قَالُوا وَالّله رَبنّا مَا كُنّا مُشْرِكينْ * انْظُرْ كَيْفَ كَذّبُوا عَلَى اَنْفُسِهِمْ وَضَلّ عَنْهُمْ مَا كَانوا يَفتَْرونْ ] الأنعام ٢٢-٢٤ ،، سَلْ الله العافية واستعذ بالله من الشرك فيزول الحجاب مع الإخلاص وصدق اللجوء إلي الله .
٧/ حجاب أهل الفضلات والتوسُّع في المُباحات : قد يكون حجاب أحدنا بينه وبين الله بطنه ، فإن الأكل حلال والشرب حلال لكن النبي قال : { ما ملأ ابن آدم وعاءاً شراً من بطنه } رواه الترمذي ، فإن المعدة إذا امتلأت نامت الفكرة ، وقعدت الجوارح عن الخدمة ، إن الحجاب بين العبد وبين الله قد يكون ملابسه ، قد يعشق المظاهر ، فقال فيه النبي :{ تعِس عبد الدرهم وعبد الخميصة } رواه البخاري ، فسمّاه عبداً ، لهذا فهي حجاب بينه وبين ربه .. هذه الأعراف والعادات والفضلات والمباحات قد تكون حجاباً بين العبد وبين الله ، وقد يكون كثرة النوم ، وقد يكون كثرة الزواج وتعلق القلب به حجاب بين العبد وربه ، وهكذا الإهتمام بالمباحات والمبالغة فيها والإنشغال بها يكون حجاباً غليظا يقطعه عن الله .
٨/ حجاب أهل الغفلة عن الله : الغفلة تستحكم في القلب حين يفارقه محبوبه جلّ وعلا ، فيتبع المرء هواه ، ويوالي الشيطان ، وينسى الله ، قال تعالى : [ َولَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطَاً ] الكهف ٢٨ ، ولا ينكشف حجاب الغفلة عنه إلاّ بالإنزعاج الناشئ عن انبعاث ثلاثة أنوار في القلب : * نور ملاحظة نعمة الله في السر والعلن ، حتي يغمر القلب محبته وجلاله فإن القلوب فطرت على حب من أحسن إليها ..* نور مطالعة جناية النفس ، حتى يوقن بحقارتها ، وتسببها في هلاكه ، ويعرف ربه بصفات الجمال والكمال فيذل لله ويحمل نفسه على عبادة الله لشكره وطلب رضاه ..* نور الإنتباه لمعرفة الزيادة والنقصان من الأيام ، فيدرك أن عمره رأس ماله فيشمر عن ساعد الجد حتى يتدارك مافاته فيستيقظ القلب ويدخل نور الله قلب العبد فيستضيء .
٩/ حجاب أهل العادات والتقاليد والأعراف : هناك أناس عبيد للعادة فصارت حجاباً بينهم وبين الله ، وأول وسيلة للوصول إلي الله خلع العادات لتصتبح حراً من العبودية لغير الله ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” ولا تصح عبوديته مادام لغير الله فيه بقية ” فلا بد أن تصير خالصاً لله ليقبلك .
١٠/ حجاب المجتهدين المنصرفين عن السير إلى المقصود : هذا حجاب المُلتزمين ، أن يرى المرء عمله فيعجبه ويسره فيكون حجاباً بينه وبين الله ، فمن الواجب ألا يرى المرء عمله فالرضا بالطاعة من رعونات النفس وحماقتها ، ، يقول ابن القيّم رحمه الله :” هذه عشرة حجب بين القلب وبين الله سبحانه وتعالى ، تحول بينه وبين السير إلي الله ، وهذه الحجب تنشأ عن أربعة عناصر ، أربعة مُسميات هي : النفس ، الشيطان ، الدنيا ، الهوى ” فلا يمكن كشف هذاه الحجب مع بقاء أصولها وعناصرها في القلب البتة ، لابد من نزع تلك الأربعة لكي تنزع الحجب بينك وبين الله ،، وفقنا الله وإياك .. والحمدلله
هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]